إسرائيل لا يوجد لها أي حق في توجيه الانتقاد لروسيا. فدولة تصرفت أكثر من مرة بالضبط مثل روسيا لا يوجد لها أي حق في انتقاد سلوك عدواني وعدائي. ودولة لديها احتلال عنيف عمره أكثر من نصف قرن من غير المسموح لها توجيه انتقاد لاحتلال عمره يوم. مبررات روسيا للغزو والدعاية والاكاذيب وكأنها اخذت من دليل التشغيل الإسرائيلي كلما قامت بغزو غزة أو لبنان.
إسرائيل دائما شعرت بأنها مهددة بالضبط مثل روسيا، وهما الاثنتان تنفيان الحقوق الوطنية للشعب المحتل. الاوكرانيون ليسوا شعبا وكذلك الفلسطينيون. هناك حقوق اجداد لإسرائيل في الضفة، وهناك حقوق مشابهة لروسيا في اوكرانيا، وفي نظرهما القصد هو الحق الزائد في السيادة. ايضا الشيطنة متشابهة. فالأوكرانيون هم نازيون والفلسطينيون هم ارهابيون يريدون تدمير إسرائيل. المسافة بين المقولتين وبين الواقع متشابهة؛ هذه اكاذيب الدعاية.
الوقفة الكوميدية في هذه الحرب اللعينة قدمها وزير الخارجية يائير لبيد. “الهجوم الروسي على اوكرانيا هو خرق خطير للنظام العالمي”، قال. يبدو أن لبيد لم يشعر بأي حرج أو خجل عند صياغة هذه الاقوال. هل يمكن أن نقص ادراكه الذاتي قد وصل الى هذه الدرجة، أو ربما أن السخرية والنفاق والاخلاق المزدوجة، تسجل هنا رقما قياسيا جديدا؟
على أي حال، النظام العالمي في نظر إسرائيل هو أمر مرن جدا. غزو روسيا لأوكرانيا هو بالطبع خرق للنظام العالمي. في المقابل، غزو إسرائيل للبنان واحتلال لمدة 18 سنة هو النظام العالمي في أفضل تجلياته. النظام العالمي هو غزوات متواترة لغزة، ولا نريد الحديث عن النظام العالمي المفهوم ضمنا والذي فيه إسرائيل تسيطر على شعب آخر وتحتل بالقوة اراضي محتلة منذ عشرات السنين، خلافا لموقف جميع المؤسسات الدولية وفعليا كل العالم.
العالم يعارض ومصدوم من غزو اوكرانيا. هو يعارض ومصدوم بدرجة لا تقل عن ذلك من الاحتلال الإسرائيلي. وحقيقة أن إسرائيل تستخف بقرارات المجتمع الدولي تضعها في نفس المستوى مع روسيا وتحرمها من حقها في انتقادها. الفرق بينهما هو أن روسيا ستصبح كما يبدو دولة مجذومة وستتعرض لعقوبات شديدة، وإسرائيل لم تتم معاقبتها في أي يوم على عدوانها ولم تدفع أي ثمن بسبب تجاهل قرارات المجتمع الدولي.
اليمين في إسرائيل ينتقد الآن الغرب الذي لا يهب لمساعدة اوكرانيا. فهل خطر ببال إسرائيل في أي وقت أن تهب لمساعدة دولة معينة في حربها، باستثناء ارسال مستشفيات ميدانية، الذي دائما يظهر بأنه أمر جميل؟ هل هناك إسرائيليون يوافقون على أن يذهب ابناؤهم للقتال من اجل عدالة اوكرانيا؟ إذا كان الجواب لا فكيف يمكن أن نطلب ذلك من الآباء الامريكيين أو الفرنسيين أو الالمان؟ ايضا النظرة في إسرائيل للمقاومة العنيفة للاحتلال مليئة بالأخلاق المزدوجة. عمليات المقاومة للشعب الاوكراني ضد الاحتلال ليست فقط شرعية، بل هي حتى بطولية. لا أحد يخطر بباله انتقاد فتى من اوكرانيا يلقي زجاجة حارقة على دبابة روسية. إسرائيل تصفق كما ينبغي لها. هذا الفتى هو بطل ووطني. وماذا بشأن الشاب الفلسطيني الذي يقوم بعملية مشابهة؟ هو بالطبع يستحق الموت، هو ولد من أجل أن يقتل يهودا ابرياء، هو حيوان ومتوحش وحقير. لماذا يشفق جدا القلب الإسرائيلي على اللاجئين الاوكرانيين وضحايا الرعب والخوف هناك، لكنه مغلق ازاء معاناة الرعب في غزة والطرد واللجوء الفلسطيني؟
روسيا تؤكد أنها لا تنوي احتلال اوكرانيا وأنها ستضرب فقط اهدافا عسكرية. وهذا يبدو معروفا تماما. روسيا تطالب بتجريد اوكرانيا من سلاحها وتغيير الحكومة فيها. هذا مخالف كليا لما تطلبه إسرائيل من غزة قبل أن تذهب الى جولة قتل اخرى لمئات الاطفال بدون قصد. حتى تأييد الحرب في وسائل الاعلام الروسية تذكر بشيء ما. بعد كل ذلك، تريدون أن تنضم إسرائيل للعالم وتدين روسيا؟ كيف يمكن ذلك؟
جدعون ليفي – هآرتس
ترجمة أطلس