كابوس يفزع الدولة العبرية.. لماذا تتزايد أعداد هجرة اليهود خارج إسرائيل؟

مع اندلاع الحرب في غزة، تسود مخاوف جديّة في الأوساط الإسرائيلية، من تزايد أعداد اليهود الفارّين من الدولة العبرية. وهو ما قد يمثّل ضربة مزدوجة لإسرائيل، إذ يضعف بنيتها الديموغرافية ويجهض سردية كونها الملاذ الآمن لليهود.

خلال الأيام التي تبعت هجوم “طوفان الأقصى”، جالت صور المطارات الإسرائيلية وهي مكتظة بأعداد الفارين من الحرب، معظمة وسائل الإعلام الدولية ومنصات التواصل الاجتماعي. وكشفت رويترز وقتها، عن أن قبرص الرومية أصبحت الوجهة المفضلة لهؤلاء الفارّين، إذ استقبلت نحو 2500 منهم فقط في يوم 12 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وتثير الهجرة العكسية لليهود خارج إسرائيل، مع استمرار الحرب في غزة، مخاوف جديّة داخل الأوساط الحاكمة في البلاد. بينما ليست هذه الظاهرة حكراً على الأيام الستين الأخيرة، بل مع كل اندلاع أزمة سياسية أو أمنية، يستمر النزيف السكاني في الدولة العبرية. وهو ما يجهض سردية كونها أكثر بلد آمن لليهود، ويؤثر سلباً في بنيتها الديموغرافية.

يهاجرون بالآلاف
ووفق ما ذكرت صحيفة “زمان إسرائيل”، يوم الخميس، نقلاً عن مصدر حكومي إسرائيلي، فإن نحو 370 ألف إسرائيلي غادروا البلاد منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول، ولم يتضح ما إذا كانوا سيعودون أم لا.

وأضاف المسؤول بأن أزيد من 230 ألف إسرائيلي غادروا البلاد فقط في الفترة بين 7 ونهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول، ونحو 140 ألفاً آخرين غادروا في شهر نوفمبر/تشرين الثاني. ويُضاف هذا العدد إلى 470 ألف إسرائيلي كانوا خارج البلاد في أثناء اندلاع الحرب، ولم يعودوا إلى الآن.

ويشدد المصدر على أن “هناك حالياً هجرة سلبية لنحو نصف مليون شخص، وهذا العدد لا يشمل آلاف العمال الأجانب واللاجئين والدبلوماسيين الذين غادروا البلاد”، في حين أن “الحرب لم توقف الهجرة إلى إسرائيل، لكنها خفضتها بشكل كبير”.

وحسب ما صرّح به الكاتب والصحافي الفلسطيني وديع عواودة، لـTRT عربي، فإنه بعد هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول “تبيّن أن إسرائيل هي المكان الأخطر لليهود حول العالم”، ولذلك “هناك مخاوف لارتفاع منسوب الهجرة السلبية”.

ولا يزال من غير المعروف إذا ما كان هؤلاء الفارون من إسرائيل سيعودون إليها أم لا، غير أن فكرة الهجرة تنتشر بشكل واسع في المجتمع الإسرائيلي. وفي مقال للصحافي موشي جلعاد، على صحيفة هآرتس العبرية، نقل على لسان أحد المهاجرين قوله: “عندما قررت الرحيل، ألهمني صديق رحل، ثم اكتشفت أن لدي أربعة أو خمسة أصدقاء آخرين قد رحلوا”.

وأضاف الصحافي بأن القلق يلاحق هؤلاء المهاجرين حتى بعد مغادرتهم، وهو ما استقاه من منشور لإحداهن، اشتكت فيه: “نحن نتعرض لضغوط خطيرة للغاية. كيف يمكننا، على سبيل المثال، أن نترك شقتنا ونخرج لتناول الطعام من دون أن نخاف من حدوث شيء ما؟ نحن مذعورون ونحاول معرفة ما إذا كنا قد ارتكبنا خطأً”.

ظاهرة مستمرة منذ سنوات
ليست ظاهرة الهجرة السلبية أو العكسية لليهود خارج إسرائيل حكراً على الحرب الجارية. بل هي ملازمة للدولة العبرية، كلما استجدت داخلها أزمة سياسية أو أمنية. وهو ما يؤكده تقرير لصحيفة هآرتس، نشر عام 2012، إذ يكشف عن أن نحو 40% من الإسرائيليين يفكرون في مغادرة البلاد.

ويرى العديدون بأن هذه النسبة معدة للاتساع، منذ تولي الحكومة اليمينية المتطرفة الحكم في إسرائيل. وكرّست الأزمة السياسية التي شهدتها إسرائيل، حول مشروع صلاح المحكمة العليا، هذا الشعور.

وحسب الكاتب والصحافي ستيفانو لوروسو، فإن “الإسرائيليين العلمانيين كانوا يخشون من حدوث من ركود اقتصادي كبير، يشعله ما يعتبرونه “يوم القيامة” السياسي بقيادة المشرّعين المتشددين”، كما أصبح المستثمرون والشركات الأجنبية يتوخون الحذر بشأن الاستثمار في البلاد، إذ ضعفت العملة الوطنية بالفعل”.

ويشدّد لوروسو على أن هذه المخاوف جعلت قطاعاً واسعاً من الإسرائيليين يفكرون في الهجرة، وهو ما تكشفه مساعيهم في الحصول على جنسيات مزدوجة، أوروبية وأمريكية، إذ “يستثمر الإسرائيليون مبالغ كبيرة للحصول عليها”، في وقت أصبحت فيه “الهجرة من إسرائيل إلى أوروبا والولايات المتحدة تتخذ منعطفاً سياسياً متجذّراً”.

وفي عام 2022، قالت دائرة الهجرة البرتغالية إن الإسرائيليين حلوا في المرتبة الأولى كأكثر من قدموا طلب الحصول على الجنسية البرتغالية. وزادت طلبات الإسرائيليين على الجنسية الألمانية بنحو 10%. كما أقر مكتب الاتحاد الأوروبي في تل أبيب بحدوث زيادة في أعداد الراغبين الجدد في الحصول على جنسيات دوله.

وبحسب دراسة أجراها المؤرخان الفرنسيان دومينيك فيدال وتوما فيسكوفي، هناك بين 700 ألف ومليون مواطن إسرائيلي يعيشون خارج إسرائيل، نحو 100 ألف منهم يعيشون في ألمانيا. كما أن عدد الإسرائيليين الذي يمتلكون جواز سفر فرنسياً ارتفع بـ45%.

في تصريحاته لـTRT عربي، يجادل الأستاذ الباحث والمختص في تاريخ اليهود، أمين الكوهن، بأن إسرائيل تعيش “هشاشة ديموغرافية” منذ تأسيسها إلى اليوم، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى وقوع هجرات جماعية منها.

ويوضح الكوهن أن المجتمع الإسرائيلي ليس أمة موحدة، بل “خليط من العناصر البشرية التي توافدت على فلسطين في فترات تاريخية متعددة، والتي تميزت بمعطيين: أن لا رابط بين مكوناتها سوى الديانة اليهودية، وحتى في هذا كان التدين اليهودي مختلفاً حسب مناطق النزوح. والمعطى الثاني، هو هيمنة الأشكناز (يهود أوروبا) على الفضاء السياسي والاقتصادي والفكري، بالمقابل جرى اعتبار غيرهم من اليهود مواطنين من درجة أدنى”.

ويضيف الأستاذ بجامعة بن مسيك بالدار البيضاء، بأن أول المؤشرات على ظاهرة هجرة الإسرائيليين “ظهرت عبر بعض المبادرات الاحتجاجية التي قادها اليهود السفرديم، والتي طالبت بالعودة إلى وطنها الأم. منها ما حدث سنة 1959، بقيادة يهودي مغربي يدعى بن هاروش، إذ كان يرفع صورة محمد الخامس، ملك المغرب، ويقود مظاهراته المطالبة بالعودة إلى وطنه الأم”.

ويخلص الكوهن إلى أن “إسرائيل تعيش اليوم مع جيل يشكك في موثوقيتها، فبعد 75 سنة ما زالت الدولة تفتقد الأمن وكل تاريخها حروب، وهو ما يعبر عنه حضور المؤسسات الأمنية بمختلف تشكيلاتها، وهيمنتها على كل الفضاءات، وهذا أمر مزعج ويدفع الفئات الشابة إلى البحث عن آفاق وفضاءات جديدة خارجها”.

ويختم الأستاذ المغربي حديثه لـTRT عربي، بالقول إنه: مع هذا “ليست (هذه الهجرة العكسية) بالزخم الذي يتصوره البعض”، لكن “على المدى البعيد، وإذا ما استمرت الأوضاع السياسية في التوتر، فقد يحدث التمرّد على كل البراديغمات المؤسسة للدولة، وقد تنفتح على آفاق أخرى قد تكون الهجرة العكسية أحد مظاهرها”.

TRT عربي

اساسياسرائيلغزة