“الذئاب المنفردة”.. خصائص الموجة الحالية من العمليات

إن موجة العمليات التي تشهدها “إسرائيل” في الأسابيع الأخيرة لها خصائص مماثلة لتلك الموجات السابقة من العمليات وإلى جانبها كتلك التي تميزها مقارنة بالماضي.

هذه الموجة اندلعت دون سبب محدد كما في الماضي (الساحات المتفجرة مثل قطاع غزة وشرقي القدس هادئة نسبيًا هذه المرة)، ويبدو أنها تطورت على خلفية الدمج بين تأثير التحريض المستمر في النظام الفلسطيني على جيل الشباب (جهد تروج له حماس على وجه الخصوص) وتأثير “العدوى” الذي يحدث دائما في أعقاب تنفيذ الهجمات وزيادة معينة في التوتر العام الذي يحدث بين الفلسطينيين مع قدوم شهر رمضان في السنوات الأخيرة، وهو الشيء الذي وجد تعبيرا بارزا له في عملية حارس الاسوار العام الماضي.

الغالبية العظمى من منفذي العمليات في الأسابيع الأخيرة عملوا وفقاً لطريقة “الذئاب المنفردة” التي تجلت بكامل قوتها في “انتفاضة السكاكين” (“الهبة” حسب تسمية الفلسطينيين)، والتي بلغت ذروتها في الفترة ما بين أكتوبر 2015 ومارس 2016.

منفذو العمليات اليوم- مثل أولئك الذين نفذوا العمليات قبل 7-6 سنوات- تصرفوا بشكل مستقل فردي أو في مجموعات صغيرة وليس داخل إطار تنظيمي رسمي.

قرارهم لتنفيذ العمليات جاء بشكل عفوي وبتأثير عميق من الشبكات الاجتماعية أو مستوحى من منفذي عمليات سابقة (“التقليد”).

وغالبًا ما يكون توقيت العمليات ومكان ظهورها غير متوقعين، مع ذلك، فإن منفذي العمليات الأخيرة يختلفون عن أسلافهم من حيث نوع السلاح الذي يستخدمونه وخطورة نشاطهم الفتاك فضلاً عن متوسط ​​أعمارهم.

معظم العمليات بين 2016-2015 نفّذها شبان في العشرينيات من العمر، معظمهم عازبون استخدموا بشكل عام أسلحة بيضاء (سكاكين على وجه الخصوص).

أما العمليات الأخيرة نفذها أشخاص في سن أكبر (حوالي 30 عاماً، بعضهم حتى أرباب عائلات) واستخدموا أسلحة نارية، ما أدى أيضا إلى سقوط عدد أكبر من الضحايا.

ويمكن القول إن منفذي الهجمات اليوم هم الشباب أنفسهم من أعوام 2016-2015 الذين زادت أعمارهم سنوات قليلة، حيث أصبحوا أكثر تخطيطًا وذكاءً وتعقيدًا، فضلاً عن امتلاكهم الإمكانات التي تمكنهم من شراء أسلحة نارية.

ميزة أخرى فريدة لموجة العمليات الحالية تكمن في وزن ودور الفلسطينيين من الداخل فيها، فالعمليات التي نفذها فلسطينيون من الداخل في “بئر السبع والخضيرة” وفرت مصدر إلهام لمنفذي العمليات من الضفة الغربية الذين نفذوا فيما بعد هجمات في “بني براك وتل أبيب”.

ويجسد هذا إلى حد كبير “انقلاب في المفاهيم”؛ فإذا كانت نقاط الاشتعال الرئيسية في الماضي هي قطاع غزة أو القدس والتي كانت تؤثر فيما بعد على ما كان يحدث لدى الفلسطينيين في الداخل- الذين كان وزنهم في النضال محدودًا بشكل عام- فإن المواطنين الفلسطنيين في الداخل هذه المرة هم “رأس الحربة” ومصدر الإلهام لموجة العمليات.

يجسد منفذي العمليات الحالية- مثل أولئك في الماضي- في أفعالهم بعض المشكلات الأساسية التي تميز جيل الشباب الفلسطيني، وعلى رأسها الانفصال العميق عن مصادر السلطة الاجتماعية والسياسية من حولهم، والتأثير العميق (والضار) للشبكات الاجتماعية.

هم أنفسهم كانوا بالطبع مدفوعين للعمل من خلال قوة التحريض الشديد وتنمية وتعزيز المقاومة تجاه “إسرائيل” وليس باسم أيديولوجيات معقدة، وبالتأكيد ليس تلك المتعلقة بالتمييز أو الظلم الاقتصادي (وهو ما ينطبق بشكل خاص على منفذي الهجمات الفلسطينيين من الداخل).

ولكن عند تحليل شخصياتهم من الممكن كما ذكرنا العثور على تعبيرات معينة لمجموعة متنوعة من الظواهر الاجتماعية.

حيث تواصل الحركة توجيه العمليات والتحريض في الضفة الغربية والقدس والفلسطينيين في الداخل (خاصة المواطنين الفلسطينيين البدو في النقب)- حيث كان مصدر معظم النشاطات هو قطاع غزة.

لكن في الوقت نفسه تحافظ على هدوء نسبي في تلك المنطقة، وكل هذا دون أن تواجه أي تلميحات أو قيود من “إسرائيل” التي حتى يومنا هذا لم تشترط استمرار التسهيلات المدنية بوقف نشاط حماس في الضفة الغربية.

بخصوص الضفة الغربية، توضح الموجة الحالية من العمليات “السقف الزجاجي” للجهود المدنية، التي يسميها الفلسطينيون ساخرين “السلام الاقتصادي”.

في السنوات الأخيرة اعتمدت “إسرائيل” على فرضية أن الاستقرار في نسيج الحياة- في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة- هو أداة رئيسة للحد من التهديدات في كلا الساحتين.

هذه السياسة نفسها، هكذا يبدو مجدية بالفعل في منع سيناريوهات انتفاضة ثالثة، لكنها هناك صعوبة في إيجاد حل للعمليات الفردية، “التي أصبحت كما ذكرنا أكثر فتكًا مما كانت عليه في الماضي”.

من وجهة نظر استراتيجية، يتضح أن “إسرائيل” لا تستطيع أن تتجاهل أو تتهرب من التعامل مع القضية الفلسطينية، التي أصبحت تؤثر أكثر من ذي قبل على الساحة الداخلية.

توضح موجة العمليات أنه في حين أن مكانة “إسرائيل” الاستراتيجية في المنطقة آخذة في التحسن (كما انعكس ذلك بشكل بارز في “قمة النقب”).

من الناحية العملية، هناك عدد من الجهود المطلوبة من “إسرائيل” على المدى القريب والطويل، أولاً، من الضروري تعزيز نشاط واسع وحازم ضد العناصر المعادية في منطقة جنين، التي أصبحت “عاصمة المقاومة” في الضفة الغربية (التي خرج منها الفدائيان في الأسابيع الأخيرة) وتتميز بفراغ حكومي مستغل من قبل العناصر المسلحة.

هذا إلى جانب سرعة إغلاق الثغرات في السياج الأمني، مع دحض الحجج الأيديولوجية والاقتصادية التي ساهمت في عدم إكماله في العقدين الماضيين.

في الوقت نفسه من الضروري الاستمرار في الحفاظ على الجهد المدني الهادف إلى الحفاظ على نسيج الحياة في الضفة الغربية، حيث يساهم في منع تهديدات أكثر خطورة بما في ذلك انتفاضة ثالثة.

وقد يساعد في التمييز بين المواجهة المكثفة التي قد تتطور من منطقة جنين إلى أجزاء أخرى من الضفة الغربية ويمنع وصول العمليات والمواجهات والفراغ الحكومي لمناطق أخرى في الضفة الغربية.

وكبار فتح (على رأسهم محافظ جنين أكرم الرجوب) تجاه منفذي العمليات وذلك إلى جانب إدانات أبو مازن (الذي تحدث ضد “مقتل” إسرائيليين وفلسطينيين أبرياء).

تظهر دروس الماضي وخاصة المفاهيم الخاطئة عشية الانتفاضة الثانية- أن “التجاهل الإسرائيلي لمثل هذه التصرفات يعزز شرعية المقاومة في نظر الفلسطينيين”.

أخيرًا، هناك حاجة إلى التفكير “الإسرائيلي” النقدي والحاد خصوص السياسة المتبعة على مدار العام الماضي تجاه قطاع غزة والتي قد تكون تقيد يدي “إسرائيل” وتسمح لحماس بإملاء ساحات المواجهة وتوقيتها.

إن التسهيلات المدنية المستمرة تجاه غزة- والتي كما ذكرنا تقوي نظام حماس، وتسمح لها بالتركيز على بناء القوة للمعركة القادمة وتقلل من فرص “إسرائيل” في العودة إلى المنطقة.

على الرغم من أنها توفر هدوءًا نسبيًا في قطاع غزة ولكنها تكلف “إسرائيل” ثمناً من المواجهات الحادة في أي منطقة أخرى غير قطاع غزة.

هذا يقتضي وضع شروط من جانب “إسرائيل” مع المطالبة بوقف توجيه العمليات والتحريض تجاه الضفة الغربية، حتى ولو أدى ذلك إلى زيادة التوتر مع الحركة.

د. ميخائيل ميلشتاين – شبكة الهدهد

اساسياسرائيلالذئاب المنفردةفلسطين