مُستقبل علاقات “إسرائيل” مع الصين وروسيا على خلفية الحرب في أوكرانيا

إن التعبير الملموس عن التحول الملحوظ الذي شهدته العلاقات الصينية الروسية من العداء العلني خلال الحرب الباردة إلى الشراكة ضد الغرب اليوم هو الدفء الذي نشأ في العلاقة بين رئيسي الدولتين، فلاديمير بوتين وشي جين بينغ، لقد زار بوتين “أفضل أصدقائه” في بكين في أوائل فبراير الماضي، وتوجت القمة بين الزعيمين ببيان مُشترك جاء فيه أن “الصداقة بين البلدين والتعاون غير مشروطة لا حدود لها“، وعبرت عن الرفض المشترك لسياسات الولايات المتحدة والناتو، وبعد ثلاثة أسابيع غزا بوتين أوكرانيا.

فمنذ عام 2022 زاد هذا الرقم بشكل كبير بسبب التغيير في أهداف التجارة الروسية تجاه الصين وارتفاع أسعار السلع الأساسية، وتعد الصين أكبر مستهلك للطاقة والحبوب في العالم بينما تعد روسيا مصدراً رئيسياً للوقود والغاز والفحم والمنتجات الزراعية، ووفقاً لتتبع شحنات النفط ووفقاً للتجار الذين تحدثوا مع رويترز فإن الصين تستفيد من المقاطعة الغربية للطاقة الروسية في عمليات الشراء بأسعار منافسة.

زادت الحاجة إلى الدعم المتبادل بين البلدين في مايو 2022، بعد الزيارة الأولى إلى آسيا التي قام بها الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي وعد مرة أخرى بحماية تايوان من الغزو الصيني، هبط بايدن في البداية في كوريا الجنوبية واليابان، حيث أطلق هناك الإطار الاقتصادي “المحيط الهندي والمحيط الهادئ” (IPEF)، والحديث هنا يدور عن ركيزة اقتصادية لاستراتيجية واشنطن وحلفائها لصالح مساحة في المحيط الهادي والهندي (FOIP) حرة ومفتوحة للجميع، تهدف إلى منع الهيمنة الصينية في هذا الجزء من العالم، وتبع ذلك قمة لزعماء الرباعية Quad (الولايات المتحدة واليابان والهند وأستراليا)، الشركاء أيضاً في احتواء نفوذ وقوة الصين.

وصرح “جيك سوليفان” مستشار الأمن القومي لبايدن، أن الزيارة إلى آسيا كانت تهدف إلى إثبات أن الولايات المتحدة قادرة على “قيادة العالم الحر” ضد روسيا، وفي الوقت نفسه ترسم الطريق إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ، أي طريق غير صيني، ويأتي ذلك بعد الانتقادات الأمريكية لموقف بكين من الحرب في أوكرانيا، والتوقع من أن يضغط الرئيس الصيني شاي على بوتين لإنهاء القتال، وقد صاغ بايدن الحرب على أنها “معركة بين الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية”، وربط وزير الخارجية أنتوني بلينكين الصين بروسيا في الجانب الخطأ من التاريخ.

ومع ذلك حتى بعد بدء الحرب في أوكرانيا، تواصل الولايات المتحدة إعطاء الأولوية للصين باعتبارها التهديد الرئيسي لأمنها، وفي أواخر مايو شرح بلينكن بالتفصيل استراتيجية إدارة بايدن تجاه الصين عندما أكد أنه حتى مع استمرار حرب الرئيس بوتين، سنبقى مركزين على أخطر تحد على المدى الطويل للنظام الدولي، وهو التحدي الذي تشكله جمهورية الصين الشعبية.

صحيح أن بلينكين عدل من تصريحاته عندما قال إن الولايات المتحدة لا تبحث عن صراع جديد أو حرب باردة، لكنهم في الصين وصفوا تصريحاته بقولهم إن أقواله تختلف عن أفعاله، مشيرين إلى حقيقة أن الولايات المتحدة تخطط لإجراء استعراض قوة في ساحتها الخلفية في حزيران (يونيو) المقبل، حيث سيقود أسطول المحيط الهادئ الأمريكي أكبر مناورة بحرية في العالم بمشاركة 26 دولة (بما في ذلك إسرائيل).

منذ غزو أوكرانيا أدان محللون صينيون الأصوات من الداخل التي تنتقد قسوة العمليات الروسية في أوكرانيا، مؤكدين الحاجة إلى دعم روسي لنزاع مستقبلي محتمل في بحر الصين الجنوبي والشرقي مع التركيز على تايوان، وكتب محللون صينيون آخرون أن خسارة بوتين لأوكرانيا والغرب تعني أن الدور سيكون على الصين، ويعودون ويكررون في وسائل إعلام الحزب التابعة للدولة أن الغرب الذي تقوده الولايات المتحدة يستخدم الحرب لزيادة نشاطاته القمعية ولاحتواء الصين.

توضح الحرب في أوكرانيا القيمة الكبيرة لنظام التحالفات الأمريكي الذي يقدم المساعدة العسكرية إلى كييف، بينما تواجه روسيا التي تقاتل بمفردها صعوبة في الحسم، مثل روسيا تعتمد الصين فقط على نفسها، ولديها تحالف تاريخي واحد فقط وهو مع كوريا الشمالية الفقيرة والمعزولة، كما أن القيمة العسكرية لـ “لأخوة الحديد” مع باكستان الإسلامية في نظر الاستراتيجيين في بكين محدودة.

في السنوات الأخيرة أدى الضغط الذي تشعر به موسكو وبكين من واشنطن إلى تكثيف التعاون العسكري بينهما، ليس هناك شك في أنه بينما اجتمع قادة المجموعة الرباعية في طوكيو “Quad”، قامت الطائرات المقاتلة الروسية والصينية بطلعة جوية استكشافية مشتركة إلى الحدود اليابانية، حتى مشاهد الدمار الشديد في بوشا وماريوبول لم تمنع الدبلوماسي الصيني البارز يانغ جيهقا، من الكتابة هذا الشهر في مجلة الحزب بأنه يجب على الصين وروسيا العام المقبل الالتزام بالشراكة الاستراتيجية الشاملة للتنسيق للعصر الجديد.

ليس كل شيء على مايرام
على الرغم من التصريحات الطنانة عن شراكة “بلا حدود” إلا ان الثقة المتبادلة بين روسيا والصين محدودة، فمنذ بداية الحرب أوضح المسؤولون الصينيون أنه لا يوجد تحالف عسكري بين البلدين، ولم يتم تقديم أي دليل حتى الآن على تقديم مساعدات أمنية صينية إلى روسيا، وترفض روسيا بيع تقنياتها العسكرية الأكثر تقدماً للصين، بينما يقوم الصينيون بعمليات اختراق إلكترونية لخوادم شركات الصناعات الامنية الروسية.

روسيا تبرز قوتها في أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا على الجبهة الأمنية والسياسية بالقوة الشديدة، بينما تركز الصين على التنمية الاقتصادية، من ناحية أخرى في آسيا الوسطى المهمة بشكل خاص لروسيا تقضم الصين هناك من النفوذ الروسي في جميع الجوانب.

هناك نظرة خاطفة على الخارطة تظهر التحديات الأمنية الهائلة الكامنة في الانهيار المحتمل للعملاق الروسي من الشمال والذي تشترك معه الصين في حدود تمتد لأكثر من 4000 كيلومتر، فلا يزال القوميون الصينيون الذين يتوقون إلى الوحدة مع تايوان ينظرون بشوق إلى ميناء فلاديفوستوك، الذي أُجبرت سلالة تشينغ الحاكمة على تسليمه إلى الروس في القرن التاسع عشر، وينظرون بغضب إلى منغوليا المستقلة التي لم تتحد مع منغوليا الداخلية في الصين حتى اليوم بسبب التدخل السوفيتي.

من جانبهم يخشى المفكرون الروس من أن الصين قد تستغل في المستقبل ضعف روسيا والأقلية السكانية في الجزء الشرقي الشاسع للسيطرة على أراضيها، إن التنبؤات بأن روسيا ستصبح محمية للصين هي كابوس بالنسبة للكرملين لا يقل عن استمرار الهيمنة الغربية على الساحة الدولية.

تقتصر الرؤية المشتركة لمستقبل النظام العالمي على معارضة الصين وروسيا للقيادة الأمريكية، علاوة على ذلك فإن الصين هي المستفيد الأكبر من النظام العالمي الحالي والعولمة التي يقودها الغرب، حيث أدى الاستقرار النسبي والازدهار الاقتصادي العالمي إلى وصول البلاد إلى مكانتها الحالية كثاني أكبر اقتصاد في العالم، مقارنة بالأنشطة التخريبية لروسيا التي تسعى إلى قلب النظام الحالي على وجهه، تُجري بكين تغييرات تدريجية من شأنها ان تمنحها تمثيل أعلى لمصالحها.

العلاقات مع الغرب أيضاً لا تتداخل
فعلى الرغم من تصريحات الصين العدائية فإنها بحاجة إلى الغرب في مواجهة سلسلة من التحديات المنهجية التي تفصلها عن تحقيق “الحلم الصيني” بدولة اشتراكية حديثة: والموازنة بين عامين من الوباء وعمليات الإغلاق القاسية وبين إعادة تأهيل الاقتصاد المتعثر.

وتغييرات الإصلاحات السياسية الاجتماعية لاقتصادية الشاملة وشيخوخة السكان والاحتباس الحراري وتحديات محلية أخرى، وتجارتها مع روسيا لا تكاد تذكر مقارنة بالتجارة بينها وبين الولايات المتحدة (657 مليار دولار) والاتحاد الأوروبي (828 مليار دولار)، وقد تفسر هذه الأرقام سبب تعاون البنوك الحكومية والشركات الصينية (في الغالب) مع العقوبات الغربية.

ضعفت مكانة روسيا الدولية إلى حد كبير في أعقاب غزو أوكرانيا، ويعاني جيشها من خسائر فادحة، لكن اقتصادها الغني بالموارد يتميز بمرونة عالية كما أثبتت ثماني سنوات من العقوبات، من المرجح أن تستمر موسكو في لعب دور مهم على الساحة العالمية في أي سيناريو لتحل الأزمة في أوكرانيا.

على هذه الخلفية فإن المجتمع الدولي ليس موحداً فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا، بطريقة تعكس ميل العديد من الدول إلى تبني سياسات تحوط حكيمة في المنافسة بين القوى مع تفضيل مصالحها الخاصة مع روسيا أو الصين، فالحلفاء القدامى للولايات المتحدة مثل الهند ودول الخليج ودول جنوب شرق آسيا، مثل الفلبين لا ينضمون إلى العقوبات الاقتصادية وتتجنب قطع العلاقات مع موسكو، ذلك إلى جانب إصرارها على تجنب التحيز لطرف في المنافسة الاستراتيجية بين الغرب الصين.

المعاني والتوصيات “لإسرائيل”
“إسرائيل” أيضاً توجد في مركز الضغوطات، خاصة من قبل واشنطن التي تطالبها بتقييد العلاقات مع موسكو وبكين، ومع ذلك فإن المعضلات التي يواجهها صناع القرار في تل أبيب أكثر تعقيداً من معضلات الدول غير الديمقراطية، فخلافاً لها ترى “إسرائيل” نفسها على أنها تنتمي إلى المعسكر الغربي وتتقاسم معه عالم قيم مشترك، ويميل الرأي العام في “إسرائيل” إلى إبراز ذلك من خلال الإعراب عن دعمه لأوكرانيا.

إن كثرة التحديات الأمنية في المحيط الاستراتيجي “لإسرائيل” يجعل من الصعب عليها قطع علاقاتها مع روسيا تماماً، الأمر الذي يؤثر على المشاكل الأمنية الرئيسة “لإسرائيل”، أو الانفصال الاقتصادي عن الصين الشريك التجاري المهم.

ستستمر روسيا في الحفاظ على هيمنتها في سوريا وستعمل كمصمم رئيس فيما يتعلق بتمركز إيران هناك وفيما يتعلق بنشاط “الجيش الإسرائيلي” في سوريا، وربما حتى في لبنان، وستحتفظ بنفوذها في القضية النووية الإيرانية، وتمنحها علاقاتها مع أعداء “إسرائيل” وخصومها قدراً كبيراً من القوة الضارة فيما يتعلق “بالمصالح الإسرائيلية”.

على الرغم من الضغوط الداخلية والخارجية الشديدة اختارت “إسرائيل” الطريق الوسط: وعلى الرغم من إدانتها القاطعة للهجوم الروسي، إلا أنها تحافظ على اتصالات مع كل من الكرملين والرئيس الأوكراني زيلينسكي في حالة طلب المساعدة؛ وتقدم مساعدات إنسانية مكثفة نسبيا لأوكرانيا، لكنها ترفض إمدادها بأسلحة هجومية.

بينما في الساحة العامة في “إسرائيل” وحول العالم تتعرض الحكومة للهجوم لأنها ليست في الجانب الصحيح من التاريخ، ولكن في الحوار مع الحكومات ولدى الخبراء والمختصين في الغرب وحتى في أوكرانيا هناك تفهم لموقف “إسرائيل”.

في الوقت نفسه منذ إدارة ترمب مارست الولايات المتحدة ضغوطاً كبيرة على “إسرائيل” للحد من العلاقات مع الصين، وكان موقف إدارة بايدن بأن الصين هي التهديد الرئيس للغرب حتى بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، ينذر بتسارع الاتجاهات السلبية في العلاقات بين تل أبيب وبكين، كما يتضح من المنشورات الأخيرة بخصوص خسارة الشركات الصينية في مناقصة القطار الخفيف في غوش دان، أو المحاولة الغريبة للسفارة الصينية في “إسرائيل”، مطالبة صحيفة جيروزاليم بوست بحجب مقال مهددة بتخفيض العلاقات الدبلوماسية مع “إسرائيل”.

ومع ذلك فإن ما يُقال عن استمرار أهمية روسيا على الساحة الدولية ينطبق بسبعة اضعاف على الصين التي يُقدر أنها ستصبح أكبر اقتصاد في العالم في العقد المقبل، في عام 2018 أصبحت الصين ثاني أكبر شريك تجاري “لإسرائيل”، وسيضمن التوقيع المرتقب لاتفاقية منطقة التجارة الحرة في العام المقبل بأن تصبح أكبر شريك بدلاً من الولايات المتحدة.

على عكس حقبة الحرب الباردة، تؤدي العولمة والطبيعة متعددة الأقطاب للنظام الدولي إلى أن يصبح أي تقسيم إلى كتل حسب الخطوط الأيديولوجية بين الديمقراطية والاستبداد غير واضح، ففي المعسكر الغربي هناك اختلافات في النهج فيما يتعلق بروسيا والصين.

إن الدعوات الموجهة إلى “الحكومة الإسرائيلية” إلى إلحاق ضرر عميق بعلاقاتها مع موسكو من أجل أن تكون في الجانب الصحيح من التاريخ والإسراع في تقليص العلاقات مع الصين يعرضها في الواقع لدفع أثمان استراتيجية باهظة بعيدة المدى، في حين أن قيمة الإنجازات التي يمكن ان تحققها مثل هذه الخطوات ليست مضمونة.

“إسرائيل” تفعل الشيء الصحيح عندما تتجنب المنعطفات الحادة في علاقاتها مع الصين وروسيا، ويجب الاستمرار في صياغة السياسات تجاه كل منهما على حدة، ويجب عليها أن تستمر في تحقيق التوازن بين إمكانات تعميق التعاون العملي مع الصين مع مراعاة الحساسية الغربية والاعتبارات الأمنية.

أما أمام روسيا فيُنصح بالحفاظ على قنوات الحوار السياسية والأمنية من أجل تعزيز “مصلحة إسرائيل” في الشرق الأوسط، ولكن عدم الخوف من أي انتقاد لموسكو، من الصواب الاستمرار في الامتناع عن إمداد أوكرانيا بالأسلحة، ومواصلة مساعدتها على نطاق أوسع على المستوى الدفاعي والإنساني، سيساعد “حوار إسرائيل” المستمر مع العواصم الغربية حول قضية المنافسة بين القوى على زيادة الشفافية وضبط التوقعات.

توفيا غورينغ ودانيال راكوف – معهد القدس للاستراتيجية والأمن
ترجمة الهدهد

اساسياسرائيلالصيناوكرانياروسيا