ملخص كتاب: أربعون عامًا على حرب لبنان الأولى

قال الدكتور يغئال كابيناس في كتابه الجديد حول الحرب في لبنان الذي يعتمد على الوثائق الارشيفية بمناسبة مرور 40 عاما على هذه الحرب بان بيغن لم يتم خداعه وان اهداف الحرب استمدت من رؤيته التي تقول بانه لا يجب ان يكون هناك اي تهديد على إسرائيل حتى لو كان بعيدا عن المركز ولذلك سعى الى تصفية الوجود العسكري لمنظمة التحرير وقياداته في لبنان.

يصف الكتاب التنسيق الكامل الذي كان قائما بين بيغن وشارون وكذلك التقلبات الحادة في مزاج رئيس الوزراء، كما وثقه سفير الولايات المتحدة في إسرائيل في تقاريره التي كان يرسلها لرؤسائه بعد لقاءاته مع بيغن.

مقتطفات من مقدمة كتاب “لبنان 1982: الطريق إلى الحرب”

في يوم الجمعة، 4 حزيران (يونيو) 1982، قبل الظهر، تم استدعاء العديد من طواقم سلاح الجو للحضور لتلقي التعليمات حول مهمة هجوم روتينية في لبنان. لم يعرفوا أن القصف العنيف جدا على مدرجات الاستاد الرياضي في جنوب بيروت عند الساعة 15:15 ستكون ايذانا بالبدء في الحرب بعد يومين. خططت إسرائيل هذه الحرب لأكثر من عام وكانت الخطة تحمل اسم ” اورانيم “. كان الجيش في كامل هيكله القيادي، المقاتلين والجنود، يستعدون لها، وفي الأشهر التي سبقت ذلك كان الجيش على اقصى درجات التأهب لدرجة منهكة للغاية.

سيناريو خوض الحرب كان جاهزًا مسبقًا. منذ اتفاق وقف إطلاق النار في 24 يوليو /تموز 1981، الذي تم توقيعه رسميًا بين إسرائيل ولبنان ولكنه كان عمليًا بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، امتنعت منظمة التحرير الفلسطينية عن إطلاق النار على المستوطنات الشمالية. كان الاعتقاد في إسرائيل، أن مهاجمة أهداف في بيروت ستدفع عرفات الى انتهاك سياسات ضبط النفس، مما يمنح إسرائيل الذريعة للبدء بتنفيذ خططها العسكرية. لذلك، قبل حوالي ستة أشهر من تعرضه للهجوم، تم تحديد استاد بيروت كهدف يمكن ان يؤدي الهجوم عليه الى تحريك الخطوة الإسرائيلية المعد لها سلفا الى الامام.

كان أعضاء مجلس الوزراء على دراية بسيناريو البدء في الحرب. عندما اجتمعوا في صباح ذلك اليوم الجمعة، اوضح لهم الجوهر خلف قرارهم بالموافقة على الهجوم على أهداف في لبنان. أولئك الذين عارضوا الخطوة، التي تتجاوز عملية ضرب قوات منظمة التحرير في جنوب لبنان بقوة شديدة، كانوا يعلمون انهم يخوضون معركة خاسرة مع بيغن، شارون، وزير الخارجية اسحاق شامير ورئيس الاركان رفائيل ايتان.

اراد رئيس الاركان ووزير الدفاع البدء بالحرب قبل ذلك بوقت طويل، وقبل الانتهاء من اخلاء المستوطنات في سيناء. استطاع بيغن الوقوف في وجه الضغوطات التي مارسها عليه الاثنان حتى 30 نيسان من عام 1982. اراد بيغن تجنب الحاق الضرر باتفاق السلام مع مصر، الذي وضع الاسس التي تمنع قيام دولة فلسطينية. كما كان يعلم أن الإدارة الأمريكية ستعارض حرب إسرائيلية واسعة النطاق في لبنان، خصوصا اثناء تنفيذ اتفاقية السلام. بمجرد اكتمال الإخلاء، ازيلت كافة العقبات، ولم يتبق سوى انتظار الذريعة. تم تحديد منتصف صيف 1982 باعتباره اخر موعد للبدا في الحرب. والسبب في ذلك يعود للتزامن مع موعد الانتخابات الرئاسية في لبنان – سيكون التصويت بالتنسيق مع إسرائيل وبمساعدتها سيتم انتخاب بشير الجميل في المنصب.

اهتم بيغن باطلاع الإدارة الأمريكية كل الوقت على التطورات. حيث كتب إلى الرئيس ريغان قبل أسبوعين من بدء الحرب: “لا نريد أن نفاجئكم”… لا نريد ان تتدخل الولايات المتحدة في قرارنا شن عملية عسكرية لا مفر منها، حتى لا يتم اتهامكم من قبل البعض بالتآمر مع إسرائيل “. كما انه لم يخفي عن الامريكيين نية إسرائيل البدا بها خلال ايام قليلة وان كان ذلك بلغة ملتوية. وصلت الرسالة إلى الرئيس في 25 مايو ايار. كان شارون في ذلك الوقت في واشنطن، وفي نفس اليوم قدم لوزير الخارجية تصورا حول العملية المخطط لها.

مع عودة شارون الى البلاد، وزعت شعبة العمليات برقية مستعجلة حول تغيير الاسم الرمزي لـ “أورانيم” إلى “سلامة الجليل” ووضع الجيش الإسرائيلي في حالة من التأهب لمدة 72 ساعة للخروج الى الحرب. وأجرى رئيس الاركان تقديرا للموقف واطلع الحاضرين حول نية القيام بسلسلة عمليات ” هادئة وسرية “، التي ستدفع منظمة التحرير للرد، وكرد على الرد ” ستكون هناك عملية مكثفة ينفذها سلاح الجو، ليس ضد المدنيين ولا بيروت. ثم تأتي ” اورانيم “.

محاولة اغتيال السفير شلومو أرغوف في لندن ألغت الحاجة للقيام بعمليات هادئة وسرية. فقد توفرت لإسرائيل الذريعة. توقيت محاولة الاغتيال سبق الموعد المقرر للحرب بيومين فقط. لذلك بدأت إسرائيل الحرب بتصرفات مرتجلة. قال أوري ساغي، رئيس قسم العمليات في صبيحة يوم 5-6-1982، ” لقد قمنا بالتدرب على اورانيم عشرة أشهر ووصلنا الى الطريقة التي يمكننا القيام بها وفي النهاية قمنا بها بطريقة اخرى “. كانت مهمة ساغي ترجمة اهداف الحرب الى خطط قتالية.

لم يتم خداع بيغن. كانت الأهداف الأربعة للحرب مستمدة من رؤيته. “سلامة الجليل”، أو التصدي للتهديد الأمني الذي تمثله ​​منظمة التحرير الفلسطينية على المستوطنات الشمالية، لم يكن سوى أحد المكونات في دوافعه: حتى لا تكون هناك منطقة تهدد إسرائيل حتى لو كانت طرفية وبعيدة يجب العمل على تصفية البنية العسكرية التحتية لمنظمة التحرير وقياداتها في لبنان، وتحديدا في بيروت والتي كانت تستخدم قاعدة للنشاطات الفدائية ضد إسرائيل واهداف يهودية في العالم. اما الهدف الثاني فهو التخلص من التهديد على استمرار السيطرة الإسرائيلية على كل ارجاء الضفة الغربية من خلال القضاء على الانشطة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي كانت تسعى الى اقامة دولة فلسطينية في اراضي الضفة. واوضح بيغن نواياه فيما يتعلق بعرفات ايضا بقوله ” سنصل الى بيروت ونعتقل الرجل الملتحي وسيكون مصيره كمصير ايخمان “. الهدفين الاخرين كانا متداخلان ببعضهما: هدف انتخاب بشير الجميل رئيسا صديقا لإسرائيل يوقع معها اتفاق سلام لم يكن ممكنا ما دام السوريين في لبنان، وكي يستطيع ابعاد قواتهم كان يتعين على الجيش الإسرائيلي الوصول الى بيروت وشارع بيروت دمشق. تطابقت وجهة نظر بيغن وشارون تجاه اهداف الحرب.

رأى بيغن وشارون أهداف الحرب وجهاً لوجه. كان بيغن على دراية بسلبيات نظيره كما كان يدرك ميزاته. لم يقم بتعيين شارون وزيرا للدفاع مع استقالة عيزر وايزمان في مايو ايار 1980، بينما كان موعد تنفيذ اتفاق السلام المصري لا زال بعيدا، لكنه لم يتردد في القيام بذلك بعد حوالي عام، عندما كان واضحا للجميع أن إسرائيل كانت تستعد للحرب. في يوميات لقاءاته، التي بدأت في تموز (يوليو) 1981، برزت بشكل واضح لقاءاته الشخصية الكثيرة مع ارئيل شارون. قبل أيام قليلة من تعيينه في المنصب، استمع بيغن لموقفه في اجتماع الحكومة: “يجب أن يكون هدفنا القضاء على الإرهاب في لبنان الذي يعتبر قاعدة للهجمات على إسرائيل والقضاء على التنظيمات الإرهابية في لبنان، أو تصفيتها كقاعدة سياسية ايضا “.

ذهب الرجلان بعيدا في اهدافهم أكثر بكثير من تلك التي كانت الحكومة على استعداد للموافقة عليها عندما عرضها بيغن عليها، وكذلك تلك التي كانت المعارضة بقيادة شمعون بيريز واسحق رابين وحاييم بارليف على استعداد لدعمها. فوجئ بيغن من كثرة التحفظات عندما عُرض خطة أورانيم على الوزراء في 20 كانون الأول (ديسمبر) 1981. وبعد نصف عام، في 5 حزيران (يونيو)، في الاجتماع الوزاري الخاص الذي عقده في منزله، قال: “الحرب – نعرف جميعا كيف تبدأ ولكننا لا نعرف كيف تنتهي، لكني أعلن أننا لن نقوم باي عمل من دون قرار حكومي “. ونفذ ذلك بالفعل. يحتمل أن يكون بيغن تأمل أن تكون الحرب محدودة وتنتهي بعد يومين، وأن تتحقق أهدافها في عملية سياسية تجري بعدها. ومع ذلك، يبدو أيضًا أنه أخذ في الاعتبار أن العمل الذي يبدأ بتحديد أهداف مشتركة له وشارون سينتهي بخطوات حرب متدحرجة تؤدي إلى موافقة الحكومة والتي سيواجه أعضاء الحكومة صعوبة في معارضتها. وقال لهم عشية الحرب عليكم ان تكونوا جاهزين لأوضاع متطرفة.

ادارة الحرب وكأنها عملية متدحرجة كانت مسألة ضرورية لبيغن لأسباب سياسية. على هذا النحو كان من السهل عليه تقديم الحرب باعتبارها عملية محدودة أمام الادارة الامريكية والرأي العام العالمي ودرء الضغوط عليه بشأن استمرار القتال. بهذه الطريقة كان من الممكن اخفاء الاستعدادات للمواجهة مع سوريا وكذلك إظهار شكلا مخادعا من الرد الإسرائيلي المتناسب مع الذريعة التي خرجت إسرائيل من أجلها للحرب. منذ بداية القتال، خلق هذا السلوك فجوة واضحة بين القرارات والأهداف والخطط لتحقيقها وخطوات تنفيذها. تجاوز الاستياء والنقد الموجه لذلك النظام السياسي.

يمكن الاتفاق مع بيغن على الأهداف التي أراد تحقيقها في الحرب ويمكن انتقاده على ذلك أيضا. كما أن طريقة التصرفات في أوقات مختلفة تستحق الفحص والنقد. ومع ذلك، تُظهر الوثائق الأرشيفية الجديدة والجذابة أن بيغن أحسن المناورة بين مبادئه واخلاصه لعملية صنع القرار الصائبة ودرجة المكر والحنكة المطلوبة لقائد يقود أمة إلى الحرب العسكرية والسياسية. تغلب على المعيقات والمعيقين الذين وقفوا في طريق تنفيذ اتفاق السلام مع مصر، وعمل ذلك قبل أن تتوجه إسرائيل إلى الحرب في لبنان. كان بيغن ينصت للآخرين، ولكنه كان أيضا حالة خاصة في رؤية الصورة الشاملة والحاسمة. وأعرب عن تقديره لقادة الجيش، لكنه لم يتردد في التصرف بما يخالف مواقفهم أو نصيحتهم. كان يدير “مطبخ القرار” وأشرك فيه شارون وشامير ورئيس الأركان، لكنه اتخذ القرارات بنفسه، وعرف كيف يحصل على الموافقة من حكومته.

في قرارها بشأن عملية سلامة الجليل، أمرت الحكومة الإسرائيلية الجيش الإسرائيلي بـ “اخراج جميع مستوطنات الجليل من مرمى نيران المقاتلين الفلسطينيين الذين تقع مقراتهم وقواعدهم في لبنان”. وسرعان ما أدى هذا القرار إلى الموافقة على “القرار الإضافي” من أجل تنفيذ قرار الحكومة هذا، وفي هذه العملية السماح بتحقيق الأهداف الإضافية أيضًا. الحكومة هي التي وافقت للجيش الإسرائيلي على الاستمرار في التقدم باتجاه طريق بيروت – دمشق لقتال السوريين والهجوم على بطاريات صواريخهم في سهل البقاع. وهي من وافقت على إعلان وقف إطلاق النار في 11 حزيران ومن ثم استمرار القتال – استكمال “الزحف” إلى طريق بيروت دمشق، والوصول إلى بيروت، وحصار غرب المدينة، وسحق الجزء الذي تسيطر عليه منظمة التحرير. الحكومة هي التي أعطت الموافقة بعد مقتل بشير على اوامر بيغن وشارون باحتلال بيروت بأكملها، وحتى دخول الميليشيات المسيحية إلى مخيمي صبرا وشاتيلا.

لقد أحسن بيغن أيضا المناورة في تحركاته مع الإدارة الأمريكية. وبذلك تمكن من توفير الوقت اللازم للجيش الإسرائيلي لتحقيق الأهداف العسكرية: السيطرة على طريق بيروت – دمشق، إبعاد السوريين عن نطاق الـ “40 كيلومترًا” من الحدود الإسرائيلية، احتلال شرق بيروت وحصار غربها، وبعد ذلك طرد منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان.

قال لي أفيغدور يانوش قائد المنطقة الشمالية بين عامي 1978-1981: “قصة لبنان ليست الموساد. من اراد الحرب كان رفائيل ايتان وأنا سواء كان ذلك جيدا ام سيئا “. لقد سعى إلى تبديد الادعاء بأن الموساد هو الذي جر إسرائيل إلى الحرب في لبنان. يانوش كان على حق. لم يضغط الموساد من أجل تعزيز العلاقة مع المسيحيين.

رأى رئيس الأركان وبن غال بعملية عسكرية واسعة النطاق ضد منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان ردا على المشكلة الأمنية التي كانوا مطالبين بحلها. نظروا إلى المسيحيين باعتبارهم ” ذخرا ” كما يصف ذلك يانوش. واضاف أكثر مما أردنا مساعدتهم، أردنا استخدام هذه المساعدة كذريعة لبدء خطوة عسكرية تسمح للجيش الإسرائيلي بالتحرك.

عارض رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، وايضا رئيس الموساد، يتسحاق (حاكا) حوفي، ذلك باستمرار. نائبه، ناحوم أدموني، أيد العلاقة. وينطبق الشيء نفسه على المستويات الاقل. لعب الموساد دور من يشرف على العلاقة. يبدو أن السردية التي تقول بأن ” القصة في لبنان هي الموساد” ترسخت نتيجة مواقف وأنشطة ديفيد كمحي رئيس شعبة ” تيبل ” في الموساد والذي كان شخصية رئيسية في إقامة العلاقة بين إسرائيل والمسيحيين والحفاظ عليها. بسبب تصرفاته في هذا الموضوع ابعد حوفي كمحي من الموساد قبل عامين من الحرب. تبنى وزير الخارجية شامير كمحي على الفور وعينه وكيلا عاما لوزارته، واستمر في التأثير على علاقات إسرائيل مع المسيحيين. بينما كان بيغن وحوفي يدركان أنه في بعض الأحيان تم تمرير الرسائل إلى المسيحيين ليس كما أراد بيغن منهم تمريرها، إنما ” وفق اللغة الإنجليزية للموساد” كما يصفها بيغن.

كما كان لبيغن لحظات ضعف أيضا. كان الأمريكيون على دراية بالتقلبات المزاجية عنده، وكان السفير سام لويس، الذي كثيرًا ما كان يجتمع ويتحدث مع رئيس الوزراء، يستخدم هذا في تقاريره. تحدث لويس عما إذا كان بيغن مكتئبًا ومحبطا، أو يتمتع بـ “الصحة النفسية الجسدية” عند ذلك كان يقول انه “يعمل 19 ساعة في اليوم بلا توقف… يعرض كل مواهبه القديمة في الفكاهة الساخرة والمسرح السياسي،” أو بكلمات أخرى، إنه “لا مثيل له في الجدل السياسي”.

الطريقة التي أدار بها بيغن أحداث ربيع 1981 – “أزمة زحلة” و “أزمة الصواريخ” – تؤكد وتوضح الانطباع الذي خرج به لويس. طُلب من بيغن، الذي كان وزير الدفاع آنذاك أيضًا، أن يقرر أولاً ما إذا كان سيفي بوعده بمساعدة المسيحيين واستخدام سلاح الجو في زحلة ضد السوريين، وفيما بعد – ما إذا كان سيهاجم بطاريات الصواريخ التي نصبها السوريون في سهل البقاع. وهنا أيضا قام بالمناورة هذه المرة بين دعوات المسيحيين للمساعدة وتأييد يانوش ورافول لهم ومواقف رؤساء شعبة الاستخبارات والموساد التي تتعارض مع موقف رئيس الأركان. على الرغم من أنه أعرب عن تعاطفه مع صرخات حلفاء إسرائيل، اختار بيغن ضبط النفس. كان الحفاظ على معاهدة السلام مع مصر سببًا واحدًا فقط لذلك. السبب الآخر كان أكثر أهمية وسرية: فهو يخشى ألا يسمح الهجوم على السوريين في لبنان بتنفيذ العملية التي يجري الإعداد لها لتدمير المفاعل النووي في العراق. في تدمير المفاعل رأى مهمة تاريخية وكان مصمماً على إنجازها.

الضغط الذي مارسته الإدارة الأمريكية لمنع التصعيد ساعد بيغن. كان بإمكانه تقديم ضبطه للنفس باعتباره لفتة للولايات المتحدة وعمل على تعظيم النقاط التي حصل عليها. عندما نفدت أعذاره لسياسة ضبط النفس بادر إلى ارسال مبعوث أمريكي لتولي معالجة هذه الأزمة. وهكذا، استطاع أن يبرر الاستمرار في ضبط النفس مع السوريين بوجود مهمة فيليب حبيب، أولاً حتى موعد تدمير المفاعل في 7 يونيو 1981، ثم حتى تاريخ تنفيذ اتفاقية السلام مع مصر.

قاد شارون وبيغن الجيش الإسرائيلي إلى بيروت للقضاء على عرفات، وإلحاق أضرار جسيمة بالبنية التحتية العسكرية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وإبعاد السوريين عن لبنان، وتنصيب بشير رئيسا متعاونا مع إسرائيل. بعد 11 أسبوعا من القتال، تم إجلاء أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية، بقيادة عرفات، من بيروت بموجب اتفاق تمكن حبيب من صياغته.

في 23 آب (أغسطس) 1982، قبل أسبوع من اكتمال الإخلاء، وتحت رعاية جنود الجيش الإسرائيلي، تم انتخاب بشير رئيسًا للبنان. وكان من المفترض أن يبدأ فترة ولايته بعد شهر. كلف بيغن وشارون بشير الجميل بمهمتين للتنفيذ الفوري: التوقيع على اتفاق سلام مع إسرائيل واستكمال الجهد العسكري الإسرائيلي بالسيطرة على بيروت الغربية. المهمة الأولى التي طالبه بها بيغن بحزم رفضها بشير رفضا قاطعا. أما المهمة الثانية فقد استجاب لها بعد أن وعده شارون بموافقة بيغن ومساندة شامير بتوسيع العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد السوريين بما يمكن النظام الجديد من السيطرة على كامل الأراضي اللبنانية بما في ذلك جنوب لبنان والمناطق التي يسيطر عليها السوريون. ثم تم الاتفاق على تعيين فريق مشترك لمناقشة اتفاقية السلام.

في 14 سبتمبر، بعد أقل من 48 ساعة على التفاهمات، قتل بشير على أيدي السوريين. تُرك بيغن وشارون بدون شريكهم في التفاهمات وأمرا الجيش الإسرائيلي على الفور، وكما قيل دون موافقة الحكومة، بالسيطرة على بيروت الغربية أيضًا. وفي اليوم التالي أطلع بيغن الأمريكيين على ذلك. رد السفير موشيه آرنس على مزاعم الإدارة الأمريكية بأن إسرائيل قامت بتضليلها قائلا: ” لم نقل أننا لن ندخل غرب بيروت اذا قتل بشير وتغير الوضع في لبنان ” وقد وثق نص هذه المحادثة الدبلوماسي بنيامين نتنياهو.

ترك الجيش الإسرائيلي بموافقة وزير الدفاع الدخول الى مخيمات اللاجئين للكتائب. وقد أبلغت الحكومة بذلك ولم تجد من المناسب وقف العملية. أدت المذبحة في مخيمات اللاجئين ومعظم ضحاياها كانوا من الأطفال والنساء إلى صدمة كبيرة في جميع أنحاء العالم والمجتمع الإسرائيلي وتم تكليف لجنة تحقيق رسمية بفحص الظروف التي حصلت فيها المذبحة. اقيل شارون من منصبه بعد التوصيات. أما بيغن فبقي في مكانه، لجنة تحقيق رسمية في سلوك إسرائيل في طريقها إلى وأثناء حرب لبنان لم يجري تشكيلها.

لم يتجاهل بيغن منذ البداية احتمال وقوع قتلى وجرحى. وقال للوزراء عشية غزو لبنان “من الواضح لي أنه ستكون هناك خسائر”، بل وأظهر وعيه بالثمن واسباب دفعها: “المزيد من المنازل، لا سمح الله، ستكون في حداد “. ومع ذلك نحن من جيل اثبت استعداده أيضا لتقديم روحه. عندما تكون هناك ضرورة للدفاع عن شعب إسرائيل لا توجد طريق أخرى “. وأضاف لاحقًا: “أعتقد أنني لست بحاجة إلى تعليم رئيس الأركان أننا يجب أن نجتهد من أجل أن تكون هذه الخسائر في حدها الأدنى”. من ناحية أخرى لم يأخذ في الاعتبار على ما يبدو مدى تأثير الحرب والصور القادمة منها عليه، على المجتمع الإسرائيلي والرأي العام العالمي.

هذه الحرب لم يكن لها نهاية. طوال 18 عاما بقي جنود الجيش الإسرائيلي في لبنان لمواصلة الحفاظ على سلامة الجليل، وبمرور الوقت تحولت هذه الإقامة إلى حرب ضد الشيعة تحت قيادة حزب الله الذي كان يعمل بدعم من سوريا وبتدخل إيراني متزايد، ودفع الكثيرون ثمن الحرب، بما في ذلك قادتها.

ترجمة: معاوية موسى – أطلس للدراسات

اساسياسرائيلالجيش الاسرائيليلبنان