«نيويوركر»: بين اليمين المتطرف والصهيونية.. التاريخ السياسي الكامل لنفتالي بينيت

كتب ديفيد ريمينك، صحافي وكاتب أمريكي حاصل على جائزة «بوليتزر» عام 1994 عن كتابه «قبر لينين: آخر أيام الإمبراطورية السوفيتية»، هذا المقال الذي نشرته مجلة «نيويوركر» الأمريكية في عدد 13 يناير (كانون الثاني) 2013، عن نفتالي بينيت بصفته ظاهرةً غريبةً في السياسة الإسرائيلية، وكان ذلك قبل أيام من إجراء انتخابات فاز فيها حزبه البيت اليهودي (هبايت هيهودي) بـ12 مقعدًا في الكنيست. واليوم نستعرض هذا المقال بمناسبة وصول الرجل إلى رئاسة الوزراء في إسرائيل لعله يكون كاشفًا عن أفكاره وقناعاته.

وفي مستهل مقاله، يقول الكاتب في مسرحٍ أُعِد على عجل في ميناء تل أبيب، اجتمع المئات من المهاجرين الشباب من ملبورن بأستراليا، وفايف تاونز بأمريكا، ونقاط أخرى في الشتات الناطق بالإنجليزية مؤخرًا للاستماع إلى أحدث ظاهرة في السياسة الإسرائيلية؛ نفتالي بينيت. ونفتالي بينيت زعيم مستوطنين يبلغ من العمر 40 عامًا، ورجل أعمال في مجال البرمجيات وفرد سابق في وحدة الكوماندوز في الجيش الإسرائيلي، ويَعِد ببناء جسر انتخابي قوي بين المتديِّنين والعلمانيين، والبؤر الاستيطانية على قمة التل في الضفة الغربية والضواحي الناشئة في السهل الساحلي.

وهذا شيء جديد في تاريخ الدولة اليهودية. وبينيت رجل من أقصى اليمين، لكنه حريص على الإعلان عن حسن نيته العالمية. وعلى الرغم من أنه كان المدير العام لمجلس «يشع» (بالعبرية اختصار للكلمات: يهودا، شمرون، عزة، أي: الضفة الغربية وغزة)، الهيئة السياسية الرئيسة لحركة الاستيطان، إلا أنه لا يعيش في الواقع في مستوطنة. ويعيش بينيت في رعنانا، وهي مدينة صغيرة شمال تل أبيب مليئة بالمبرمجين والمديرين التنفيذيين.

وأثناء حديثه، يستشهد بينيت بمشاهد من حلقات مسلسل «ساينفلد (مسلسل تلفزيوني أمريكي يعتمد على كوميديا الموقف)» بالسرعة ذاتها التي يستشهد بها بالجزء الأسبوعي الذي يُقرَأ من التوراة. ويحدِّث صفحته باستمرار على موقع «فيسبوك». وقبل اثني عشر عامًا، انتقل إلى أبر إيست سايد بمنطقة مانهاتن لتجربة حظه في التكنولوجيا المتقدمة، وذهبت زوجته جيلات للعمل طاهية معجنات في مطاعم أنيقة مثل أورول وأميوس وبولي بيكري. ويعلن بفخر أن حلوى الكريم بروليه الذي تُعِده زوجته «أعاد إيمان ناقد الطعام في صحيفة التايمز بمحاسن الكريم بروليه».

بينيت: الفلسطينيون يجب أن يتخلوا عن حلمهم بإقامة دولة
يقول الكاتب: وإذا تطرقنا إلى جوهره الأيديولوجي، نجد أن لديه قناعةً راسخةً بأن العرب الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية قد يتخلون عن آمالهم في إقامة دولة ذات سيادة. ويقول إن الخط الأخضر، الذي يفصل بين الأراضي المحتلة وإسرائيل نفسها، «ليس له معنى»، ولن يفكر بخلاف ذلك سوى مقلاة أو طفل رضيع. وكما يفيد أحد إعلانات حملته الرائعة: «هناك أشياء معينة يفهم معظمنا أنها لن تحدث أبدًا: مغنيات السوبرانو لن يَعُدن لموسم آخر.. ولن تكون هناك خطة سلام مع الفلسطينيين أبدًا».

وإذا أصبح بينيت رئيسًا للوزراء يومًا ما – وطموحه هائل وساطع مثل قمر الحصاد (يتيح للمزارعين العمل في وقت متأخر من الليل لأنه يكاد يكون مكتملًا) – فإنه يعتزم ضم معظم الضفة الغربية والسماح للمدن العربية مثل رام الله ونابلس وجنين بأن تكون «متمتعة بالحكم الذاتي» ولكن «في ظل الأمن الإسرائيلي».

يقول عن الفلسطينيين: «سأفعل كل ما في وسعي للتأكد من عدم حصولهم على دولة». ولا مزيد من المفاوضات، «لا مزيد من الأوهام». دعهم يأكلون كريم بروليه.

وعلى خشبة المسرح، انتظر بينيت مُضيِّفًا متوترًا مشتعلًا بالحماس لتقديمه: «إنه يحب الجري الجيد، الآيس كريم المفضل لديه هو الآيس كريم بالفستق، وفيلمه المفضل هو الخلاص من شاوشانك (The Shawshank Redemption)… أيها السيدات والسادة، أقدم لكم السيد نفتالي بينيت. رحَّب بينيت بالتصفيق وصعد إلى حافة المسرح. إنه متواضع في الطول ويرتدي قميصًا سادة مفتوح الرقبة ويرتدي اللون الكاكي.

ومثل عديد من الرجال الإسرائيليين الذين واجهوا أول علامة على الصلع الذكوري، يقُص شَعره وصولًا إلى منطقة الجمجمة. إنه يرتدي كيباه صغيرة (غطاء الرأس اليهودي) – محبوكة، مثل تلك التي يرتديها الصهاينة المتدينون والأرثوذكس الحديثون، ولكنها ليست كبيرة ومحبوكة، كتلك التي يرتديها المستوطنون الأكثر تطرفًا.

الصدام بين بينيت ونتنياهو
يشير الكاتب إلى أن بينيت بدا جادًّا. ويوم الجمعة الماضي، ظهر رئيس الوزراء بنيامين (بيبي) نتنياهو في ثلاثة برامج تلفزيونية مسائية لانتقاد بينيت؛ لأنه أعلن أنه سيرفض أي أمر بطرد يهود من مستوطنة. ولا يعني ذلك أن إسرائيل تنوي تفكيك المستوطنات في أي وقت قريب – بل على العكس من ذلك، فإن البناء يمضي على قدم وساق، وتتراكم «الحقائق على الأرض» – لكن نقطة النقاش هذه تمس مسألة حاسمة. ويتحدث بينيت عن «إحياء» الصهيونية من خلال غرس «القيم اليهودية»، بما في ذلك الشعور بقدسية الأرض، لكنه أيضًا رجل عسكري، ولن يكون تأييده، بوصفه جنديًّا أو مرشحًا، مفيدًا لحملة عصيان. وأخيرًا، تراجع بينيت، ومع ذلك شعر بطريقة ما بأنه مظلوم.

وقال بينيت للجمهور بخجل: «لقد مررت بعطلة نهاية أسبوع مجنونة للغاية». ومد يده في جيبه وأخرج هاتف الآيفون الخاص به وبدأ في تحريك الصفحة إلى أعلى. كانت هناك لافتة تحيط بالمسرح مكتوب عليها «شيء جديد» وكانت هذه اللحظة – وفيها يبحث سياسي في «جوجل» عن حكمة بينما ينتظر الحشد في صبر – جزءًا من عذوبته.

قال: «أحب أن أقتبس جملة رائعة كانت ترشدني لسنوات. إنها جملة… تيدي روزفلت.. أين هي.. أوه نعم».

ونظر بينيت إلى راحة يده وقرأ من خطاب تيدي روزفلت عام 1910 في جامعة «السوربون» عن «المواطنة في جمهورية»، وهو خطاب أعاد تداوله أجيال من السياسيين المجروحين والصالحين – بمن في ذلك ريتشارد نيكسون في اليوم الذي غادر فيه البيت الأبيض والفضيحة تلاحقه.

وبدأ بينيت في القراءة: «ليس الرجل الذي ينتقِد هو المهم». وأومأ عدد قليل من الأمريكيين الجالسين بجواري برؤوسهم وابتسموا (تعبيرًا عن الموافقة على ما قرأَهُ). وأضاف: «وليس الرجل الذي يتتبَّع عثرات الرجل القوي ليشير إليها، وليس الرجل الذي يقول إن من قام بالأعمال كان يمكن أن يقوم بها على نحو أفضل. ولكن الفضل يعود إلى الرجل الموجود بالفعل في الساحة، والذي يشوب وجهه الغبار والعرق والدم (وهو واقف يعمل في الساحة)».

ثم رفع بينيت وجهه والرضا يبدو على قسَماته.

وقال: «هذا رائع جدًّا. وبعبارة أخرى، ليس أمامنا سوى تطبيق ذلك».

وقدَّم بينيت خطته على الطريقة الأمريكية – من ناحية السيرة الذاتية. ووصف كيف أُجبر على دخول الساحة الانتخابية بعد القتال في حرب لبنان الثانية عام 2006. وقال: «لقد فشلنا»، الجيش «فشل، لقد أحرزنا تعادلًا في أحسن الأحوال». ولم تفعل إسرائيل كثيرًا لنقل الحرب إلى حزب الله في جنوب لبنان. وكان هيكل القيادة مرتبكًا وهيَّابًا، وكان السياسيون يفتقرون إلى العزيمة. وقال: «كانت هناك مشكلة عميقة في الروح فيما يتعلق بالرغبة في الفوز.

وكل يوم في الساعة الثانية أو الثالثة مساءً، كنت أتصل من خلال الراديو بقادَتي لكي أقترح هذا أو ذاك ويقولون: «لا، لا، انتظر حتى المساء، سنتحدث عندئذ». لكنك لا تربح الحروب من خلال عدم القيام بأي شيء». وكان هذا وصفًا كاريكاتوريًّا للصراع الذي دام شهرًا، لكنه كان رسمًا كاريكاتوريًّا ذا فائدة سياسية: بينيت، الذي كان عضوًا في سايريت ماتكال، أكثر الجماعات شهرةً في جيش الدفاع الإسرائيلي، يقدم نفسه على أنه وجه جديد وعقلاني، ولكن أيضًا قوي على نحو لا يرقى إليه الشك.

كبير موظفي نتنياهو
وأضاف الكاتب أنه على الرغم من أن هذه هي المرة الأولى التي يترشح فيها بينيت لمنصب، فإنه ليس ساذجًا سياسيًّا. وبين عامي 2006 و2008، عمل بصفته كبير موظفي نتنياهو، الذي كان زعيم حزب الليكود آنذاك في المعارضة. وأدار بينيت مع أييليت شاكيد، وهي امرأة علمانية من تل أبيب في منتصف الثلاثينيات من عمرها، شؤون نتنياهو على أمل إعادته إلى منصب رئيس الوزراء. لكن كليهما غادر فجأة، في ظل ظروف لم تخضع للمناقشة.

ولكن هذه هي إسرائيل، وهذه الظروف معروفة للجميع: بينيت وشاكيد اصطدما بزوجة نتنياهو، سارة، التي وُصِفت في الصحافة الإسرائيلية بأنها مزيج من ماري تود لينكولن ونانسي ريجان – متوترة وتعاني من جنون العظمة ومتطفلة. وارتأت سارة نتنياهو أن بينيت وشاكيد طموحان على نحو مريب، وجعلت حياتهما مستحيلة. وشاكيد الآن نائبة في حركة بينيت، وقد أخبرتني أنها مقتنعة بأنه سيصبح رئيسًا للوزراء «في غضون 10 أعوام أو 15 عامًا – إنه مصنوع من مادة رائعة».

بينيت ونتنياهو والمواقف السياسية المشتركة
ألمح الكاتب إلى وجود عديد من المواقف السياسية المشتركة بين بينيت ونتنياهو، لكنهما ينتميان إلى جذور أيديولوجية مختلفة. ويأتي نتنياهو من الخط التصحيحي للصهيونية – القومية العلمانية المحافظة لزئيف جابوتينسكي، الذي دافع، في معارضة لديفيد بن جوريون وحركة العمل، عن أقصى استيلاء على الأراضي (territorial maximalism)، أي دولة يهودية «على ضفتي نهر الأردن». وتوفي جابوتنسكي عام 1940، لكنه كان من أوائل القائلين بأيديولوجية «إسرائيل الكبرى» التي كان يؤمن بها مناحيم بيجن وإسحَاق شامير وحزب الليكود.

وكان بن صهيون والد نتنياهو، مؤرخ محاكم التفتيش الإسبانية، يعمل سكرتيرًا لجابوتنسكي. وعندما كان بيبي رئيسًا للوزراء للمرة الأولى، في منتصف تسعينيات القرن الماضي، أجريتُ مقابلةً مع بن صهيون، ولم تكن عدم ثقته الشديدة بالعرب يوازيها إلا إصراره على أن ابنه يجب أن يقاوم الضغوط الدولية للتخلي عن الأرض. وإلى حد كبير، يُعد بيبي الابن السياسي لوالده.

ومع ذلك، وفي عام 2009، ألقى خطابًا في جامعة «بار إيلان» يبدو أنه خالف فيه الأيديولوجية التنقيحية وسياسات الليكود بالحديث عن دولة فلسطينية «منزوعة السلاح». ولم يفعل نتنياهو أي شيء تقريبًا لمتابعة حل الدولتين، ويزعم معظم سياسيِّي الليكود اليوم أنه كان مترددًا بشدة بشأن الخطاب، مما تسبب في حدوث خلاف خطير مع والده، وداخل الحزب. إنهم مقتنعون بأنه فعل ذلك لتهدئة باراك أوباما بالأساس.

لا دولة فلسطينية على أرض إسرائيل
يقول الكاتب: يرى بينيت أن خطاب «بار إيلان» بمثابة الخيانة. وقد دعا نتنياهو إلى التراجع عنه. ومن وجهة نظر بينيت، لا يوجد شيء معقد في مسألة الاحتلال. لا يوجد احتلال. «الأرض أرضنا»: هذا إلى حد كبير نهاية النقاش. وقال: «سأفعل كل ما في وسعي وإلى الأبد، للقتال ضد إقامة دولة فلسطينية على أرض إسرائيل. ولا أعتقد أن هناك حلًّا واضحًا للصراع العربي الإسرائيلي في هذا الجيل». وخلال الهجوم الأخير على غزة، كان بينيت مؤيدًا لغزو بري وانتقد نتنياهو عندما قَصَر الصراع على أسبوع من الضربات الجوية.

والدروس التي استخلصها بينيت من التاريخ الحديث مألوفة، ولا تتعلق باليمِين فحسب: إذا سمحت إسرائيل بإقامة دولة فلسطينية، فإن ما يُعرف الآن بالضفة الغربية ستتحول سريعًا إلى غزة ثانية – معقل حركة حماس للتطرف الإسلامي، ومنصة لإطلاق الصواريخ على تل أبيب ومطار بن جوريون. وقال بينيت لجمهوره في تل أبيب إنه إذا وقَّعت إسرائيل على اتفاق، فإننا «سنلقى إشادة من العالم، وبعد أسبوعين، سنرى المظاهرات الأولى على الخط الأخضر (الخط الفاصل بين الأراضي المحتلة عام 1948 والأراضي المحتلة عام 1967). ولو كنت أنا مؤلف اللافتات التي ستُرفع في المظاهرات، فسوف أكتب على اللافتات: أريد الوطن».

أي إن الفلسطينيين، بعد ذلك، سيدفعون باتجاه يافا وحيفا والرملة واللد، وبقية ما يسمونه فلسطين التاريخية. وأضاف: «وإذا تمكنوا من الضغط على زر لكي يجعلونا نتبخر، فلن يترددوا في ذلك، والعكس صحيح». وأصبح حل بينيت أمرًا مألوفًا على اليمين – الضم الافتراضي الذي يتبعه نزوح جماعي محتمل للفلسطينيين المحبطين شرقًا إلى الأردن، حيث يشكل الفلسطينيون بالفعل أغلبية.

إسرائيل أرضنا
وأردف الكاتب قائلًا: ومن حين لآخر، يخوض بينيت معركة على النمط الإسرائيلي القديم. وفي إحدى الليالي على شاشة التلفزيون، دخل في مباراة صراخ مع يوسي بيلين، مهندس اتفاق أوسلو للسلام في منتصف التسعينيات، وأخبره بأن الاتفاقية مع ياسر عرفات تسببت في مقتل 1600 إسرائيلي في هجمات إرهابية. واتَّهمه قائلًا: «يداك ملطختان بالدم. ويجب عليك أن تخجل. لقد أعطيتهم أسلحة وأطلقوا هم النار علينا».

لكن، في الغالب، لم يكن هذا هو أسلوبه في الحملة الانتخابية. وفي تل أبيب، كان بينيت معتدلًا وجذَّابًا وموحيًا، يومض بابتسامة حاخامية لطيفة. وأثناء تلقيه أسئلة من الجمهور، كان حريصًا على الاعتراف بتعاطفِه العام مع الحقوق الديمقراطية، وتسامحه العام «أقول عش ودع غيرك يعيش»، ومعرفته بالجنود المثليين «يمكنني أن أروي لكم قصصًا!»، لكن في النهاية كانت مواقفه حاسمة. قال: «إسرائيل أرضنا. وعلى مدار ثلاثة آلاف وثمانِمئة عام، كانت لنا».

البيت اليهودي
ينوِّه الكاتب إلى أن الانتخابات الإسرائيلية ستُجرَى في 22 يناير (كانون الثاني). ومن المؤكد تقريبًا أن نتنياهو سيحتفظ بمنصبه. لكن هذه ليست القصة المحورية لهذه اللحظة السياسية، بل إن نفتالي بينيت هو القصة حيث يمثل حزبه، البيت اليهودي، اندماج اثنين من الأحزاب الدينية الأقدم وتفعيل دورهما، ويكتسب هذا الاندماج أرضية بسرعة. ويتوقع كثيرون حصولهم على المركز الثالث بعد حزب العمل، وهو ما سيكون إنجازًا رائعًا. والمركز الثاني ليس بعيدًا عن التصور.

وعلى نطاق أوسع، كانت قصة الانتخابات بمثابة الانهيار الداخلي ليسار الوسط والقوة الحية والمتنامية لليمين الراديكالي. وما يمثله صعود بينيت، على وجه الخصوص، يُعد محاولة من جانب المستوطنين لترسيخ الاحتلال وترسيخ أنفسهم بوصفهم حزبًا طليعيًّا، الجوهر الأيديولوجي والروحي للبلد بأسره.

ومثلما سيطرت زمرة صغيرة من أبناء الكيبوتسات الاشتراكيين على الروح والمؤسسات العامة لإسرائيل في العقود الأولى من وجود الدولة، يعتزم القوميون المتدينون، بقيادة المستوطنين، القيام بذلك الآن وفي السنوات المقبلة. وفي المنبر الليبرالي «هآرتس»، كتب كاتب العمود آري شافيت: «ما يحدث الآن من المستحيل النظر إليه على أنه أي شيء سوى استيلاء إقليم استعماري على بلده الأم».

أحزاب يسار الوسط فاترة
يشدد الكاتب على أن البرامج السياسية لأحزاب يسار الوسط فاترة وتكاد تكون محلية بالكامل في تركيزها. والعالم العربي في حالة تمرد فوضوي، والفلسطينيون يفكرون في انتفاضة ثالثة – وحزب العمل يخوض الانتخابات على أسعار الشقق والجبن القريش. والمنطق السياسي واضح للجميع. وعلى الرغم من أن غالبية البلاد تؤيد التقسيم والدولة الفلسطينية، فإنها لا تثق بالفلسطينيين، ولذلك أصبحت مقتنعة بأن شيئًا لن يحدث لجيل واحد على الأقل.

وأصبحت الرواية الآن راسخة. وكانت هناك خطط لا حصر لها للتقسيم والحل – خطة التقسيم التي اعتمدتها الأمم المتحدة في عام 1947، وعملية أوسلو في منتصف التسعينيات. وعروض إيهود باراك لياسر عرفات في كامب ديفيد وطابا عامي 2000 و2001. وانسحاب أرييل شارون أحادي الجانب من غزة عام 2005.

وعَرْض إيهود أولمرت لمحمود عباس عام 2007، وماذا كانت نتائجها؟ حروب وانتفاضات وإرهاب وإطلاق صواريخ من حماس في غزة ومن حزب الله في لبنان، وعداء في الأمم المتحدة وأوروبا، وتهديدات بالمقاطعة ونزع للشرعية.

ولم يعد معظم الإسرائيليين مهتمين بأن يرى الفلسطينيون هذه الرواية الصارخة للرفض والإرهاب بطريقة مختلفة تمامًا. وهناك اعتراف ضئيل بدور المستوطنات وحواجز الطرق والمضايقات والإخلاء والاعتقالات وانتهاكات جيش الدفاع الإسرائيلي، وغير ذلك الكثير.

قالت لي تسيبي ليفني، وزيرة الخارجية السابقة، بين أماكن توقُّف في الحملة الانتخابية في القدس، لأنه بعد أربع سنوات من حكم نتنياهو «لا أحد يتحدث عن القضايا الجوهرية، ولا أمل في السلام». وقالت إن معظم الناس «يعتقدون أن الفلسطينيين يرفضون كل عرض والعالم كله ضدنا على أي حال وكلهم ​​معادون للسامية، وأشياء من هذا القبيل. والمستوطنون الأيديولوجيُّون يعتقدون أن كل يوم يمر دون مفاوضات هو انتصار».

وكان إحباط ليفني من صعود بينيت في استطلاعات الرأي واضحًا. وقالت محاكية صوت قاعدة بينيت الآخذة في الاتساع: «أن تكون يمينيًّا يعني أن تكون قويًّا، أن تكون يساريًّا يعني أن تكون ضعيفًا، وأن تسعى للاسترضاء، وأن تكون ساذجًا – ولا يمكننا تحمل السذاجة في هذه المنطقة». وأضافت: «إنه الصابرا الجديد! الإسرائيلي الجديد!». والصابرا تشير إلى الإسرائيليين الذين ولدوا وترعرعوا في فلسطين.

أخبار سيئة للفلسطينيين
وشدد الكاتب على أن زعماء معسكر السلام التقليدي يخفون الكآبة التي تُخيِّم عليهم بصعوبة. تقول لي هاجيت عفران، مديرة مشروع مراقبة المستوطنات التابع لحركة «السلام الآن» التي كانت ذات نفوذ يومًا ما، إن: «معركتنا اليوم لا تستهدف إقناع شعب إسرائيل بأننا بحاجة إلى حل الدولتين. وإنما يكمن التحدي الأكبر في درء سحائب اليأس واللامبالاة التي تظلل الإسرائيليين».

إن الفلسطينيين الذين ما زالوا يؤيدون حل الدولتين، والذين عملوا إلى جانب الإسرائيليين على مر السنين، يراقبون الانتخابات بقلق. قال لي غسان الخطيب، نائب رئيس جامعة بيرزيت في فلسطين، إن: «كل هذه الأخبار سيئة للغاية للفلسطينيين. وإذا وصل نتنياهو وهذه الزمرة الجديدة إلى السلطة، فستكون هناك ضحيتان – السلطة الفلسطينية، وحل الدولتين. والتغييرات العملية البسيطة التي تحدث على أرض الواقع – مشاريع الاستيطان، الأحداث اليومية الخاصة بعنف المستوطنين ضد شعبنا – لا تسمح ببساطة بحل الدولتين. كما أن تطرُّف الرأي العام في إسرائيل وتطرُّف القيادة الإسرائيلية يعززان بعضهما بعضًا. ويؤثر هذا بالطبع في الرأي العام في فلسطين. ونسبة المؤيدين للكفاح المسلح هنا في فلسطين ترتفع للمرة الأولى بعد 10 سنوات من التراجع. ولا تزال الأغلبية الفلسطينية تؤيد حل الدولتين، لكن أفق الآمال تضيق وتتلاشى بمرور الوقت».

اليساريون في الكنيست مهددون بالانقراض
ولفت الكاتب إلى أن السياسيين اليمينيين يستمعون إلى كل هذا ويبتسمون. وتغمرهم السعادة، وتقوى عزيمتهم ويتشجَّعون. قال لي داني دانون، زعيم الليكود الذي اقترح مؤخرًا أنه مقابل كل صاروخ تطلقه حماس، يجب أن «تمحو» إسرائيل حيًّا واحدًا من أحياء غزة، إنني: «أقول لزملائي اليساريين في الكنيست، أنتم فصيلة مهددة بالانقراض. وسوف نبني لكم محمية طبيعية (لإنقاذهم من الانقراض)».

لقد ظهرت إحدى الدلالات الواضحة على تحوُّل مركز الثِّقل في السياسة الإسرائيلية قبل شهرين، عندما شكَّل نتنياهو، استعدادًا لانتخابات يناير، تحالفًا مع أفيجدور ليبرمان، زعيم حزب المهاجرين اليهود الروس (إسرائيل بيتنا). ولم يكن ليبرمان وزير خارجية إسرائيل فحسب، بل كان أبرز الكارهين للأجانب. وفي واشنطن ومنذ وقت ليس ببعيد، سمعتُه يقول بازدراء إنه لا يمكن لأحد أن يتوقَّع أن يحكم الفلسطينيون أنفسهم حتى يصل متوسط ​​دخلهم السنوي إلى 10 آلاف دولار – وهو مستوًى وصل إليه الإسرائيليون بعد أربعين عامًا من قيام دولتهم.

كما نصح ليبرمان الفلسطينيين بقراءة كتاب «فولتير وروسو»، وهي نصيحة غريبة جاءت من أحد المعجبين بفلاديمير بوتين. وليبرمان مهووس بالتعبير عن الآراء المخزية حتى إنه ممنوع بوجه عام من إجراء المقابلات مع الصحافة الدولية. وهناك سبب آخر: اتُّهم ليبرمان مؤخرًا بتهم فساد، واضطر إلى الاستقالة من منصب وزير الخارجية. ولا شيء من هذا يساعد نتنياهو في قضيته ضد خصمه الشاب الجديد.

وأفاد الكاتب أن نتنياهو لم يضع يده في يد ليبرمان الذي لا يثق به فحسب؛ بل رأى حزبه يتحول بجموح نحو اليمين. وكل حزب يطرح قائمة من المرشَّحين ويأتي زعيم الحزب على رأس هذه القائمة. ومن بين أكبر 20 اسمًا في قائمة نتنياهو، يؤيد 12 اسمًا على الأقل عمليات الضَّم الجزئي لأراضي الضفة الغربية. وطُهِّرت قائمة الليكود من المُعتدلين نسبيًّا، مثل دان ميريدور، الذي كان يُنظر إليه بصفته متساهلًا مع الفلسطينيين، وبيني، نجل مناحيم بيجن، الذي يُنظر إليه على أنه يحترم المؤسسات الديمقراطية على نحو أكثر من اللازم.

لطالما انتقد السياسيون اليمينيَّون ما يرونه هيمنة للنخب اليسارية في وسائل الإعلام والأوساط الأكاديمية ومنظمات حقوق الإنسان، وبخاصة المحكمة العليا في إسرائيل – عدو اليمين المتطرف – لكنهم يفعلون ذلك الآن من موقف قوة منيع. إن نزعتهم العِرقية مليئة بالحيوية، ويُعبِّرون عن شكوكهم في المؤسسات الديمقراطية بلا أدنى خجل.

والحالة النموذجية لذلك تتمثل في ميري ريجيف، وهي المتحدثة السابقة باسم جيش الدفاع الإسرائيلي ومرشحة الليكود: وصفت ميري ريجيف أعضاء الكنيست العرب بأنهم «خونة» ووصفت المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين بأنهم «سرطان». وفي العام الماضي، حاولت ميري تمرير مشروع قانون ضم أراضي الضفة الغربية في الكنيست وفشلت.

نحن هنا لنبقى
وأوضح الكاتب أن التشبيه التقريبي الذي يوضح مدى تأثير المعسكر القومي الديني على حزب الليكود يتمثل في التطرف الذي يمارسه حزب الشاي الأمريكي ضد الحزب الجمهوري. ومثلما جَنَحت قيادة مجلس النواب الجمهوري إلى أقصى اليمين بعدما استوعبت أعضاء حزب الشاي الجدد، سيتعين على نتنياهو تشكيل حكومة تعترف بوجود عدد متزايد من اليمينيين الراديكاليين في حزبه والأحزاب الخاصة بآخرين، بما في ذلك حزب بينيت. ومع ذلك، لم تبدأ هذه العملية بالانتخابات.

قال لي داني دانون: «لقد كنا موجودين قبل حزب الشاي، ونحن موجودون بالفعل داخل حزب الليكود. ووجودنا هذا ليس حدثًا عرضيًّا ومن ثم نذهب مع الريح. نحن هنا لنبقى». ودانون مفرط في ازدرائه لباراك أوباما وفي إعجابه بجلين بيك (مذيع ومقدم برامج تلفزيونية ومعلق سياسي أمريكي). وفي عام 2011، دعا دانون المذيع لزيارة القدس. وقال بإعجاب: «في السنوات الثلاث أو الأربع الماضية، كان لبيك دور فعَّال للغاية في توفير العلاقات العامة الجيدة لإسرائيل».

هرتزل والأديان
أشار الكاتب إلى أن ثيودور هرتزل، مؤسس الدولة اليهودية، لم يكن ليتوقَّع أن يتوفر للصهيونية خيار مشترك من جانب حركة دينية يمينية. لقد نشأ هرتزل في منزل علماني يتحدث الألمانية. ولم يحتفل بعيد ميلاده الثالث عشر من خلال بار متسفا (حفل يهودي ديني يقام عند بلوغ الشاب اليهودي 13 عامًا، أي عندما يُعد مُكلَّفًا بأداء جميع الفرائض المفروضة عليه حسب الشريعة اليهودية) ولكن من خلال «سر الميرون أو سر التثبيت (أحد الأسرار السبعة في الكنيسة المسيحية)».

وبحسب كاتب سيرة هرتزل الذاتية، عاموس إيلون، فإن هرتزل «صرف نظره عن كل الأديان». وفي المدرسة الثانوية، كتب مقالًا قرَّر فيه أن «الخُدَع الذكية التي قام بها موسى ويسوع وانْطَلَت على كونت سان جيرمان قد كشفت الروح البشرية عنها بالفعل»، ولم يتغير رأيه كثيرًا. وكانت صهيونيته، التي اشتعلت جذوتها بالقراءة المتأنية لمعاداة السامية الأوروبية، امتدادًا للقومية الأوروبية. ولم تحمل صهيونية هرتزل أي أثر للخلاص الديني (اعتقاد أن المسيح مُخلِّص البشرية). وفي كتابه الدولة اليهودية (Der Judenstaat)، تعهَّد هرتزل بالإبقاء على الثيوقراطيين «في معابدهم، تمامًا كما نُبقِي على جيشنا المحترف في ثكناته».

وتبنَّى جميع القادة الصهاينة والسياسيين الإسرائيليين الأوائل وجهة نظر مماثلة تقريبًا. وفي العقدين الأولين من تاريخ إسرائيل، من 1948 إلى 1967، كانت الصهيونية شكلًا علمانيًّا في الغالب من القومية، وتحديًّا للنسخة التوراتية من التاريخ اليهودي. وكما قال لي موشيه هالبيرتال، الباحث في الفلسفة اليهودية في الجامعة العبرية، وفَّرت الصهيونية «للشعب المهدَّد بالخطر بديلًا عن حالة المنفى وحالة الفداء».

وفيما يخص اليهود الحريديم، الأرثوذكس المتطرفين، الذين يؤمنون بضرورة عودة اليهود إلى وطنهم التوراتي فقط بعد ظهور الماشِيح، المسيح، كانت الصهيونية تهديدًا لهم، بل ردَّة عن اليهودية، وهو ما يتعارض مع الارتباط التقليدي بالشريعة اليهودية. وكانت مقاومتهم لإقامة دولة يهودية مشكلة سياسية؛ من وجهة نظر القيادة الإسرائيلية المبكرة.

وحتى قبل موافقة الأمم المتحدة على تقسيم فلسطين، في عام 1947، هدَّأ ديفيد بن جوريون، الذي كان يعتقد أن اليهود الأرثوذكس المتطرفين سيتحولون إلى علمانيين بمرور الأجيال، من اعتراضاتهم من خلال الصفقات السياسية القديمة. وسمح للحريديم بالسيطرة على القضايا المشحونة دينيًّا مثل الزواج والتبني والدفن.

وأكد للحاخامات أن طعام الكوشير فقط سيقدَّم في المؤسسات التي تديرها الدولة، بما في ذلك الجيش. وشكَّلت المجتمعات الأرثوذكسية المتطرفة أحزابًا سياسية صغيرة، ولكن بدلًا من الاحتكاك بالعالم الأكبر الفاسد، ظلوا في الغالب وحدهم؛ ذهبوا إلى مدارسهم الخاصة، وحصلوا على إعفاءٍ من الخدمة العسكرية، وانغمسوا في دراسة التوراة.

وعلى مدار عقود من الزمان، كان قادة الدولة – الشخصيات المهيمنة في الحكومة والجيش والإعلام والثقافة والأوساط الأكاديمية – علمانيين بالأساس. ولم يكن لإسرائيل أبدًا رئيس وزراء متدين. (يعمل نتنياهو يوم السبت (يوم الراحة والعبادة في اليهودية)، وحتى في المناسبات النادرة التي يزور فيها كنيسًا يهوديًّا، يمارس السياسة).

تحت القيادة السماوية
وأضاف الكاتب أن القومية الدينية كانت نزعة أخرى. وكانت مدرسة ميركاز هاراف الدينية إحدى المؤسسات التي شدَّدت على الشكل الديني، بل الصوفي، للصهيونية، والمدرسة مركز للدراسة في القدس تهتم بالإرث الحاخامي لأبراهام كوك وابنه تسفي يهودا كوك. ورأى آل كوكس أن إقامة دولة يهودية ليس اغتصابًا للتقاليد ولكنه بداية نشطة للخلاص. لقد علموا الناس المسيحية من دون مسيح.

وفي مايو (أيار) 1967، وخلال عشية عيد الاستقلال الإسرائيلي، ألقى تسفي يهودا كوك خطبة أمام مجموعة من الطلاب الحاخاميين الحاليين والسابقين. وأعرب عن خيبة أمله العميقة في خطة التقسيم التي وضعتها الأمم المتحدة في عام 1947، وحقيقة أن اليهود لم يُمنَحوا أماكن جاء ذكرها في التوراة مثل مدينة الخليل، حيث دفن البطاركة، ومدينة شيلوه، مركز العبادة اليهودية قبل بناء الهيكل الأول. وقال: «لقد استسلمتُ لهذا الشعور بالصدمة. وتمزَّق جسدي إلى أشلاء، ولم أجد شيئًا لأحتفل به».

وبعد مرور ثلاثة أسابيع على خطبته، هزمتْ إسرائيل جيوش مصر وسوريا والأردن في ستة أيام، واستولت بذلك على أراضي سيناء والضفة الغربية لنهر الأردن (المعروفة لليهود الإسرائيليين باسم يهودا والسامرة) ومرتفعات الجولان والقدس بأسرها. وعندما استولى الجيش الإسرائيلي على البلدة القديمة في القدس وأخذها من أيدي الجيش الأردني، أرسل قائد فصيلة عربة جيب لإحضار كوك إلى حائط المبكى. وقال كوك: «إننا من موضعنا هذا نُعْلِم شعب إسرائيل والعالم بأسره أننا قد عدنا للتو، تحت القيادة السماوية، إلى ديارنا في مرتفعات القداسة ومدينتنا المقدسة. ولن نبرح هذا المكان أبدًا».

ومن وجهة نظر كوك، كان يجري تأسيس مملكة الله في إسرائيل التوراتية على يد القدرة القتالية لجيش الدفاع الإسرائيلي. لكنه وأتباعه في المدرسة الدينية لم يكونوا الوحيدين الذين رأوا الانتصار من منظور خارق للطبيعة. وكان هناك شعور عام بالسَّكْرَة في البلاد وخارجها. وكما كتب الباحث الإسرائيلي إيهود سبرينزاك في دراسته التي جاءت بعنوان: «صعود اليمين الإسرائيلي الراديكالي»، كان عام 1967 «ثورة ذهنية» وتحطيمًا لـ«نموذج سياسي عمره عشرون عامًا» من الضعف القومي.

ومن وجهة نظر كثيرين، أصبحت الصهيونية الآن مشبَّعة بالأهمية الأخروية (آخر الزمان). واختلطت حرب الأيام الستة مع الأيام الستة للخلق. وعُدَّت خطبة كوك التي تمجد قداسة الأرض نوعًا من الإنذار بالنصر العظيم. واكتسبت الصهيونية الدينية، التي كانت هامشية في السياسة الإسرائيلية، قوة، ليس أقلها بين الإسرائيليين الأوائل الذين جاءوا لبناء المستوطنات في الضفة الغربية. وعلى الفور تقريبًا، استولى هؤلاء المستوطنون على صور أسلافهم العلمانيين اليساريين، أي أصحاب الكيبوتسات (جماعة من المزارعين أو العمال اليهود)، واعتزازهم بأنفسهم، وهم المثاليون الذين يحرثون الأرض.

ومن وجهة نظر كوك والقادة الصهاينة المتدينين الذين اتَّبعوه، كانت الأرض التي جرى الاستيلاء عليها عام 1967 أرضًا مقدسة وجزءًا لا يتجزأ من الدولة اليهودية والديانة اليهودية نفسها. وامتلاك أماكن مثل مدينتي شيلوة والخليل يُعد نذيرَ الفداء، آخر الزمان.

وليس لأي قرار من الأمم المتحدة، ولا لأي طالب فلسطيني، ولا لأي رئيس أمريكي الحق في أن يقول بخلاف ذلك. وأدَّت حرب 1973، التي نجَت فيها إسرائيل بصعوبة من هزيمة عسكرية، إلى تكثيف الإحساس المسيحي بالامتلاك. وطوَّر الصهاينة المتدينون فيلقًا بين المستوطنين يعرف باسم غوش إيمونيم أو كتلة المؤمنين، والذي عارض بشدة فكرة التنازل عن أي جزء من الأرض: سيناء للمصريين، الجولان للسوريين، والضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية للفلسطينيين.

ماذا بعد وصول مناحيم بيجن إلى السلطة؟
وألمح الكاتب إلى أنه في عام 1977، وصل مناحيم بيجن إلى السلطة، ممثلًا، لأول مرة، لائتلاف مكوَّن من الفئات التي استاءت من النخبة العمالية وشعرت بأنها مستبعدة من التيار الرئيس للحياة الإسرائيلية. وجاء دعم بيجن من المهاجرين الأفقر القادمين من شمال أفريقيا والدول العربية، والمحافظين الجابوتنسكيين المتشددين، والصهاينة المتدينين، بمن فيهم المستوطنون. لكن عندما أعاد بيجن، بموجب اتفاقية كامب ديفيد التي عقدها مع أنور السادات، سيناء إلى مصر، وبمساعدة الجيش، شرع في تفكيك المستوطنات اليهودية هناك، شعر قادة حركة المستوطنين بالخيانة. وهدد موشيه ليفينجر، أحد أكثر المتطرفين اللامعين، بالقيام بعمل استشهادي انتحاري.

ومع تكثيف المستوطنات التي تمولها الحكومة في جميع أنحاء الأراضي المحتلة، نفَّذت منظمة التحرير الفلسطينية عمليات عنيفة، وهيمنت القضية الفلسطينية على النقاشات الوطنية. وفي هذه الأثناء، أصبحت سياسات غوش إيمونيم (حركة دينية قومية) راديكالية على نحو متزايد، حتى إنه نتج منها مجموعة صغيرة من القتلة الأصوليين. وفي عام 1984، كشفت السلطات عن مؤامرات لمجموعة من المستوطنين تعرف باسم «مترو الأنفاق اليهودي» لتفجير حافلات عربية وتفجير مساجد في حرم المسجد الأقصى.

وبعد ذلك بوقت قصير، انتُخِب الحاخام المولود في بروكلين، مئير كهانا، لعضوية الكنيست على أساس برنامج سياسي خبيث. وكان كهانا عنصريًّا غير آسف على عنصريته – فالعرب بالنسبة له كانوا «صراصير» و«كلابًا» – ولم يكن شديد الحساسية بشأن الدعوة إلى العنف. وفي فبراير (شباط) 1994، وبعد مرور خمسة أشهر من توقيع إسحاق رابين وياسر عرفات على اتفاقية أوسلو، قتل طبيب في الجيش يُدعى باروخ غولدشتاين تسعة وعشرين فلسطينيًّا في الحرم الإبراهيمي في الخليل، وكان هذا الطبيب واحدًا من أتباع كهانا.

وحُظِر حفل كاهانا في عام 1988 وقُتِل بعد ذلك بعامين في مدينة نيويورك. وربما يكون تذوُّقه للعنف قد أشعل نار الغضب لدى غولدشتاين (الطبيب الذي نفَّذ مذبحة الحرم الإبراهيمي)، لكن هذه النار لم تسرِ إلى التيار السياسي السائد. ومع ذلك، وكما كتب عامي بيداهزور في «انتصار اليمين الإسرائيلي الراديكالي»، كانت آثار إرث كهانا – تقديس كراهية الأجانب – واضحة في كل من الليكود واليمين الراديكالي.

تغيُّر الثقافة السياسية
وأوضح الكاتب أن الكثير من دعم نفتالي بينيت يأتي من سكان الضواحي المتدينين المعتدلين على جانبي الخط الأخضر، لكنه أيضًا ينعم بدعم بعض الأصوليين الأكثر عنفًا على الساحة، لافتًا إلى أن أفيشاي رونتسكي – كبير الحاخامات في الجيش الإسرائيلي منذ عام 2006 إلى 2010، والآن رئيس مدرسة دينية في مستوطنة إيتمار بالضفة الغربية – ساعد بينيت في تشكيل حزب البيت اليهودي.

وقال رونتسكي إن الجنود الذين يُظهرون الرحمة لأعدائهم سوف يكونون «ملعونين»، وقال بعد تبادل الأسرى مع الفلسطينيين الذي عارضه إن الجيش الإسرائيلي لا ينبغي له بعد الآن إلقاء القبض على الإرهابيين، بل «قتلهم في أَسرَّتهم». وقد وصف دوف ليئور، الحاخام الرئيس لمستوطنة كريات أربع والخليل، ذات مرة باروخ غولدشتاين بأنه «أكثر قدسية من كل شهداء المحرقة»، وقد أيد بينيت قبل أن ينتقل إلى حزب أصغر وأكثر رجعية.

حافظ كل من بينيت وأيليت شاكيد، شريكه العلماني، على بعض المسافة بينهما وبين أمثال رونتسكي وليور. وهم يصرون على أن «السياسيين هم من يتخذون القرارات وليس الحاخامات». لكنهم لن يشجبوا مثل هذه الأصوات. وتنقل صفحات «هآرتس» على نحو روتيني حوادث عنصرية الحاخامات أو المستوطنين، وحتى عديد من المحافظين المستوطنين يعترفون بأن نوعًا من الخطاب العارض المعادي للعرب قد أصاب الحياة السياسية في العقد الماضي.

ونقل الكاتب عن يوسي كلاين هاليفي، الباحث في معهد شالوم هارتمان في القدس، قوله: «هناك الآن عدد أقل من الموانع للتعبير عن كراهية العرب. لقد خُفِّضت المحرمات ضد العداء للعرب على نحو خطير في السنوات الاثنتي عشرة الأخيرة منذ الانتفاضة الثانية. ولقد تغيرت الثقافة السياسية».

وكتب أوري سافير، كبير المفاوضين الإسرائيليين والليبراليين بشأن اتفاقية أوسلو، في صحيفة «جيروزاليم بوست» أن «معظم الشباب الإسرائيلي يعتقدون أن عرب إسرائيل لا يستحقون حقوقًا متساوية، ويعتقد الكثيرون أن أصواتهم ذات أهمية أقل من الأصوات اليهودية، وهي وصفة للعنصرية وليس الديمقراطية».

اتفاق على الضم
وأضاف الكاتب أن موشيه فيجلين، المستوطن الذي من المؤكد أنه سوف يفوز بمقعد في الكنيست على قائمة الليكود، رجل مُتَجَهِّم يعاني من حالة حادة من فرط النشاط الإيديولوجي. وفي أحد الأيام، اعتقلته الشرطة أثناء محاولته الصلاة على جبل الهيكل، في القدس. وأمضى فيجلين بقية اليوم في المؤتمر السنوي الثالث لتطبيق السيادة الإسرائيلية على يهودا والسامرة.

وكان المؤتمر يعج بأعضاء الكنيست، بمن فيهم زئيف الكين من الليكود، الذي أعلن أن الوقت قد حان لإسرائيل لكي «تتوقف عن التنازل وتواصل موقفها الهجومي، خطوة بخطوة».

كانت كل الخطابات تفضل شكلًا من أشكال الضم، وكان السؤال يتعلق بحجم مناطق الضم وتوقيته. وقال فيجلين، عندما حان دوره في الحديث، إنه يتعين على إسرائيل أن تدفع للأسر الفلسطينية في الضفة الغربية نصف مليون دولار لكل منها من أجل الهجرة. وكان منطقه بديهيًّا على الأقل بالنسبة له؛ فقد زعم أن الدولة تنفق بالفعل 10% من ناتجها القومي الإجمالي «للحفاظ على حل الدولتين واتفاق أوسلو»، بخلاف ما ينفق على السياج الفاصل، ونظام القبة الحديدية المضاد للصواريخ، ونشر الحراس في المطاعم والمقاهي، وغير ذلك من التدابير الأمنية. لماذا لا تنفق المال بطريقة أكثر كفاءة وتتخلص من المشكلة على نحو دائم؟

فيجلين يكبر بينيت بعقد من الزمان، وأقل حسابًا لطريقة تصرفه؛ فهو لا يتظاهر بأنه عصري و«ليِّن». بل هو فظٌ ويفتقر لحس الدعابة ومُتَنَسِّك، وقد قال أشياء مشينة عن العرب «لا يمكنك تعليم قرد الكلام ولا يمكنك بالمثل تعليم عربي أن يكون ديمقراطيًّا»، حسب ما قال لهذه المجلة في عام 2004، ويبدو أنه يستمتع بإزعاج المستمع. وهذا يجعله يشعر بالصراحة والصلاح. وولد فيجلين في حيفا، ويعيش في كارني شومرون، مستوطنة تضم 6 آلاف شخص، في الضفة الغربية. وقد ولد زميله الرئيس، شمويل ساكيت، في بروكلين، حيث كان من أتباع لمائير كاهانا.

وفي عام 1993، أسس فيجلين وساكيت منظمة «زو أرتزينو» (هذه أرضنا)، وهو تحالف من الصهاينة المتدينين الذين اعتبروا اتفاقية أوسلو انتهاكًا للقانون اليهودي والحس السياسي. ونظّم فيجلين اعتصامات وأعمال عصيان مدني أخرى موجهة ضد حكومة إسحق رابين. وفي أغسطس (آب) 1995، نظمت المنظمة مظاهرة وطنية دون تصريح وتمكنت من إغلاق ثمانين تقاطعًا مروريًا.

وألقت السلطات القبض على فيجلين ووجهت إليه تهمة إثارة الفتنة. وفي وقت لاحق، استوفى حكمه بالسجن لمدة ستة أشهر بخدمة المجتمع. وتصف مذكراته في تلك الفترة، «حيث لا يوجد رجال»، زو أرتزينو كما لو كانت المعادل الأخلاقي والتكتيكي لحركة الحقوق المدنية الأمريكية.

وبحلول أواخر التسعينيات، قرر فيجلين أنه يمكنه ممارسة المزيد من النفوذ من خلال النضال السياسي التقليدي. بالنسبة له، كان نتنياهو، الذي أصبح رئيسًا للوزراء في عام 1996، لينًا جدًّا وميالًا للتسوية الإقليمية. ونظَّم فصيلًا من الليكود يسمى مانهيجوت يهوديت (القيادة اليهودية).

حُلم الهيكل الثالث
وحكى الكاتب أنه زار ذات مساء مقرَّه، في مبنى صناعي متواضع في جفعات شاؤول، وهو حي في القدس مكتظ بالسكان الأرثوذكس المتطرفين والصهاينة المتدينين، وأن فيجلين استقبله بحذر، لكنه لم يخفِ حماسته لاحتمال الفوز بمقعد في الكنيست.

وقال: «إنه مثل إعادة تنظيم مكعب روبيك (أحجيةٍ على شكل مكعبٍ)، ما يحدث على اليسار يظهر ارتباكًا أيديولوجيًا تامًا، وفقدانًا للرؤية. واختفى مفهوم أوسلو. وعلى اليمين، الشيء الرائع يحدث بين الليكود ونفتالي بينيت. وبكل تواضع أنا خلفها. ومنذ أوسلو وزو أرتزينو، طوَّرنا مفهومًا لما يجب أن يفعله اليمين، وهو وضع أجندة مختلفة على المجال الإسرائيلي وخلق طبقة جديدة من القيادة التي، بدلًا من أن تأتي من الطليعة اليسارية، تأتي من الطليعة اليمينية».

ومن وجهة نظر فيجلين، حاولت الصهيونية العلمانية كسب قدر من القبول من جيرانها والمجتمع الدولي من خلال التخلي عن الأرض. قال: «المفهوم الذي بدأنا في تطويره هو أن الإجابة ليست مع الجيران، بل إنها معنا. نحن لسنا مثل كل الدول الأخرى، اليهود مختلفون. يجب أن يكون هدفنا تطوير ثقافتنا الخاصة القائمة على التوراة والأنبياء كرسالة ورمز لجميع الأمم، وللبشرية جمعاء».

ولفت الكاتب إلى أنه سأل فيجلين عن بعض تعليقاته المشينة المتعمَدة حول الغدر العربي، فقال بعد أن تناول بعض الكعكة المحلاة من طبق أمامه: «أنا متمسك بمبادئي. المشكلة ليست مبادئي، ولكنني ارتكبت بعض الأخطاء خلال مسيرتي، ليس بالكلمات بل طريقة العرض».

ثم اتهم فيجلين قيادة الليكود بخيانته في التصويت. وقال «لكن لا يهم، ما زلت أبتسم»، لم يبتسم كثيرًا.

وخلف مكتبه، كانت هناك صورة مركبة كبيرة للهيكل الثاني، الذي دمره الرومان عام 70 بعد الميلاد. وهو يرغب في رؤية الهيكل الثالث المبني على جبل الهيكل، ما يسميه العرب الحرم الشريف. ولم يعد هذا الموقف غريبًا؛ إذ يوجد ما لا يقل عن سبعة أشخاص في قائمة نتنياهو يؤيدون بناء الهيكل الثالث.

وقال فيجلين: «أنا أؤمن بالكتاب المقدَّس، وأعتقد أنه مثلما تحقَّقت معظم رؤى الأنبياء بالفعل رغم كل الصعاب – حقيقة أن الشعب اليهودي نجا من جميع أنحاء العالم وعاد إلى أرض الميعاد، كما وعد الكتاب المقدس، هي المعجزة الأكثر روعة في التاريخ – فسوف يتحقق أيضًا كل ما لا يزال يتعين القيام به. وفي النهاية، سيُبنى الهيكل الثالث».

وتابع الكاتب قائلًا: عندما سألته كيف سيحدث ذلك، هز كتفيه وقال: «هل تعتقد أن هرتزل كان يعرف كيف كان سيحدث ذلك؟ اقرأ كتابه، لم يكن لديه فكرة. كل هذا حدث بطريقة مختلفة إذ كل ما فعله هو زرع الحلم في أذهان الناس، والباقي هو التاريخ».

وأخيرًا، سألت فيجلين عن أفكاره الأخيرة بشأن القضية الإسرائيلية الفلسطينية. وعندما قلت «فلسطينية» بدا الأمر كما لو أنني نطقت سبابًا مقززًا.

قال «فلسطينيون؟ كتب أورويل كتابه «1948» ولا يزال هناك حديث عن «لغة السياسة المضللة» الكذبة الكبيرة. الكذبة الكبيرة، كان عليَّ أن أفهم، فقد كانت الفكرة عن الشعب الفلسطيني. هل تعرف أمة بدون تاريخ؟ كيف يمكن لأمة أن تكون موجودة بدون تاريخ؟ إنهم عرب. إنهم ينتمون إلى أمة عربية كبيرة، وهناك عديد من القبائل العربية.

كل إسرائيلي يدرك أنه إذا اختفت إسرائيل، فلن يكون هناك فلسطيني واحد في العالم، وذلك لأن تعريف الفلسطينيين لأنفسهم ليس لدولة فلسطينية بل للحرب مع اليهود. تأسست منظمة التحرير الفلسطينية قبل عام 1967، ولم يحاولوا قط إقامة دولة فلسطينية على الأراضي عندما كانت بحوزتهم. وستظل رغبتهم دائمًا هي الاستيلاء على أي منطقة يسيطر عليها اليهود. لم يكن هناك في التاريخ مجموعة تتوق إلى إنشاء دولة تحظى بمزيد من الاعتراف والمساعدة من الجميع، بما في ذلك نحن، ومع ذلك لم يحدث ذلك».

وفي رواية «ذا كاونتر لايف»، للكاتب فيليب روث عن الصدام والهويات البديلة، يترك ناثان زوكرمان منزله في لندن لتعقب شقيقه، طبيب أسنان من نيو جيرسي، والذي تخلى عن كل من عائلته وويندي، مساعد مكتبه الطَيِّع، وانضم إلى مستوطنة بالقرب من الخليل. وفي عشاء يوم السبت هناك، يلتقي ناثان زعيم المستوطنة، موردخاي ليبمان، وهو مؤدٍ يحب نفسه «وقح مثل بعض المتقاضين الأسطوريين في قاعة المحكمة المحنَّكين والماهرين في استخدام الأساليب الملتوية للتأثير في مشاعر هيئة المحلفين». ويوبِّخ ليبمان زوكرمان بشأن أوهام الشتات ويسخر من «كل اللطفاء والأفاضل» في تل أبيب الذين «يريدون أن يكونوا إنسانيين».

وأوضح الكاتب أن ليبمان في رواية روث، ثمرة لقاء واقعي مع إليكيم هايتزني، هو ديماغوجي مقيم في الخليل، كان في يوم من الأيام تصويرًا مثاليًّا لقادة المستوطنين – رجال ونساء شاحبين، وصارمين وفخورين بأنفسهم، والذين تباهوا بازدرائهم لضعف الغرب، والازدواجية العربية، وكل الحمقى المخدوعين الذين آمنوا بـ«الإله الزائف المسمى السلام»، كما قالها هايتزني ذات مرة.

هايتزني لا يعتقد أن مستوطنته كريات أربع موجودة لحماية تل أبيب، بل كانت تل أبيب موجودة لحماية قداسة كريات أربع. وكانت المستوطنات هي التحقيق الأكثر أصالة للصهيونية. وذكَّرت شخصية هايتزني الصحافي والمؤرخ آموس إيلون بـ«أحد أنصار التكامل الكاثوليكي الفرنسيين في القرن التاسع عشر، آباء الفاشية الأوروبية، الذين لم يؤمنوا بالله بل بالكاثوليكية التي تعبر بشكل جوهري عن مجد فرنسا».

وجه الجيل القادم من القومية الدينية
ويرى الكاتب أن نفتالي بينيت هو وجه الجيل القادم من القومية الدينية، والتي تُعد نظرتها إلى العالم هي نفسها إلى حد كبير، ويتوافق هايتزني مع خطة ضم بينيت، إلا أن خطة بينيت أكثر ثقة وتنظيمًا. وقال موشيه هالبيرتال: «لم يعد المجانين في المقدمة، لقد رُسِّخ مشروع الاستيطان، والآن انتقل المشروع من كونه مؤسسة طليعية راديكالية إلى مؤسسة من الطبقة الوسطى ولم تعد من الخيال المسيحي».

وهناك أشخاص من قادة المستوطنات من هم على استعداد لإطلاق العنان لغضبهم وتقديم دعمهم بلا خجل لجميع أنواع انتهاكات حقوق الإنسان، ولكن زعيم المستوطنين الأكثر نمطية وقوة الآن هو شخص ما مثل داني ديان، رئيس مجلس «يشع»، المنظمة السياسية الرئيسية للمستوطنين. ولد ديان في الأرجنتين، وجاءت عائلته إلى إسرائيل عام 1971، وعاش في تل أبيب حتى اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1987.

وأصبح ثريًّا من مجال البرمجيات. وأقام هو وزوجته حفل زفافهما على منحدر الحرم القدسي الشريف إذ كان من المفضل أن يفعلا شيئًا «مهمًّا» في ذلك اليوم. وانتقلوا إلى معاليه شومرون، وهي مستوطنة في الضفة الغربية، بدافع من الإحساس بأداء الرسالة.

وذكر الكاتب أن دايان أخبره ذات يوم في القدس: «كان الشيء الصحيح الذي يجب عمله. يائير لابيد – مذيع تلفزيوني سابق وهو سياسي الآن – اعتاد أن يسأل ضيوفه: ما هي إسرائيل في عيونكم؟ قال البعض إنها الجلوس على كورنيش تل أبيب عند غروب الشمس والنظر إلى البحر وشرب الجعة وأكل البطيخ البارد.

وأنا أحب ذلك أيضًا. لكن بالنسبة لي، في هذا الحي القاسي حيث نعيش، يحتاج المشروع الصهيوني إلى شيء أعمق يشمل شيلو وبيت إيل. هذا هو سبب قدومنا إلى هنا… أنا شخص علماني تمامًا، وحتى شخص ليبرالي، لكنني أعتقد بصدق أنه بدون الخليل، وكل ما تمثله من وجهة نظر تاريخية وثقافية، نحن شعب ضحل».

وأوضح الكاتب أن «ليبرالية» دايان هي نمطية وترابطيَّة. فبعض أفراد عائلته من اليسار الإسرائيلي. وهو يشعر بالحرج إزاء البلطجية من المستوطنين الذين ينفذون عمليات انتقامية، مثل حرق المساجد وقطع أشجار الزيتون ومضايقة العرب وضربهم. لكنه، من الناحية الأيديولوجية، هو صوت واضح في الجوقة الإسرائيلية اليمينية الواثقة على نحو متزايد، والتي تخبر الفلسطينيين والعالم أن المستوطنين قد حققوا هدفهم، وأنهم «الحقائق على الأرض» التي ستستبعد إقامة دولة فلسطينية.

وقال: «نحن لاعبون رئيسيون، وربما اللاعبون الرئيسيون الوحيدون ونحن محور التركيز. كل شيء هو استجابة لما نفعله، وحقيقة أننا هنا ونتطور هنا هي المناورة السياسية النهائية التي تحدد الواقع. لماذا نسود؟ لقد وصلنا إلى نقطة اللارجعة».

دايان واثق من أن مستوى التزام المستوطنين يقزِّم مستوى التزام أي فصيل آخر. ويضيف أن اليسار يُظهر التزامه بالضغط على «أعجبني» على آخر مقالة افتتاحية في صحيفة «هآرتس».

وكان ديان منتقدًا لكل من باراك أوباما بسبب «سوء فهمه» للشرق الأوسط، واليمين بشكل عام مقتنع بأن أوباما «خسر» مصر، وكذلك لنتنياهو لخطابه في جامعة بار إيلان قبل ثلاثة أعوام. وعلى الأقل الآن، لم يعد نتنياهو يدعونا إلى مواصلة المفاوضات مع السلطة الفلسطينية. وديان واثق من أن نتنياهو قد أدرك قوة حركة اليمين المتشدد ولن يقاومها، لكنه دائمًا سيبقى على أهبة الاستعداد. وقال دايان: «أحيانًا أستيقظ وأظن أن نتنياهو جاد في حل الدولتين ولكن في أحيان أخرى أعتقد أنه يخدع العالم بأسره. وأظن أن الشيء نفسه ينطبق على نتنياهو».

اليهود المتدينون في قلب السياسة الإسرائيلية!
لفت الكاتب إلى أن الصهاينة المتدينين، سواء من داخل المستوطنات أو خارجها، شرعوا من أواخر ثمانينيات القرن العشرين في تبني إستراتيجية جديدة نقلتهم من هامش الحياة السياسية إلى قلبها. وفي عام 1988، أسَّس الحاخام إيلي سادان، أحد تلامذة الحاخام تسفي يهودا كوك (زعيم بارز للصهيونية الدينية)، في مستوطنة إيلي أول برنامج ديني تحضيري قبل الخدمة العسكرية (الميكينا) وعقب نهاية المرحلة الثانوية تحت مسمى «بني دافيد»، للطلاب التي على وشك الالتحاق بالجيش الإسرائيلي.

وكان الهدف من إنشاء الحاخام سادان لهذه الأكاديمية هو العمل على تزويد أهم مؤسسة عامة في إسرائيل بالمتدينين. يقول سادان لصحيفة «جيروزاليم بوست» إن: «جيش الدفاع الإسرائيلي وغيره من المؤسسات الصهيونية أُنشئت من دون أن يكون للديانة اليهودية أي تأثير حقيقي عليها. ونهدف إلى تغيير هذا الأمر». ولذلك، انتشرت مثل هذه الأكاديميات في إسرائيل وأصبح ضباط الجيش حاليًا أكثر تدينًا من ذي قبل.

وبالإضافة إلى ذلك، بذل المعسكر القومي الديني جهودًا منسقة لـ«اختراق» المؤسسات الإسرائيلية الوطنية الأخرى وعالم الأعمال. وارتكز هذا المعسكر على ما يتميز به من التركيبة السكانية؛ إذ كانت معدلات المواليد بين العائلات الدينية أعلى بكثير من مواليد المجتمع العلماني. يقول حاييم ليفنسون، المهتم بتغطية المجتمع القومي الديني في صحيفة «هآرتس»، إن: «هذه الأجيال لا تشعر بأنها مضطرة لتقديس العلمانيين مؤسسي هذه الدولة. ويُمثل نفتالي بينيت نموذجًا لهذا الجيل».

في منزل نفتالي بينيت!
ويُوضِّح الكاتب أنه رتَّب مرةً أخرى لمقابلة نفتالي بينيت في منزله في مدينة رعنانا، واتفقنا على أن يكون موعد اللقاء في تمام الساعة التاسعة صباحًا. وفي الليلة السابقة للقائنا، غيَّر بينيت الموعد إلى العاشرة صباحًا، وعندما وصلت من مدينة القدس قبل دقائق قليلة من الموعد، فتح لي الباب لكنه طلب مني الانتظار، وكان قد انتهى للتو من درس تعليمي مع حاخام محلي لتلاوة جزء أسبوعي من التوراة (المقطع الأخير في سفر التكوين). وأخبرني «تجول في المنزل، البيت بيتك».

وكان منزل بينيت كبيرًا وأثاثه عصري وتغمره أشعة الشمس، ولديه أربعة أطفال تتراوح أعمارهم بين ستة أشهر وسبع سنوات. ورأيت في المنزل ألعابًا وعربات أطفال متناثرة في كل جانب، ولا يوجد أي إشارة على التقشف؛ إذ يُوجد موقد طهي كهربائي من طراز فايكنج، وماكينة لصنع قهوة نسبريسو، وأجهزة كمبيوتر محمولة، وشاشات تلفزيونية مسطحة.

الرحلة إلى إسرائيل
وأردف الكاتب: بعد وقت قصير، جاء بينيت أخيرًا، وأعددنا القهوة وخرجنا إلى الفناء الخلفي الأخضر لتبادل أطراف الحديث. وجاء والدا بينيت إلى إسرائيل من مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية بعد حرب الأيام الستة، ولم يكونا متدينين. وتطوعا للعمل في مزرعة خنازير في مستوطنة كيبوتس تُسمى دفنة، تقع في منطقة الجليل الأعلى بالقرب من الحدود اللبنانية.

وبعد مدة وجيزة من الحديث، قال بينيت: «لم يُعجب والديّ انتشار الاشتراكية والطائفية، لذلك، لم تكن المنطقة مناسبة لهما». وذهبا والدا بينيت إلى حيفا، حيث عمل والده في جمع أموال تبرعات بناء جامعة التخنيون، وهي جامعة رائدة في العلوم والهندسة. وعلى الرغم من ذلك، لم تكن إسرائيل تلك الدولة التي تصوَّراها.

وعاد والدا بينيت إلى سان فرانسيسكو في عام 1973 لمدة وجيزة بعدما أجبرتهم حرب يوم الغفران (حرب أكتوبر) على العودة إلى إسرائيل. وعلى مر السنين، أصبحت الأسرة أكثر تدينًا، وأكثر انسجامًا مع المعسكر القومي الديني ومع كيبوت سروجوت (الصهاينة المتدينين) واليهود المتشددين الذين يرتدون القبعات المحبوكة.

نفتالي بينيت صبيًّا!
ويسرد الكاتب أنه عندما كان نفتالي صبيًّا كان معجبًا قبل كل شيء بالمحاربين المقاتلين، ومنهم يوني نتنياهو (الذي كان في نظره أحد الأبطال)، وهو قائد عملية شهيرة لتحرير أكثر من 100 رهينة إسرائيلي اختطفهم فلسطينيون على متن إحدى الطائرات في مطار عنتيبي بأوغندا في عام 1976. وكان يوني نتنياهو (الأخ الأكبر لبنيامين) الإسرائيلي الوحيد الذي مات في العملية، لذلك وُضعت «رﺳﺎﺋﻞ ﻳﻮني» الذي جمعت فيه عائلة نتنياهو رسائله بعد وفاته بجوار سرير بينيت لأنها وثيقة مقدسة للثبات والبطولة الصهيونية. (وأطلقت عائلة بينيت على طفلهم الأول اسم يوني).

وإلى جانب ذلك، كان نفتالي مفتونًا بضابط إسرائيلي آخر، ولكنه كان أكثر إشكالية، وهو مئير هار تسيون، الذي ذهب إلى الأردن مع ثلاثة من أصدقائه من الجيش وقتل خمسة من رجال قبائل البدو التي قتلت شقيقته في عام 1955 عندما كانت تتنزه في الأردن. ولولا مساعدة ديفيد بن جوريون لما أفلت هار تسيون من عقوبة السجن. وأخبرني بينيت «لم يكن هذا كل تركيزي. لكنها كانت أوقاتًا مختلفة، مثل تعامل الدول الغربية القديمة، مع رعاة البقر والهنود».

نفتالي بينيت في شبابه!
وتابع الكاتب أنه عندما وصل بينيت إلى مرحلة الشباب، التحق بدورة تدريبية للضباط، وكان قد تخلَّى عن ارتداء القبعة اليهودية لسنوات. لكن بعد اغتيال إسحق رابين في عام 1995، قال بينيت: «عدتُ إلى ارتدائها فوق رأسي من جديد. لأن رد فعل إسرائيل على اغتيال رابين كان رد فعل عنيف ضد جميع المتدينين وأُلقي اللوم عليهم، واعتقدت أن ذلك كان سلوكًا غير منصف. ونُبِذ المتدينون في كل أنحاء إسرائيل، لذلك فعلت ذلك لأقدِّم مثالًا رائعًا».

وأفاد بينيت أن مهمته، بصفته جنديًّا في سيريت ماتكال (وحدة استطلاع هيئة الأركان العامة الإسرائيلية)، كانت هي الذهاب خلف خطوط العدو في لبنان و«قتل أكبر عدد ممكن من الإرهابيين».

وبعد إنهاء خدمته العسكرية، درس بينيت القانون في الجامعة العبرية والتقى بزوجته جيلات، والتي قال عنها وهو يبتسم إن: «جيلات تنحدر من بيت علماني، وأُعجبتْ بِي نوعًا ما، وبقية القصة معروفة للجميع». وعاش بينيت وزوجته معًا لفترة وتزوجا بعد ذلك بعامين.

الدخول إلى مجال البرمجيات والتكنولوجيا!
ويستطرد الكاتب أنه بينما كان بينيت طالبًا في الجامعة، قرر الدخول إلى مجال التكنولوجيا الفائقة مثل عديد من الإسرائيليين. وتخصص في البداية في مجال ضمان الجودة والتحقق من الأخطاء، والتقليل منها قدر الإمكان، ثم دخل إلى مجال مبيعات البرمجيات. وفي عام 1999، قرر بينيت مع عدد قليل من أصدقائه أنه قد حان الوقت لتأسيس عمل خاص بهم. يقول بينيت: «لم تكن لدينا فكرة حتى عن هذا العمل!»، لكننا عملنا على إنشاء بطاقة ائتمان تستخدم لمرة واحدة فقط وتضمن المعاملات المالية الآمنة، «لذلك إذا اخترق شخص ما حسابك على أمازون وسرق معلوماتك، فأنت لا تنفذ سوى عملية شراء واحدة».

وعاش بينيت وزوجته لمدة أربعة أشهر في مستوطنة «بيت أرييه» في الضفة الغربية، وفي عام 2000، انتقلا إلى منطقة مانهاتن الأمريكية لكسب مزيد من الخبرة في مجال البرمجيات. يقول بينيت: «لكن تبين أننا نواجه منافسة هندية وأيرلندية في هذا المجال، فضلًا عن أنهم يتقدمون علينا بكثير». وبعد ذلك انفجرت فقاعة التكنولوجيا.

ويتذكر بينيت قائلًا: «أمضينا، على سبيل المثال، ثلاث سنوات في مرافقة أشياء لا قيمة لها. وكان عملًا لمجرد الاستمرار على قيد الحياة، وذهبت إلى جميع أنحاء البلاد مصطحبًا جهاز كمبيوتر محمول».

وأضاف الكاتب أن بينيت وأصدقاءه عكفوا خلال هذه المرحلة على العمل لتحسين أفكارهم بشأن برامج الخصوصية. وفي غضون ذلك، كانت جيلات تعمل طاهية معجنات، وأصبحت أكثر تدينًا تدريجيًّا بعد انضمامها إلى «مبتدئ مينيان (نمط من أنماط العبادة اليهودية)» في معبد كهيلات يشورون اليهودي، في الشارع الخامس والثمانين بمدينة نيويورك.

نفتالي بينيت يتصدر عناوين الصحف!
يرى الكاتب أن نجاح بينيت التجاري كان يعد أقوى عامل جذب له للمادية العلمانية. وكانت الصحافة الإسرائيلية والأجنبية في كثير من الأحيان تنشر أخبارًا عن تزويد بينيت المؤسسات الاقتصادية ببرامج أمنية لمكافحة الاحتيال، وأنه باع شركته (سايوتا)، نظير الحصول على 145 مليون دولار. وهو ما ترك انطباعًا بأنه يملك ثروة هائلة. لكن عندما استفضتُ معه في الحوار والأسئلة، تبين أنه بعد تقسيم عائدات بيع (سايوتا)، في عام 2005، مع ثلاثة شركاء وتداولات مختلفة من المستثمرين، حصل على 3 أو 4 ملايين دولار قبل دفع الضرائب.

وعلَّق بينيت أن ما حصل عليه من بيع شركته «كان أكثر من كافٍ لعدم العمل لمدة طويلة وللقيام ببعض الاستثمارات، لكنه لم يكن كافيًا حتى لا يضطر أطفالنا إلى العمل».

ويخلص الكاتب إلى أن إستراتيجية بينيت بصفته رجل سياسة كانت تعتمد على اجتذاب جيل الصهاينة المتدينين الذين انضموا مثله إلى صفوف رجال الأعمال والضباط ووسائل الإعلام والمؤسسات الرئيسة الأخرى. ويتنقل بينيت بسيارته من مدرسة يهودية نهارية إلى أخرى ومن مستوطنة إلى أخرى متحدثًا إليهم جميعًا. بل إن المعركة مع نتنياهو بشأن إخلاء المستوطنات ساعدت بينيت، ومنحت لاسمه شهرة بين الإسرائيليين.

كيف يرى بينيت الصهيونية في الوقت الراهن؟
ورصد الكاتب الطريقة التي ينظر بها نفتالي بينيت إلى العالم في الوقت الراهن؛ إذ يرى أن مبادئ الخدمة للصهيونية العمالية تبخرت وتلاشت، تاركة وراءها «فراغًا في المبادئ». وتبددت صهيونية تيودور هرتزل التي تأسَّست على توفير الأمن لشعب مهدد بالانقراض. يقول بينيت إن: «الصهيونية كانت قوية لدرجة أن الجيل الأول حمل على عاتقه القيام بمهمة إعادة إنشاء الدولة، وقد نجحوا في عملهم. لكن هذه الصهيونية لا تكفي وحدها. ولم يشعر جيلي بأي تهديد وجودي والذي انتهى بقيام دولة إسرائيل».

وكما قال بينيت لجمهوره فإن ما يرمز إليه «هو تسليم العصا من الصهيونية القائمة على توفير الأمن إلى الصهيونية القائمة على اليهودية. وإذا لم نفعل ذلك، فلن ننجح. ولا أريد التباهي، لكن الفساد وغيره من هذه الأمور لا تحدث بين القادة الدينيين القوميين. وشئنا أم أبينا، نرى نموذجًا مثاليًّا في الجيش وفي المستوطنات».

ومع ذلك، فإن نموذج بينيت المثالي يستند إلى ضم أراضي الضفة الغربية. وبموجب أي نسخة من خطة سلام مقبولة ولو بصورة ضئيلة لكلا الطرفين، وضع المشروع الاستيطاني 400 ألف إسرائيلي في الضفة الغربية، ولا بد من تهجير أكثر من 100 ألف مستوطن. «وهذا لن يحدث»، كما أكد بينيت.

وبحسب الكاتب – عندما أشرتُ إلى تقارير استخباراتية بشأن تزايد الإحباط الفلسطيني، وعن احتمالية اندلاع انتفاضة ثالثة – بدا بينيت غير منزعج، وقال: «بوجه عام، أصبح اهتمام الإسرائيليين بهذه القضية أقل من ذي قبل. وسوف تندلع انتفاضة ثالثة فقط بسبب توقعاتنا المبالغ فيها».

التوجه اليميني تيار سائد في إسرائيل!
ويُوضح بينيت أن قلة قليلة من الإسرائيليين مهتمون بالحصول على توجيهات أخلاقية من «الأفعال الجيدة» من اليسار في تل أبيب أو من الأعزاء الزائرين اللطفاء من الجزء الغربي العلوي للمدينة. بل إن الغالبية التي تعترف بالاحتلال الإسرائيلي ووحشيته وتُفضل قيام دولة فلسطينية تتساءل: لماذا نقبل التوبيخ والعقوبات الدبلوماسية من الأنظمة الاستبدادية في الصين وروسيا؟ أو من نظام بشار الأسد في سوريا، الذي قتل عشرات الآلاف من شعبه، أو من محمد مرسي في مصر، الذي وصف الإسرائيليين في مقطع فيديو نُشِر على قناة الإخوان المسلمين على «يوتيوب» في عام 2010، بأنهم دعاة الحرب وأحفاد القردة والخنازير؟ أو من بريطانيا وفرنسا، بما لديهم من تاريخ من الاستعمار والمذابح؟ أو من الولايات المتحدة، التي قتلت طائراتها من دون طيار، بعيدًا عن عدسة التلفزيون، عشرات المدنيين؟

ويرجح الكاتب قائلًا: وفي الوقت نفسه، يبدو أن السياسة الإسرائيلية تُواصل المضي قدمًا في طريقها السرمدي نحو النزعة اليمينية. إن صفحات الإنترنت تنشر يوميًّا تصريحات زعيم جديد للحركة الاستيطانية، والتي يُصر فيها على أن المستوطنين حاليًا في صدارة المعركة، وأنه ينبغي التصدي للحقائق القديمة، إن لم يكن القضاء عليها.

وفي أوائل العام الماضي، أخبر بيني كاتزوفر، أحد رؤوس الاستيطان في مستوطنة إيلون موريه، صحيفة «بيت مشياش» التابعة لحركة حباد اليهودية الأرثوذكسية، قائلًا: «أود القول إن الديمقراطية الإسرائيلية في الوقت الراهن تضطلع بمهمة مركزية واحدة، وهي الاختفاء. إن الديمقراطية الإسرائيلية انتهت من دورها التاريخي، ويجب تفكيكها والانحناء أمام اليهودية».

وعلى الرغم من أجواء الهزيمة التي يتمسك بها التوجه اليساري، لا يزال ناخبو يسار الوسط يُمثلون حوالي 50 مقعدًا من بين 120 مقعدًا في الكنيست الإسرائيلي. ومن الممكن دائمًا حدوث تحول سياسي لصالحه. ويعتقد عساف شارون، أحد قيادات مؤسسة «مولاد» الفكرية لتجديد الديمقراطية الإسرائيلية، بحسب ما أخبرني به أن القول إن: «الموقف القومي الديني من المستوطنات لا رجعة فيه هو مجرد هراء». وكان عساف شارون عضوًا في حركة بني عكيفا الشبيبة الدينية الصهيونية، وعلى عكس معظم الإسرائيليين، كان على دراية تامة بالمستوطنات، وأصبح مؤخرًا متظاهرًا ضد توسعها.

الحكومة الإسرائيلية الداعم الأكبر للمشروع الاستيطاني!
وأفاد الكاتب أنه في أحد الأيام بعد الظهيرة في مقر مولاد في المستعمرة الألمانية بالقدس، قال: «إن الدراما التي أحاطت بإخلاء 8 آلاف مستوطن من المستوطنات المحيطة بقطاع غزة قبل سبع سنوات ضاعفت من الآمال في مخيلتنا، لكنها أخفت حقيقة أن المشروع الاستيطاني تقف وراءه الحكومة الإسرائيلية وتبث فيه الحياة ليستمر.

وإذا ألغت الحكومة شبكات الهواتف ووسائل النقل والطاقة والإعانات، فسوف ينتهي. لأن معظم المستوطنين أشخاص ماديون بصورة ملموسة وسيَحزمون حقائبهم. لكن قد يثير بضعة آلاف من الأشخاص المجانين بعض المشكلات، لكن يمكننا التعامل مع ذلك».

ويستدرك الكاتب قائلًا: لكن في عالم سياسات منطقة الشرق الأوسط (سوريا التي تعاني من حرب أهلية حاليًا، ومصر التي تعيش – وقت كتابة المقال – حالة من الفوضى، وحتى الأردن التي تعيش حالة من عدم الاستقرار)، تبدو الآفاق قاتمة لأي شيء بخلاف الوضع الراهن المتقلب على نحو متزايد.

وفي هذا الصدد، قال مخيمر أبو سعدة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر في غزة، إن «الحكومة الإسرائيلية القادمة ستكون أكثر راديكالية على ما يبدو. وسوف نشهد بناء مزيد من المستوطنات، وتطويق أكبر لمدينة القدس الشرقية، وسنواجه مزيدًا من الإحباط واليأس. مما يعني أنه سيكون لدينا أحد سيناريوهين: إما مفاوضات بلا جدوى وإما أننا سنشهد جولة جديدة من أعمال العنف إذا استمرت حالة الجمود. وفي النهاية فإن العنف شبه مؤكد وليس مجرد احتمال».

مرحلة بينيت المثالية!
يقول الكاتب: ومن جانبها، أخبرتني تسيبي ليفني، وزيرة خارجية إسرائيل السابقة، أنه بعد التفاوض مع الفلسطينيين أصبحت مقتنعة بأنهم تخلوا عن مطالبهم بشأن مدينتي حيفا ويافا، لكنها أقرت أن إبرام أي اتفاق قد ينشئ مخاطر لا تفوقها سوى مخاطر عدم إبرام اتفاق. وقالت إن: «صنع السلام سيكون مؤلمًا. وهذا لا يعني مجرد التنازل عن الأرض، بل إن هذا يعني أنك تتحمل مخاطر أمنية حقيقية ومن بينها المخاطر الدموية. وفي بداية الأمر سنواجه الرعب والإرهاب. ونريد جميعًا أن نعيش في سعادة دائمة بعد تحقيق السلام، لكن هذا لن يحدث في البداية.

وسيستغرق الأمر وقتًا بين الاتفاق وإحلال السلام الحقيقي، وسيوصف الشخص الذي يصنع السلام بأنه خائن. وإذا قررت عدم فعل أي شيء، يمكنك فقط السيطرة على الموقف. ولا يوفر السياج الأمني لنا ​​سوى الوهم المؤقت، إننا هنا وهم هناك».

وفي الوقت نفسه، يزداد تشدد المتشددين الإسرائيليين، ويتنامى إحباط الفلسطينيين، ويكثر الحديث بشأن إقامة دولة ثنائية القومية. وينتظر جميع الأطراف الإدارة الأمريكية في البيت الأبيض، لكن لماذا يعتقد الرئيس الأمريكي أنه يستطيع تقديم مبادرته الخاصة وحشد الدعم الكافي لها من جميع الأطراف لكي تنجح؟ وقد يسأل نفسه لماذا يُنفق رأس المال السياسي؟ ثم تنهار الشجاعة. وهذه هي اللحظة المناسبة لنفتالي بينيت، لأنني نادرًا ما أرى سياسيًّا مبتدئًا واثقًا جدًّا من نفسه مثله، ولهذا السبب يزيد رصيده من أصوات الناخبين في صناديق الاقتراع يوميًّا ويسحب من رصيد أصوات حزب الليكود وزعيمه نتنياهو.

وفي ختام مقاله، يستشهد الكاتب بما قاله بينيت وهو يبتسم: «أنا أثير غضب نتنياهو بشدة. ولكن ما يهم هو ما الذي سيحدث في الأيام القادمة».ويدرك بينيت أنه من غير المرجح أن يكون رئيسًا للوزراء هذه المرة، لكنه يأمل، على أي حال، في الحصول على منصب في قيادة إسرائيل. يقول بينيت إن: «أفضل تشبيه عندي هو أن بيبي يقود الحافلة ويده على عجلة القيادة. وأريد أن أضع يدًا ثالثة على عجلة القيادة».

ساسة بوست

اسرائيلبينيت