كيف تشنّ إيران حربها الإعلامية ضد إسرائيل؟

“في مواجهة عمليات التأثير الإيرانية، ينبغي على إسرائيل أن تتبنى استراتيجية وطنية شاملة لمنع المزيد من عمليات الاختراق السيبراني، التي تهدف إلى زعزعة التلاحم الاجتماعي والاستقرار السياسي”.

أوفير بارل باحث في ورشة يوفال نئمان للعلوم والتكنولوجيا والأمن في جامعة تل أبيب، وهو أيضًا باحث سابق في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي وفي مركز البحث السياسي في وزارة الخارجية الإسرائيلية.ج

إنّ الصراع بين إيران وإسرائيل متعدد الأبعاد ومستمر منذ سنوات. فعلى المستوى الاستراتيجي الأعلى، تعمل إيران على تطوير قدرات نووية تنوي استخدامها، بحسب إسرائيل، لتدمير هذه الأخيرة. أما على المستوى العسكري التكتيكي، فتدعم إيران جهود تسلّح وكلائها – أي “حماس” و”حزب الله”- ضد إسرائيل. كما شن قراصنة إيرانيون العديد من الهجمات ضد شركات وبنى تحتية حيوية في إسرائيل.

في المقابل، كانت إسرائيل على مدار الأعوام – أقلّه بحسب مصادر أجنبية – تشّن وتشارك في العديد من العمليات ضد التهديدات المذكورة أعلاه، وتنفذ هي أيضًا هجماتٍ سيبرانية. لكن بالمقارنة مع هذا النشاط، ثمة تهديد واحد لم تتعامل معه إسرائيل بشكل ملموس: فقد جمع باحثون في إسرائيل وخارجها خلال السنوات الأخيرة أمثلة عديدة عن حالات مارست فيها إيران تأثيرًا خبيثًا بحق مواطنين إسرائيليين على وسائل التواصل الاجتماعي. ويقابل ذلك نشر رسائل معادية لإسرائيل على المستوى الدولي، وقد عملت عدة هيئات حكومية، منها وزارة الخارجية الإسرائيلية، على مكافحتها.

يمكن تعريف عمليات التأثير على أنها أعمال دعائية مصممة لتغيير التصورات والأفعال لدى جمهور معين من أجل تحقيق مآرب الطرف المبادِر، والتي عادة ما تكون متعارضة بشكل مباشر مع المصالح الواضحة للجمهور المستهدف. ويمكن تحقيق ذلك بالدرجة الكبرى من خلال توزيع كمٍّ هائل من المعلومات المغلوطة المصممة لاصطناع المشاعر وتشويه تصورات المتلقّين المستهدفين. وتهدف عمليات التأثير الإيرانية الموضحة أدناه إلى تقويض الاستقرار السياسي والتماسك الاجتماعي داخل إسرائيل.

مع تدخّل روسيا في الانتخابات الأمريكية لعام 2016، بهدف تحقيق غايات مشابهة، أصبح العالم أشد إدراكًا للضرر الذي يمكن أن يُحدِثه هذا النوع من الحملات. ويتجلى هذا الأمر مثلاً في بيان روبرت مولر أمام الكونغرس عام 2017 حين قال: “لقد شاهدتُ عددًا من التحديات لنظامنا الديمقراطي. إنّ مسعى الحكومة الروسية للتدخل في انتخاباتنا هو من بين الأخطر… وهذا يستحق اهتمام كل أمريكي”. وهذا واقع تعترف به إيران أيضًا، حيث أنها تبنّت أسلوب التأثير هذا في جهودها ضد إسرائيل.

لكن إسرائيل لم تعتمد ردًا مناسبًا على هذا التهديد. ولا يتجلى ذلك في افتقارها إلى البيانات الأساسية عن التدخل في الانتخابات الأجنبية فحسب، بل أيضًا في المزعم (الذي طرحته منظمة تتعامل مع هذه المسألة) عن عدم وجود رد فعل في الوقت الحقيقي لدى الحكومة. عوضاً عن ذلك، يجب على الحكومة وضع آليات وطنية ودولية تساعد إسرائيل على بلورة سياسة منهجية وخطط عمل سريعة.

خصائص الحرب الإعلامية الإيرانية ضد إسرائيل
يمكن تصنيف هذه العمليات ضمن نوعين، يشمل النوع الأول -والأكثر شيوعًا- حملات التأثير المصممة لتقويض الاستقرار الداخلي في إسرائيل عن طريق تأجيج النزاعات المتعلقة بقضايا مثيرة للجدل، على غرار أعمال التأثير التي مارستها روسيا عام 2016. والحملة التخريبية الأبرز هي التدخل الإيراني في الانتخابات التشريعية في نيسان/أبريل 2019 حين حاولت مئات الحسابات المزيفة إثارة الانقسامات الشعبية حول هذه القضايا على وسائل التواصل الاجتماعي. ويضم النوع الثاني عمليات تهدف إلى التشديد على تفوق إيران على الدول الغربية، وتشمل الموقع الإخباري الملفّق “تل أبيب تايمز” الذي صوّر إسرائيل على أنها دولة ضعيفة عبر نسخ مقالات من مواقع إخبارية إسرائيلية ونشرها بصياغة مختلفة.

تتعرض الديمقراطية في إسرائيل لعمليات كبيرة ومتواصلة لنزع شرعيتها منذ إنشائها. لكن ما يجعل النشاط الإيراني الراهن تهديدًا فريدًا يتطلب اهتمامًا خاصًا هو التحسن السريع في أدائه. ويشكل هذا التقدم جزءًا من حملة أوسع لتحسين الحرب الإعلامية الإيرانية ضد الدول الغربية (بشكل رئيسي)، وقد تم إحرازه خلال فترة قصيرة نسبيًا. وفي حين وصفت شركة “فاير آي” للأمن السيبراني في عام 2018 الحملات الإيرانية بأنها “فوضوية” و”مكررة”، لفت المجلس الأطلسي الأمريكي بحلول عام 2020 إلى خبرة إيران الواسعة ومواردها الكثيرة التي مكّنتها من التصرف بدهاء ضد أعدائها. وليس هذا المنحى عرضيًا: فبحسب بعض الخبراء في مجال الاستخبارات، تستخدم إيران بدقة أساليب الحرب الإعلامية الروسية التي انتقلت لاحقًا إلى استهداف الديمقراطيات الغربية. وكانت نتائج هذه الدراسة واضحة مثلاً خلال الانتخابات الأمريكية لعام 2018 عندما لجأت إيران إلى أساليب تدخّل تشابه التكتيكات الروسية التي تم اعتمادها قبل عامين.

في ما يتعلق بإسرائيل، توضح حادثتان أخريان مدى تعقيد عمليات التأثير الإيرانية: أولاً، خلال عملية “حارس الأسوار”، كانت إيران (وفقًا لمصادر استخباراتية إسرائيلية) تشغّل شبكة واسعة من الحسابات على تويتر المصممة لإحباط الشعب الإسرائيلي. وقد وصلت تلك الرسائل إلى الجمهور الإسرائيلي والعالمي على حدٍّ سواء، حيث أشارت التقديرات إلى أنها بلغت أكثر من مائة مليون شخص في العالم. ويُشتبه أيضًا بدور المتصيدين الإيرانيين في تصعيد التوتر الداخلي بين اليهود والمواطنين العرب خلال الأزمة.

في الوقت نفسه، تسلّل ناشطون إيرانيون إلى مجموعات “حركة العلم الأسود” على واتساب وتلغرام -وهي حركة نظّمت احتجاجات ضد رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو- وتبادلوا رسائل تبعث على الانقسام، مستغلّين ثقة أعضاء المجموعة الذين يقدَّر عددهم أحيانًا ببضع عشرات فقط. وحيث أنه تم تنفيذ هاتين الحملتين في الوقت نفسه تقريبًا خلال النصف الأول من عام 2021، فهذا يشير إلى قدرة إيران على استعمال إمكاناتها المتنوعة ضد المدنيين الإسرائيليين، بدون وعي كبير بالهيئات التي تعمل على حماية إسرائيل من هذه التهديدات.

ما قد يزيد من حدة التهديد الإيراني لإسرائيل هو إمكانية التعاون بين إيران وحلفائها حيث قد تورث إيران خبرتها في الحرب السيبرانية والإعلامية. فقد استخدم “حزب الله” طوال عقد تقريبًا آلاف الناشطين لنشر رسائل مضللة وكاذبة ضد أهداف مختلفة. وليس بعيدًا عن المعقول الافتراض بأن جزءًا أساسيًا من أنشطة “مزرعة التصيد” هذه يقوم على الأساليب الإيرانية التي قد يتعلمها أيضًا وكيلها الآخر – أي “حماس”.

ما الذي تستطيع إسرائيل فعله؟
إنّ غياب استراتيجية حكومية شاملة لدرء عمليات التأثير الإيرانية ضد المواطنين الإسرائيليين، وما قد يستتبعه ذلك من عواقب وخيمة، يستدعي التنفيذ الفوري لتدبيرين تنظيميين سبق أن أثبتا فعاليتهما في سياقات أخرى.

على المستوى الوطني، يجب على إسرائيل إنشاء مركز مخصص لمكافحة عمليات التأثير. انطلاقًا من تجربة الهيئات الأخرى المشابهة في أوروبا والولايات المتحدة، يمكن تحقيق هذا الهدف من خلال خطة عمل ثلاثية تقوم على: توصيف الحرب الإعلامية المنفذة ضد الدولة، وتقديم التوجيه والإرشاد للأفراد والمنظمات غير الربحية التي تعمل على كشف عمليات التأثير، وتثقيف الرأي العام حول طبيعة التهديدات والتدابير المضادة لها. وقد أثبتت التجارب العالمية فعالية هذه المراكز في كبح عمليات التأثير الخارجية: على سبيل المثال، بحسب جاكوب جاندا الذي عمل سابقًا مستشارًا للحكومة التشيكية حول التصدي لعمليات التأثير الروسية، تم تشكيل قوة وطنية مشابهة في السويد قبل انتخابات 2018 العامة، وكانت هذه القوة إحدى الوسائل المهمة التي استُخدمت لحماية الانتخابات من أي تدخل خارجي. وتجدر الإشارة إلى أن المعهد الإسرائيلي للديمقراطية وجهاز الأمن الإسرائيلي اقترحا في العام 2019 إنشاء هيئة مماثلة تكون مخصصة لكشف أي نشاط مريب على الشبكات الإسرائيلية. ولكن على حد علمنا لم يتم إنشاء هذه الهيئة بعد.

على المستوى الدولي، يجب على إسرائيل طلب الانضمام إلى مشروع الشبكة الأوروبية للتهديدات المختلطة “إي يو هايب نت” التي تتعامل مع عمليات التأثير بتمويل من برنامج “أفق 2020” الذي تشارك فيه إسرائيل. عند المشاركة في هذه الشبكة القارية، ستكون إسرائيل قادرة على الاستفادة من ثلاث مزايا ملفتة.

أولاً، لا تهدف هذه المبادرة إلى التعامل مع عمليات التأثير بحد ذاتها ولكن باعتبارها جانبًا من أسلوب الحرب المعروف بالحرب المختلطة، وهو أسلوب يشمل استخدام الوسائل العسكرية وغير العسكرية لهزيمة العدو. فالحملة التي نُفذت على نطاق واسع مثلاً خلال عملية “حارس الجدران” لإضعاف معنويات الشعب الإسرائيلي، تُبيّن الحاجة إلى وضع وصقل مبادئ الحرب المختلطة في إطار المسعى الأكبر لإحباط عمليات التأثير الخارجي.

ثانيًا، يضمّ المشروع خبراء عسكريين ومدنيين من 22 دولة أوروبية ليوفّر مجموعة لا تنضب من الخبرات، ومنها تستطيع إسرائيل استخلاص العديد من الاستنتاجات المفيدة – خصوصًا متى كان جزءٌ كبير منها يتعامل بانتظام مع عمليات التأثير الروسية.

أخيرًا، وإلى جانب إجراء أبحاث نظرية عن التهديدات المختلطة، ينظّم المركز تدريبات يمكن للمشاركين خلالها اكتساب المهارات الأساسية اللازمة لإحباط التهديدات المختلطة بنجاح، وممارسة هذه المهارات. ومن شأن الدروس المستقاة من التدريبات أن تزود إسرائيل بتكتيكات مثبتة وقابلة للتطبيق للرد على عمليات التأثير الخبيثة في الوقت الحقيقي.

لقد أهدرت إسرائيل حتى الآن وقتًا ثمينًا في تجاهل تهديد وجودي ازداد مواربةً وخطورةً بشكل ثابت. وقد يشكل الحلّان أعلاه قاعدة أساس لسياسة شاملة قد تسمح لإسرائيل بالاستعداد بشكل أفضل لعمليات التأثير في المستقبل، وأيضًا تحويل الدبلوماسية العامة إلى عنصر حيوي في لجم طموحات إيران المؤذية.

معهد واشنطن

اساسياسرائيلايران