يمكن دراسة العمليات الأخيرة من خلال وجهتي نظر الأولى: كموجة عمليات يتوقع أن تستمر مدة محدودة وتعكس تقييماً بأنها لا تشير إلى تغيير جذري في النظام، والثانية: كنظام ولدًته حماس بالتنسيق مع الجهاد الإسلامي وبدعم من إيران، هدفه توحيد جبهات النضال الفلسطيني ضد “إسرائيل” في ساحة معركة شاملة.
على “إسرائيل” أن تتبنى استراتيجية تحرم حماس من السيطرة على حدود هذه المعركة وشدتها، وأن تقوض المنطق الذي يوجه محاولات التنظيم لتوحيد أجزائها.
تواجه “إسرائيل” سلسلة من العمليات العنيفة والقاتلة، اثنتين منها نفذها فلسطينيون من الداخل، وتسببت الهجمات في المدن الكبرى في إحراج أمني وشعبي، وتحركت القوات الأمنية بجهد مضاعف ضد البنية التحتية المسلحة في منطقة جنين وهو الأمر الذي تطور إلى أحداث قتل خلالها فلسطينيون.
وفي أول ليلة من رمضان الأول تجددت أعمال الشغب من قبل شبان فلسطينيين عند باب العامود في القدس.
يُعرّف الإعلام وكذلك ممثلو المؤسسة الأمنية الأحداث على أنها موجة متجددة من العمليات، في حين أنه لا يزال من غير المؤكد أنها فقط موجة والنظرة إلى الأحداث على أنها موجة تُملي أيضًا إلى حد كبير أنماط رد الفعل، حيث أن الموجة من المفترض أن تمر ومدتها محدودة، ولا يجب أن تغير النظام من أساسه.
وفي المقابل عندما يتعلق الأمر بظاهرة نظامية فإن أنماط الرد المناسبة للموجة لن تكون بالضرورة مناسبة، ومن هنا تأتي أهمية دراسة الأحداث من منظور نظامي، أي كنظام تديره حماس من خلف الكواليس بالتنسيق مع الجهاد الإسلامي وبإيحاء ومساعدة إيرانية وهدفه هو الحفاظ على الإنجاز الرئيسي لحماس من عملية “حارس الأسوار”(سيف القدس): تعدد ساحات العمل- القدس والأراضي المحتلة والضفة الغربية وقطاع غزة وجنوب لبنان- والقدرة على إشعال جميع الساحات في آن واحد.
وبحسب التفسير النظامي، فإن الهجمات الأخيرة هي نظام في ساحة معركة تشمل عدة جبهات تؤثر على بعضها البعض وتتأثر بعضها ببعض:
جبهة قطاع غزة: تحت السيطرة الكاملة لحركة حماس وبتنسيق وثيق مع حركة الجهاد الإسلامي.
جبهة القدس: تتمتع حماس بنفوذ محدود في المنطقة بسبب العدد الكبير من اللاعبين والوصول المحدود إليها، لذلك هي تستغل المناسبات والأحداث للتحريض على الإرهاب والعنف وتركز على حملات التحريض.
جبهة الضفة الغربية: تستخدم من قبل حماس للقيام بأنشطة ضد المستوطنين والجيش “الإسرائيلي” والسلطة الفلسطينية، وتتركز جهودها على بناء البنية التحتية للمقاومة وتطوير وتشغيل قنوات لتهريب الأسلحة والأموال بشكل رئيسي من الأردن، والتحريض على العمليات الفردية وعمليات المنظمات الأخرى.
جبهة النقب: الانضمام إلى المواطنين البدو في الأراضي المحتلة من أجل عرقلة عمليات عودة الحوكمة “الإسرائيلية” إلى المنطقة وخلق تواصل جغرافي بين قطاع غزة والضفة الغربية.
جبهة الأراضي المحتلة: تحريض بشكل أساسي على النشاط من قبل الجماعات المتطرفة بين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة من ذوي الانتماءات الإسلامية، وتقديم الدعم المالي لهم وتشجيعهم على تنفيذ عمليات في قلب المدن الإسرائيلية.
جبهة جنوب لبنان: تعمل بالتنسيق مع حزب الله وإيران، من قبل مجندي حماس ومنظمات أخرى في لبنان، وتشكل طريق لتهريب الأسلحة والأموال إلى الأراضي المحتلة إلى جانب جبهة لإطلاق الصواريخ على “إسرائيل”.
المنطق الذي يوجه النظام هو منطق أساسه مقاومة وجود “إسرائيل” نفسها، والمنطق الظرفي – الذي يرتكز إلى ضعف السلطة الفلسطينية وفقدان مسارها السياسي، هدفه نسف عمليات التطبيع بين “إسرائيل” والعالم العربي وتعزز المكانة الإقليمية لها على خلفية دفع القضية الفلسطينية إلى هوامش الاهتمام الإقليمي والدولي.
يتم الترويج لكلا المنطقين من خلال الكفاح المسلح، حيث من يزرعه ويقوده هي حماس التي تعمل بشكل مباشر على إنشاء بنية تحتية مسلحة ليس فقط في قطاع غزة ولكن أيضًا في الضفة الغربية وتعمل تجاه الفلسطينيين في الداخل المحتل، وتبني كذلك أنظمة التصعيد في شرقي القدس، وتنسق الأنشطة مع تنظيمات أخرى لا سيما حركة الجهاد الإسلامي (التي تعززت في الآونة الأخيرة بشكل أساسي في شمال الضفة الغربية بفضل المساعدات المالية الإيرانية) والجبهة الشعبية وحتى حزب الله، وتهيئ الأجواء للعمليات من خلال التحريض الممنهج والمستمر.
في الوقت نفسه تعمل حماس أيضًا بشكل غير مباشر من خلال الجهود للاستفادة من الأحداث العنيفة والهجمات المسلحة التي تنفذها عناصر أخرى، أو من خلال تنظيم هجمات مسلحة دون تحمل المسؤولية عنها، باستخدام وكلاء من بينهم الجهاد الإسلامي وكتائب شهداء الأقصى التابعة لفتح أو نشطاء آخرين وكل هذا من أجل السيطرة على جبهات المعركة مع سحب الذريعة من “إسرائيل” للعمل ضدها في قطاع غزة.
لذلك عندما تريد حماس الحفاظ على مكانتها كـ “رأس حربة المقاومة” في الكفاح المسلح ضد “إسرائيل” وتكون مصلحتها هي الحفاظ على الهدوء في قطاع غزة، فإنها تسعى جاهدة وبقوة إلى تفعيل الجبهات الأخرى.
في لقاء جرى في 2 نيسان بين زياد النحالة زعيم حركة الجهاد الإسلامي الذي التقى بالقيادة الإيرانية عدة مرات فقط في الشهر الماضي وبين إسماعيل هنية زعيم حماس أعلنا أنهما مستمران في التنسيق الوثيق بينهما على المستويين السياسي والعسكري.
من المتوقع أن تكون إيران قوة دافعة وراء الهجمات الأخيرة (توجيهات، تهريب أسلحة، نقل المعرفة لصناعة الأسلحة وتحويل الأموال) بهدف تعطيل التحالف الناشئ بين العرب و”إسرائيل” ومن المرجح أيضًا أن طهران تدعم حماس والجهاد الإسلامي كوكيلين لها للرد على العمليات “الإسرائيلية” ضد إيران، بما في ذلك تلك التي تنفذ على أراضيها.
في الوقت الحالي تحرص حماس على الحفاظ على الهدوء في قطاع غزة من أجل الاستمرار في توسيع مشاريع إعادة الإعمار التي تقودها مصر وقطر والسماح للعمال بالعمل في الداخل المحتل (قامت إسرائيل مؤخرًا فقط بزيادة عدد تصاريح العمل إلى 20.000).
تريد حماس أيضًا استخدام التهدئة لتجديد البنية التحتية المسلحة التي تضررت في عملية حارس الأسوار وحتى تطويرها استعدادًا للجولة التالية من القتال (فقط الأسبوع الماضي أطلقت حماس صواريخ في البحر، مما يشير إلى “إسرائيل” بأنها مستعدة لمعرة عسكرية في قطاع غزة).
في الوقت نفسه تسعى المنظمة (بشكل رئيسي من خلال صالح العاروري المسؤول عن الجناح العسكري لحركة حماس في الضفة الغربية والذي يعمل من إسطنبول ودمشق وبيروت) إلى تطوير البنية التحتية المسلحة في الضفة الغربية وجنوب لبنان، وتشديد التنسيق مع الجهاد الإسلامي وتكثيف القنوات الاتصال مع المواطنين الفلسطينيين في الداخل وتجهيز البنية التحتية للتصعيد في شرقي القدس.
قد يكون شهر رمضان الذي بدأ هذه الأيام خلفية لزيادة التحريض، انعكست ردود الفعل “الإسرائيلية” وعمليات مكافحة الإرهاب في اعتقال المواطنين الفلسطينيين من الداخل من مؤيدي تنظيم الدولة الإسلامية، إلى جانب نشاطات استخباراتية وعسكرية واسعة النطاق في الضفة الغربية، مما أدى إلى حوادث إطلاق نار ومقتل نشطاء مسلحين معظمهم من حركة الجهاد الإسلامي واعتقال العديد من الآخرين المشتبه بهم بمساعدة المسلحين ومنفذي الهجمات.
هذه الأعمال تؤجج وتلهب مشاعر نشطاء الجهاد الإسلامي وحماس في الضفة الغربية وتزيد من حدة التوتر أمام السكان المدنيين.
وعلى خلفية ديناميكية التصعيد هذه، لا ينبغي استبعاد أن حماس لن تكون قادرة على كبح الجهاد الإسلامي من إطلاق الصواريخ من قطاع غزة إلى الأراضي “الإسرائيلية”، وبالتالي توسيع المعركة إلى جبهة قطاع غزة وتطور الوضع إلى معركة مثل عملية “حارس الأسوار“.
السلطة الفلسطينية تفقد أهميتها أو جدواها أمام ما يحدث، وهي تتماشى ببطء مع المزاج السائد في الشارع الفلسطيني ومعارضة “إسرائيل“.
وندد رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتيه باغتيال ثلاثة نشطاء من حركة الجهاد الإسلامي نهاية الأسبوع الماضي في جنين وزعم أن “مرتكبي هذه الجريمة والجرائم التي سبقتها يجب أن يقفوا أمام المحكمة الجنائية الدولية.
من الواضح أن تطور معركة متعددة الجبهات سيضع السلطة الفلسطينية وآلياتها الأمنية أمام تحدٍ قد يشمل الرد عليه تعطيل التنسيق الأمني مع “إسرائيل” الى درجة وقفه.
تسعى الحكومة “الإسرائيلية” إلى الحفاظ على الهدوء في القدس والضفة الغربية، والتفريق بين المقاومين والبنية التحتية العسكرية وبين السكان المدنيين الذين لا صلة لهم بالاعمال المسلحة، والحفاظ على نسيج الحياة وتحقيق النوايا لمنح التسهيلات خلال شهر رمضان. كما تضع الحكومة هدفًا يتمثل في تعزيز مكانة السلطة الفلسطينية والحفاظ على التنسيق الأمني مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية، ولكن في ضوء الخطاب المحتدم لدى الجمهور الإسرائيلي ولدى الجمهور الفلسطيني فإنها تواجه صعوبة في ترجمة نواياها إلى تحركات على الأرض.
ملخص وتوصيات
إذا كانت “إسرائيل” بالفعل تواجه معركة متعددة الجبهات بقيادة حماس، فعليها أن تتبنى استراتيجية هدفها تقويض المنطق الذي يوحد بين تلك الجبهات، وحرمان المنظمة من السيطرة على حدود المعركة.
ومع ذلك وعلى رغم الرغبة في الفصل بين الجبهات، لا تستطيع “إسرائيل” التعاون مع استراتيجية حماس المزدوجة، التي تحافظ على الهدوء في قطاع غزة وتحاول إشعال النار على الجبهات الأخرى.
ذلك يجب أن تفكر في ممارسة الضغوطات ضد حماس، وليس بالضرورة العسكرية، وهي:
1 – وقف تحويل الأموال من قطر إلى حماس ما لم تكبح الدوحة تحريض حماس وتدخلها في الجبهات خارج قطاع غزة وتتوقف عن التحريض والهاب المشاعر عبر قناة الجزيرة.
2 – تسخير مصر لممارسة ضغوط لكبح جماح حماس من خلال وقف إعادة الإعمار في قطاع غزة وإغلاق المعابر المؤدية إلى سيناء.
3 – إعادة النظر في سياسة زيادة عدد تصاريح العمل في “إسرائيل” للعمال من قطاع غزة، خاصة بعد أن سيطرت حماس على مكتب الشؤون المدنية في قطاع غزة، بحيث هو من يحدد الأهلية للحصول على التصاريح.
القدس هي الجبهة المتفجرة ولها القدرة على توحيد الجبهات. لذلك، هناك حاجة لجهود حثيثة لتهدئة التوترات في المدينة خلال شهر رمضان والسماح للمصلين المسلمين بالصلاة في المسجد الأقصى مع منع الاحتكاك بينهم وبين اليهود الذين يقتحمون المسجد الأقصى (الفصل في الأوقات والمعالجة الفورية للاستفزازات المتبادلة).
في الوقت نفسه من المهم تسخير الأردن بدعم من الولايات المتحدة لتهدئة المشاعر في المسجد الأقصى. يجب تطبيق التفاهمات التي تم التوصل إليها بخصوص زيادة عدد الحراس في جهاز الوقف مقابل تشديد أردني في منع تدخل عناصر حماس والحركة الإسلامية – الجناح الشمالي في نشاطات الوقف.
تجد “إسرائيل” صعوبة في تقبل المساهمة السلبية للسلطة الفلسطينية في التحريض وتأجيج المشاعر من خلال كبار مسؤوليها، وكذلك مع سياستها المعادية ضد “إسرائيل” على كل المستويات الدولية.
ومع ذلك، يجب على “إسرائيل” أن تحرص على عدم دفع السلطة الفلسطينية إلى حضن حماس، والحفاظ على نسيج الحياة في منطقة السلطة الفلسطينية لإبعاد السكان عن العمل المقاوم، وتعزيز التنسيق مع قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، والسماح لها بفرض القانون والنظام والتعامل مع البنية التحتية لحماس بل ومضاعفة الجهود لإعادة تأهيل الاقتصاد الفلسطيني في الضفة الغربية.
حركة الجهاد الإسلامي نشأت وقويت بشكل ملحوظ في شمال الضفة الغربية وقطاع غزة بفضل الدعم الإيراني وزيادة قوتها يجعلها مولدا للعمليات على نطاق واسع ومركز جذب للنشطاء الذين ينتمون إلى منظمات أخرى أيضًا، وتحد كبيرا لاستقرار السلطة الفلسطينية.
لذلك، يجب على “إسرائيل” أن تكشف عن المساهمة الإيرانية في التدهور الحالي للوضع الأمني على الساحة “الإسرائيلية” الفلسطينية، سواء كان ذلك موجة عابرة من العمليات أو تصعيدًا منظما طويل الأمد.
كوبي ميخائيل وأودي ديكل
ترجمة الهدهد