“اليوم التالي في غزة أصبح ملموسًا، بعد أن بدأت الحكومة الإسرائيلية اتخاذ خطوات استراتيجية ترسم مستقبل القطاع دون أي نية للتراجع”.. يقول الكاتب الإسرائيلي شموئيل أورنيتز في مقال له نشرته مجلة “زو هديرخ” الصادرة عن الحزب الشيوعي الإسرائيلي، بعدد 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2024.
ويكشف أورنيتز في مقاله بعضًا من ملامح المخطط الإسرائيلي المزمع تنفيذه في غزة، والذي تعتمد فيه على إعادة رسم الخريطة السكانية والجغرافية للقطاع، بعد احتلاله واستيطانه من جديد، لكن الاحتلال هذه المرة لن يكون تقليديًا كما حدث بعد عام 1967 وحتى عام 2005، إنما عن طريق وكيل تل أبيب رجل الأعمال الأمريكي الإسرائيلي مردخاي موتي كاهانا.
فـ”إسرائيل” لن تعتمد على جيشها وحده للسيطرة على الأوضاع في غزة، بعد الخسائر البشرية التي يتكبّدها يومًا بعد يوم، لكنها تتجه إلى سيناريو يشبه سيناريو استعانة الولايات المتحدة بشركة بلاك ووتر الأمريكية المشبوهة في العراق.
تسعى “إسرائيل” -كما سنبيّن- إلى ما هو أبعد من السيطرة الأمنية والاستيطان في غزة، وهو الاستيلاء على الغاز الطبيعي والنفط في غزة، بعد تفريغها قدر المستطاع من السكان، وإعادة رسم الديموغرافيا بها، وكلمة السر في هذا وذاك هو مردخاي موتي كاهانا، رجل الخير -كما يزعم- اليهودي الصهيوني المتورط في عمليات تهريب للآثار، والمتهم بسرقة النفط السوري، وتحقيق النفوذ الاستخباراتي لصالح “إسرائيل”، تحت غطاء العمل الخيري.
من هو موتي كاهان؟ وما أنشطته السابقة المشبوهة؟ وما الدور الذي يسعى للقيام به في غزة؟
عمليات تهريب تحت غطاء إنساني
مردخاي موتي كاهانا (Mordechai Moti Kahana)، رجل أعمال يهودي إسرائيلي أمريكي، وُلد في القدس يوم 28 فبراير/ شباط 1968، وهو الرئيس التنفيذي والمؤسس لشركة التوصيل العالمية GDC (Global Delivery Company).
ينحدر مردخاي من جذور رومانية، ويعتزّ بقوميته الصهيونية، وكان جده ديفيد كاهانا في رومانيا من الجيل الأول الذي حلم بدولة “إسرائيل”، وشارك في مؤتمر فوكشاني في رومانيا عام 1882، والذي حضره مندوبون عن 29 مدينة أوروبية، للنظر في تأسيس دولة لليهود، حسبما كتب مردخاي في مقال له بجريدة “جيروزاليم بوست”.
يحكي كاهانا في حوار له مع منصة للسلام والإنسانية (Platform for Peace and Humanity)، أنه نشأ نشأة فقيرة في القدس، وجرى تجنيده في سلاح الجو بالجيش الإسرائيلي عام 1986، وبعد إنهاء خدمته سافر للولايات المتحدة عام 1991 بحثًا عن حياة أفضل، فعمل سائق سيارة أجرة، واستطاع تدريجيًا تكوين ثروة، وبالتدريج أسّس مجموعة شركات في مجال خدمات النقل.
كاهانا لديه طموح في العمل بقطاع النفط، ففي عام 2011 أسّس شركة Fuel Recyclers LLC المتخصصة في إعادة تدوير وقود السيارات، وبعد نزاعات قضائية مع شركة Yellow Dog Technologies التي اتهمته بسرقة اختراعها في تدوير الوقود، اضطر كاهانا إلى بيع حصته في Fuel Recyclers LLC عام 2013.
وفي عام 2011، أسّس كاهانا منظمة أماليا (Amaliah) التي تركز على ما تصفه بدعم النساء المسلمات في الشرق الأوسط، وتمكينهن، لا سيما في سوريا والدول التي نشط فيها كاهانا، مع الاضطرابات الأمنية التي أعقبت الثورة السورية.
أما الكيان الأهم الذي يديره كاهانا فهو شركة التوصيل العالمية GDC، والتي ينشط من خلالها بجانب منظمة أماليا فيما يوصف بالعمل الخيري والإنساني الذي تحوم الشبهات حوله.
فإذا تتبّعنا أبرز نشاطات الشركة والمنظمة، نلاحظ أنها تنتقي الأعمال الإنسانية التي تقوم بها وفقًا للمصالح اليهودية الإسرائيلية، ونجد أن الطابع الأمني الاستخباراتي يحوط بالعمليات التي تنفّذها في الدول المضطربة أمنيًا التي ينشط بها، وأهمها أفغانستان وأوكرانيا وسوريا واليمن، ويخطط للدخول إلى غزة قريبًا.
أجرت شركة كاهانا عمليات تهريب في أكثر من جهة لخدمة “إسرائيل”، ففي أفغانستان هرّبت الحاخام اليهودي الأفغاني زيبولون سيمينتوف عام 2021 إلى “إسرائيل”، بعد صعود طالبان للحكم عام 2021، بحسب “أسوشيتد برس“، وفي أوكرانيا هرّبت 200 طفل يهودي بالتعاون مع لجنة التوزيع اليهودية الأمريكية المشتركة JDC.
وفي سوريا هرّب كاهانا عائلة يهودية عربية تعيش في حلب إلى “إسرائيل”، بمساعدة مسلحين محسوبين على المعارضة السورية، كما خطط كاهانا لتهريب 2000 مخطوطة تراثية يهودية من كنيس يهودي في حلب أيضًا، مؤكدًا أن عمله في سوريا يتم بالتنسيق مع “إسرائيل”.
وفي اليمن تحوم الشبهات حول دور لكاهانا في تهريب مخطوطة يهودية للتوراة من اليمن إلى “إسرائيل”، حيث ظهرت المخطوطة المهرّبة، التي يبلغ عمرها 800 عام، في صورة تداولتها وسائل الإعلام بيد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وهو يقرأها، الأمر الذي أدى إلى سجن حاخام يهودي باليمن اتُّهم بتسهيل تهريبها، رغم أنها تعدّ تراثًا مملوكًا للدولة اليمنية.
وهو الأمر الذي أزعج كاهانا وقال إنه لم يكن يريد للخبر أن يُنشر في وسائل الإعلام، حرصًا على رجال الدين اليهود في اليمن، وكان يدرك أن الحكومة اليمنية ستمارس اعتقالات بحقهم إن جرى الإفصاح عن الأمر.
ورغم هذه الأنشطة ذات الطابع الأمني الاستخباراتي التي يمارسها كاهانا تحت غطاء شركته JDC ومنظمته الخيرية أماليا، فإنه دائمًا ما يسوّق نشاطه في الدول المأزومة على أن هدفه خيري إنساني بحت، وهكذا قدم نفسه للسوريين ليمكن له القيام بأنشطته في سوريا، ونقلت “تايم أوف إسرائيل” عنه قوله:
“لقد نشأت فقيرًا جدًّا في القدس، وعندما رأيت صور الأطفال السوريين المشردين الذين يتجمدون في الثلج، ذكرني ذلك بصور عائلتي في أصعب سنواتنا، فقمت على الفور بتحويل موارد أماليا نحو مساعدتهم. لدينا مسؤولية أخلاقية هنا، نريد المساعدة في إحلال السلام على الشعب السوري، نريدهم أن يكونوا قادرين على استعادة حياتهم، نحن نعلم كيف يكون الأمر عندما يصمت العالم، وعلينا أن ننبّه العالم إلى ما يحدث”.
كاهانا في غزة يقود المرتزقة
تحت ستار المساعدات الإنسانية، تخطط “إسرائيل” بالتعاون مع الولايات المتحدة لدخول كاهانا إلى غزة واستعمارها وإعادة تشكيل خريطتها السكانية من خلاله، لأن الجيش الإسرائيلي لن يستطيع فعل ذلك وحده، خاصة بعد أن فشلت خطط تهجير سكان القطاع.
ولعلّ أول إرهاصات الخطة ظهرت للإعلام في 4 أبريل/ نيسان 2024، حين صرّح كاهانا لصحيفة “أخبار يهودية (Jewish News)” البريطانية أنه تقدم في فبراير/ شباط 2024 إلى بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بخطة لتوزيع المساعدات على الفلسطينيين في غزة، بالتعاون مع شركة أمريكية أمنية رفيعة المستوى، موضحًا أن طلبه قيد الدراسة.
ثم بدأت سلسلة اجتماعات بين كاهانا وعدد من المسؤولين الإسرائيليين، على رأسهم نتنياهو وقيادات بالجيش الإسرائيلي، وبعد مداولات وافق الجيش على خطة كاهانا، لكن نتنياهو قرر تأجيل تنفيذها.
وفي الوقت نفسه قدّم كاهانا الخطة إلى البيت الأبيض ووزارة الدفاع الأمريكية، لكن الجانب الأمريكي لم يردّ عليه وقتها بالإيجاب أو الرفض، حسبما أعلن.
الخطة تضمّ بعض الفلسطينيين المتعاونين مع “إسرائيل”، بحسب “أخبار يهودية”، وعلى رأسهم سامر السنجلاوي، الذي سبق وصرّح أن كل الفلسطينيين مسؤولون عمّا حدث في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وما بعده، وعليهم الاعتذار لـ”إسرائيل” عمّا فعلته حماس، معتبرًا أن محمود عباس نفسه الرئيس الفلسطيني المناوئ لحركة حماس، شريك في المسؤولية لأنه لم يعتذر لـ”إسرائيل”.
وضمن أهداف الخطة، التي سنوضح أبعادها أدناه، خلق طبقة سياسية جديدة في غزة مرتبطة بـ”إسرائيل” من نوعية سامر السنجلاوي، بحسب ما أعلنه كاهانا ونقلته “الغارديان” و”التيليغراف” وعدد من الصحف الإسرائيلية، وهو نفس ما حاول كاهانا فعله في سوريا، حيث بنى -حسب حواره مع Platform for Peace and Humanity- جسورًا مع بعض فصائل المعارضة السورية، لا سيما من قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، وعمل على ربطها بـ”إسرائيل”، بعد أن أقنعهم بأنه أتى لمساعدتهم.
لكن وجدت “إسرائيل” أن أمام الخطة عدد من العوائق، أهمها فصائل المقاومة المسلحة وعلى رأسها حماس، ثم منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، باعتبارها تابعة للأمم المتحدة، فكان تأجيل تنفيذ الخطة في محاولة للقضاء على الطرفين معًا، المقاومة والأونروا.
بدأ الأمر بإزاحة الأونروا، باعتبار أن التخلص منها أسهل، بالتزامن مع قتال المقاومة والعمل على تصفيتها تدريجيًا، وهو التحدي المستحيل الذي تختبره “إسرائيل”، بلا جدوى.
الأونروا هي الجهة الدولية المسؤولة عن توزيع المساعدات وإغاثة الشعب الفلسطيني، وفي سبيل إزاحتها من المشهد قتلت “إسرائيل” العشرات وربما المئات من موظفيها عمدًا، حسبما تؤكد الأمم المتحدة، ناهيك عن تدمير مبانيها وبنيتها التحتية عمدًا، في محاولة لإجبارها على الانسحاب من المشهد الفلسطيني.
لكن تحت إصرار موظفي الأونروا والأمم المتحدة على استمرار العمل في خدمة الفلسطينيين، اضطرت “إسرائيل” إلى استصدار قرار من الكنيست بإلغاء التعامل معها، والذي كان قد بدأ منذ عام 1967، ثم أخطرت الأمم المتحدة رسميًا بالقرار في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024.
وقبل إبلاغ الأمم المتحدة بأسبوع، كان خبر الموافقة على خطة كاهانا في غزة قد أعلنته “إسرائيل”، وتحديدًا في 22 أكتوبر/ تشرين الأول.
وبالنسبة إلى المقاومة، قررت “إسرائيل” التخلص منها تدريجيًا، وفقًا لما عُرف بخطة الجنرالات، التي تقتضي تفريغ شمال غزة من السكان، تمهيدًا لدخول كهانا ومرتزقته، وبدء خطته من هناك، ثم توسيع الخطة بعد ذلك لتشمل باقي غزة.
وبعد القضاء على جيوب المقاومة في الشمال، تبدأ “إسرائيل” في تقسيم قطاع غزة إلى “فقاعات إنسانية”، حسبما أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت في يونيو/ حزيران 2024.
لكن يبدو أن المقاومة الشرسة التي واجهت الإسرائيليين في الشمال، لا سيما في جباليا، أجّلت تنفيذ الخطة، حتى أُعلن عنها مرة أخرى في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وينتظر تطبيقها بمجرد نجاح “إسرائيل” في إخلاء الشمال من سكانه، أو على الأقل التأكد من خلوه من المقاومة.
الفقاعات: مرتزقة بلاك ووتر لتجويع غزة وإنقاذ جيش “إسرائيل”
وفقًا لما أعلنه كاهانا في أبريل/ نيسان، ولما تداولته الصحافة الإسرائيلية في نهايات أكتوبر/ تشرين الأول، تقتضي الخطة أن يتولى كاهانا وشركته GDC إنشاء الفقاعات السكانية وإدارتها، حسبما نقلت صحيفة “الغارديان” البريطانية.
هذه الفقاعات عبارة عن تقسيم قطاع غزة إلى تجمعات سكانية صغيرة معزولة محاطة بأسوار وبوابات، تبنيها شركة كاهانا، وعن طريق العسكريين المرتزقة الذين سيجلبهم كاهانا عن طريق شركة أمن خاصة، سيُمنع أي فلسطيني يُشتبه في علاقته بحركات المقاومة، أو لديه عداء تجاه “إسرائيل” من دخولها، وبالتالي حرمانه من الطعام.
في سبيل ذلك سيُقام على أبواب الفقاعات السكنية نظام بيومتري، بمقتضاه ترفع بصمات الشخص الذي سيُجرى إدخاله إليها، وبناء على البصمات ستعرف كل بياناته وخلفياته وكل ما يتعلق بالمعلومات الأمنية التي تخصّه.
وإذا اكتشف رجال الأمن الذين يفحصون الشخص الداخل إلى الفقاعة أن له صلة بالمقاومة، أو له خلفية عدائية تجاه “إسرائيل”، سيطلق الرصاص عليه فورًا، فـ”الفلسطينيون سيحصلون على الطعام بينما الإرهابيون سيحصلون على رصاصة”، حسبما كتب كاهانا على إكس، ونقلت عنه صحيفة “التيليغراف” البريطانية.
كان كاهانا قد صرّح في أبريل/ نيسان أن المرتزقة الذين سيجلبهم يتبعون شركة أمنية أمريكية رفيعة المستوى، ثم عاد وقال إنها ستكون شركة بريطانية، وفي تصريحات أخرى قال إن هؤلاء المرتزقة التابعين لشركة الأمن ينحدرون من الولايات المتحدة وإنجلترا وفرنسا، وكانوا مقاتلين سابقين في جيوش تلك البلدان، بحسب “الغارديان”.
لكن أخيرًا أفصح كاهانا عن أن الشركة التي ستنفّذ مخططه هي كونستيليس (Constellis)، وهي نفسها شركة بلاك ووتر الأمريكية، سيّئة السمعة المتورطة في انتهاكات حقوق الإنسان بالعراق، حيث غيّرت بلاك ووتر اسمها أكثر من مرة قبل أن تسمّي نفسها Academi لتندمج مع شركة Triple Canopy، ليكونا معًا شركة كونستيليس عام 2014.
المعروف أن بلاك ووتر (كونستيليس حاليًا) هي المتهمة في عدد من الانتهاكات الحقوقية وجرائم القتل في العراق، وكانت رمزًا للرعب بين العراقيين، وممّا ارتكبته مجزرة ساحة النسور في العراق عام 2007، والتي راح ضحيتها 17 قتيلًا عراقيًا وعشرات المصابين، حين كانت مسؤولة عن إدارة الأمن في العراق بالوكالة عن الجيش الأمريكي منذ عام 2003.
ولتخفيف العبء عن الجيوش النظامية التي في الغالب تقوم على التجنيد الإلزامي وتجد صعوبة في إقناع جنودها بجدوى العمليات الإجرامية، صارت تتجه الدول الكبرى إلى الاستعانة بالشركات الأمنية الخاصة، للقيام بالعمليات نيابة عن الجيوش، وصار نموذج بلاك ووتر في العراق هو الملهم، بحسب دراسة صادرة عام 2023 عن كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة للباحث محمود مجدي السمان، بعنوان “دور الشركات العسكرية والأمنية الخاصة في الشرق الأوسط: دراسة حالة شركة بلاك ووتر”.
فالدور الرسمي المعلن لهذه الشركات هو تأمين المنشآت والشخصيات العامة والفعاليات وغيرها، وكأنها شركات حراسات خاصة، لكن الدور الحقيقي هو دور قوات خاصة “كوماندوز” مدعومة بجناح استخباراتي، وربما معدّات عسكرية ثقيلة وطائرات، تنفّذ اغتيالات وتقوم بعمليات أمنية معقدة، خاصة أن قوامها الأساسي عسكريون سيّئو السمعة في حقوق الإنسان، بالإضافة إلى مجرمين وسجناء وأعضاء عصابات مافيا ليس لديهم أي وازع أخلاقي، بحسب الدراسة.
ولعلّ مرتزقة بلاك ووتر بقيادة كاهانا هم المنقذ للجيش الإسرائيلي الذي يعاني جنوده أزمات نفسية كبيرة، خاصة مع نية الحكومة الإسرائيلية عدم الانسحاب من غزة وإعادة احتلالها، وبعد أن كشفت تقارير صحيفة إسرائيلية عن ارتفاع عدد الجنود المعاقين الذين يتلقون العلاج في أقسام إعادة التأهيل التابعة لوزارة الدفاع إلى 70 ألف جندي منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 حتى يونيو/ حزيران 2024، وأن 35% من المصابين يعالجون من أمراض نفسية، في حين أشارت صحيفة “جيروزاليم بوست” أن أكثر من 10 آلاف جندي احتياط طلبوا تلقي خدمات صحة عقلية.
غاز غزة: هل ينهبه كاهانا؟
خلال نشاطه في سوريا حاول مردخاي موتي كاهانا تهريب النفط السوري من الأراضي التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، حسبما نشرت مجلة “ريزون” الأمريكية في 12 مارس/ آذار 2019، تحت عنوان “المخطط المجنون للاستيلاء على النفط السوري (The Madcap Scheme to Take Syria’s Oil)”، وهو الموضوع نفسه الذي تناولته صحف عربية وغير عربية، وذكرت ما يفيد احتمالية نجاحه في ذلك.
بحسب ريسون، قال كاهانا إن “إسرائيل” طلبت منه إقناع أصدقائه من قوات سوريا الديمقراطية بالتوقف عن بيع النفط إلى حكومة بشار الأسد، وتصديره إلى “إسرائيل”، مقابل مساعدات إنسانية تقدمها لهم “إسرائيل” عن طريق كاهانا.
وكما أشرنا في فقرة سابقة، فإن كاهانا سبق له العمل في تدوير الوقود بالولايات المتحدة، ولديه خبرة بمجال تجارة النفط، وله طموح في اقتحام هذا المجال.
وهو ما يفتح الباب إلى التوقع بقوة أن كاهانا ومشروعه الاستيطاني الإسرائيلي يضع ضمن أهدافه نهب غاز غزة، في ظل تقارير تؤكد رغبة “إسرائيل” ومن خلفها الولايات المتحدة السيطرة عليه، خاصة حقل غاز “غزة مارين”، الذي يقدَّر احتياطي الغاز فيه بما يزيد عن تريليون قدم مكعب.
هذا الغاز لا يكفل القانون الدولي لـ”إسرائيل” السيطرة عليه، ويعطي الحق للفلسطينيين استغلاله، وتناقلت تقارير صحفية دولية بيانات لمراكز قانونية داخل “إسرائيل” وفلسطين، تؤكد أن تل أبيب حاولت التعاقد مع شركات بترول ضخمة منها إيني الإيطالية (Eni S.p.A)، ودانا بتروليوم البريطانية (Petroleum Dana)، بالإضافة إلى راتيو بتروليوم الإسرائيلية (RatioPetroleum)، للتنقيب عن الغاز قبالة سواحل غزة في البحر المتوسط، لكن الأمر محل نزاع قانوني جعل الشركات الدولية تتردد في قبول الصفقة، وتريد أن تطمئن إلى قانونيتها.
ويتوقع إذا نجحت خطة كاهانا أن يحاول الحصول على هذا الغاز عن طريق وكلاء فلسطينيين في غزة، يستطيع استمالتهم للعمل معه، ويجعلهم ضمن خطة إدارة القطاع في مرحلة ما بعد حماس التي تسعى إليها “إسرائيل”.
بعد هذا الاستعراض، نستطيع استخلاص الآتي عن دور كاهانا المرتقب في غزة:
– بعد أن دمّرت “إسرائيل” أكثر من 70% من البنية التحتية والمنشآت والمباني في قطاع غزة، حسب تقديرات الأمم المتحدة في أبريل/ نيسان 2024، والأرجح أنها تجاوزت الـ 70% بكثير عند نشر هذه السطور، تسعى إلى إعادة تقسيم القطاع من جديد، ببناء فقاعات سكنية لا يسمح بدخولها إلى لمن ترضى عنهم من المدنيين الفلسطينيين.
– من يدخلون الفقاعات هم فقط من سيحصلون على الطعام في غزة، في ظل الحصار وسياسة منع دخول المساعدات الخارجية، وبالتالي إن مجاعات في صفوف من لم ترضَ عنهم “إسرائيل” يتوقع أن تحدث، إذا ما نجح مخطط كاهانا.
– تتبع “إسرائيل” عن طريق وكيلها كاهانا ومرتزقة كونستيليس (بلاك ووتر سابقًا) بالتعاون مع الجيش، تصفية جيوب المقاومة المتبقية ومن يدعمها، إما بالتجويع وإما بالعمليات الأمنية.
– تعمل “إسرائيل” على خلق إدارة سياسية فلسطينية جديدة للقطاع ترضى عنها، وتحاول من خلالها نهب الغاز الطبيعي في البحر المتوسط.
– لن يبقى قطاع غزة كتلة سكانية جغرافية متماسكة كما هو الآن، بل ستخترقه مستوطنات إسرائيلية تتداخل مع فقاعات سكانية فلسطينية، تتحكم بها شركة مردخاي موتي كاهانا عن طريق مرتزقة كونستيليس.
وتبقى الظروف الدولية والإقليمية، وقبل ذلك وبعده صمود فصائل المقاومة الفلسطينية، الفيصل في مدى نجاح خطة “إسرائيل” ورجلها مردخاي موتي كاهانا.
نون بوست