ذكرت صحيفة “هآرتس” العبرية: “أنّ “الشاباك” اضطر للكشف عن وثائق تبيّن ارتكاب جيش الاحتلال فظائع في حق آلاف الأسرى اللبنانيين في معسكر الخيام الذي أقامه الاحتلال عام 1985، وجرى إغلاقه نهائيًا في العام 2000 بعد الانسحاب “الإسرائيلي” من الأراضي اللبنانية”.
ويوثّق تقرير الصحيفة عمليات تعذيب “فظيعة” على يد جنود الاحتلال، ومن بينها: “كهربة السجينة، تجويع، منع العلاج الطبي، اعتقال من دون تحديد مدة زمنية ومن دون إجراء قانوني، وتحقيق مع النساء من قِبل رجال”. وقد كشف “الشاباك” هذا الأسبوع للمرة الأولى عن وثائق مؤرشفة توثّق الظروف الصعبة التي عانى منها المعتقلون الذين اعتقلوا في السجن الذي أقامته وشغّلته “إسرائيل” في لبنان إلى حين انسحابها عام 2000.
وقد كُشفت الوثائق في نطاق الالتماس الذي قدمته مجموعة من نشطاء حقوق الإنسان عبر المحامي “إيتي ماك” الذي قال لـ “هآرتس” “قاد جيش الإحتلال و”الشاباك” سويًا مع “جيش لبنان الجنوبي” منشأة اعتقال وعمليات تعذيب مشابهة للديكتاتوريات العسكرية في أميركا اللاتينية”، مردفًا: “عمليات التعذيب التي نُفّذت في السجن هي جريمة ضد الإنسانية، والوثائق صادمة وتشكّل فقط نبذة بسيطة عن حجم الجحيم الذي كان هناك”.
وأضاف: “أُقيم سجن الخيام عام 1985 بالقرب من القرية التي يحمل اسمها، والتي تقع في جنوب لبنان، على بعد بضعة كيلومترات عن الحدود الشمالية مع فلسطين المحتلة. وعلى الرغم من أن “إسرائيل” كانت قد انسحبت قبل ثلاث سنوات من لبنان في نهاية حرب لبنان الأولى، لكن جيش العدو واصل العمل في الحزام الأمني الذي أقيم في الجنوب، حيث أقيم السجن هناك”.
وتابع “الملتمسون طالبوا بالإيعاز لـ”الشاباك” ليكشف للجمهور عن الوثائق التي توثّق “عمليات التعذيب والعقاب الوحشية واللاإنسانية في السجن. وستقام الجلسة الأولى في مطلع شهر نيسان، لكن حاليًا سُمِحَ للشاباك بنشر جزء من المواد التي بحوزته، حتى ولو تحت رقابة مشددة”.
وفي إحدى الوثائق، من عام 1987، ورد أن “”الشاباك” ادعى أنّ للسجن “دورًا مهمًّا في عمليات الإحباط” وأنه يُشغّل من قِبل محققين من “جيش لبنان الجنوبي” بتوجيه من الجيش “الإسرائيلي” و”الشاباك””. وتحت بند “منوعات” كُتِب في الوثيقة نفسها أنه “لم يتم الحصول على اعترافات من الأشخاص الذين حققوا معهم في هذه المنشأة، ولم تتم إحالتهم للمحاكمة، وليس هناك مرسوم اعتقال بحقهم، وتقدّر فترة اعتقالهم وفق خطورة أفعالهم، حيث إنه ليس هناك تحديد لمدة بقائهم”. بعبارة أخرى، مكث المعتقلون فيه لفترة غير محددة ومن دون أن يُتخذ بحقهم أي إجراء قانوني.
وثيقة أخرى، مكتوبة بخط اليد، تتطرّق إلى سجينة، تم التحقيق معها بتهمة أنها “على تواصل مع حزب الله”، و”تمت كهربة أصابعها”، أي أنها عُذِّبت أثناء التحقيق معها.
وقد ورد في وثيقة أخرى، تحت بند “تعذيب النساء”، أنه “كان يتم التحقيق مع النساء من قِبل محقق رفيع وتحضر شرطية أثناء التحقيق”. مع ذلك، كُتب أيضًا “إن لم يكن هناك شرطية عسكرية، يعطى المحقق مصادقة خاصة للتحقيق مع المستجوبة حيث يقوم المحقق بالتحقيق معها بحضور محقق آخر في الغرفة”. وتبيّن من وثائق أخرى أنه كان هناك من بين المعتقلين عشرات النساء.
في حين تشير وثيقة أخرى، دُوِّنت عام 1988، إلى الجوع الذي عانى منه الأسرى في السجن، وقد كُتب فيها: “هذا الصباح أفاد مدير السجن المحلي أنه بدأ أمس إضراب عن الطعام وذلك على خلفية نقص الغذاء”، أي “بحسب كلام مدير السجن، كان هناك نقص في الغذاء فعلًا”. وفي وثيقة أخرى – كُتبت في السنة نفسها – ورد: “الاكتظاظ في السجن كبير، وحتى أنه مؤخرًا بدأت عملية إضراب عن الطعام ليوم واحد على خلفية نقص الغذاء!”.
وقد نوقش في وثيقة أخرى عام 1997، المشاكل الصحية التي كان يعاني منها الأسرى. ويوثّق الكاتب اللقاء الذي جرى مع شخص، على ما يبدو مسؤول عن السجن من قِبل جيش “لبنان الجنوبي”، حيث أعرب عن عدم رضاه عن حل المشاكل الصحية لدى السجناء. وتبيّن من الوثيقة “مشكلة المسؤولية الطبية، التي لم تكن محددة بشكل واضح ومفسّر”، الأمر الذي تجسد بكونه كان يُحتجز في السجن معتقلون ومستجوبون “وضعهم الصحي خطير” وذلك “من دون علم العنصر المسؤول بذلك ومن دون أن يكون لديه مرجع كافٍ من قِبلنا للإفراج عنهم”. وفي خلاصة الوثيقة كُتِب أن الحديث يدور عن “مشكلة موجعة” وأن المسؤول الذي حذّر منها أحس أنه “ليس لدينا مرجع للحالة التي يموت فيها معتقل في السجن إثر مشاكل صحية أو عدم معالجته مثلما أوصى الطبيب”.
كما تبين من الوثائق أنه كان يحتجز في السجن بين 250 إلى 300 معتقل في كل الفترة المتاحة، وهم ينتمون إلى تنظيمات وأحزاب مختلفة، من بينها أمل، وحزب الله، والحزب الشيوعي، وتنظيم العمل الشيوعي، وفتح، والجبهة الشعبية، والجبهة الديمقراطية وما شاكل ذلك، وآخرون ينتمون إلى تنظيمات أخرى صُنّفت بأنها “غير واضحة”.
وتبيّن من وثيقة أخرى، من عام 1997، أن المستشار القانوني للحكومة “صادق من حيث المبدإ على الاقتراح المشترك لـ”الشاباك” والجيش “الإسرائيلي” للسماح بشروط وقيود معينة لـ”الشاباك” بالتحقيق مع اللبنانيين في لبنان”. وفي هذا العام كان المستشار القانوني هو أليكيم روبينشتاين.
وفي عام 1999 قدمت جمعية حقوق المواطن ومركز حماية الفرد شكوى إلى محكمة العدل العليا مطالبة فيها بالإفراج عن بعض الأسرى من سجن الخيام والسماح لمحامي المنظمات بالالتقاء مع السجناء فيه. وزعم المدعون أن “الشاباك” يتدخل في كل عقوبة في السجن، لكن وفق ما ذكره هذا الأسبوع المحامي دان يكير، المستشار القانوني في الجمعية “تنصلت محكمة “العدل” العليا من البحث في الشكوى، وتذرّعت بمزيد من الحجج حول مسألة صلاحياتها في التدخل بما يحدث خارج حدود “الدولة””. آنذاك قدم رئيس شعبة العمليات، وفيما بعد رئيس الأركان دان حالوتس، تصريحًا خطيًا لمحكمة “العدل” العليا ادعى فيه أن لا صحة للادعاءات التي تقول بتدخل “إسرائيل” في قيادة السجن، وفي حين أكد أن ثمة جنودًا من الجيش “الإسرائيلي” و”إسرائيليين” آخرين من أصحاب المناصب في السجن، ادعى أنهم “لا يتواجدون هناك بشكل روتيني”.
“الوثائق التي كشفها “الشاباك” حينها تدل على مدى عمق تدخل “الشاباك” في كل جوانب إدارة السجن”، هذا ما يقوله يكير. و”كان الشاباك على علم بالظروف اللاإنسانية التي احتجز فيها السجناء، وبنقص الغذاء، وعمليات التعذيب أثناء التحقيقات، وحتى أن بعضهم قد قام بالتحقيق بنفسه”. وبحسب كلامه، تبيّن من الوثائق أن “الجيش “الإسرائيلي” عمومًا و”الشاباك” خصوصًا كانا متورطين حتى العنق في السيطرة على الشريحة السكانية في جنوب لبنان وفي السجن غير القانوني لمئات المعتقلين لمدة غير محددة دون أساس قانوني، ومن دون رقابة قانونية وفي ظل ظروف وحشية تضمنت عمليات تعذيب”.
“نظام الاحتلال الوحشي الذي قادته “إسرائيل” في جنوب لبنان، بما في ذلك عمليات التعذيب المروعة في سجن الخيام، هو أحد الوصمات السوداء في التاريخ “الإسرائيلي””، هذا ما قالته لـ “هآرتس” إحدى مقدمات الشكوى التي يتم بحثها حاليًا داليا كرشتاين. “الخروج من لبنان لن يكون كاملًا إلى أن تكشف “إسرائيل” عن كل أفعالها هناك، ولئلا يصطدم المجتمع “الإسرائيلي” بماضيه هناك”، هذا ما أضافته. وبحسب كلامها، “في الوقت الذي تحوّل فيه السجن إلى متحف، تبقى الوثائق حول أفعال “إسرائيل” فيه محجوبة عن الجمهور، ويواصل المسؤولون عن الرعب التجول بيننا، من دون محاسبتهم على أفعالهم”.
موقع العهد