المعاضل التي يقف أمامها “كابينت الحرب” مركبة، كل منها حرجة في تأثيرها على تحقيق أهداف الحرب و/أو على نشوب حرب متعددة الجبهات إقليمية واسعة. سأركز في هذا المقال على المعاضل المتعلقة باجتياح قطاع غزة فقط.
هل يعتبر هدف الحرب المطلق (إبادة كل القدرات العسكرية والسلطوية لحماس) قابلاً للتحقق ومتطابقاً مع الاضطرابات القائمة؟
إن هدفاً كهذا لا يمكنه تحقيقه بهجمات جوية وإحباطات مركزة، بل يستوجب دخولاً برياً إلى القطاع، بكل أجزائه، على مدى زمن طويل، لغرض تطهير وتنظيف كل ثقب وحفرة ونفق وتصفية كبار المسؤولين. وجند لهذا الغرض منظومة احتياط من مئات آلاف المقاتلين، لكن لا يمكن الإبقاء عليها لأكثر من بضعة أسابيع أو أشهر معدودة.
يجب أن نتذكر أنه حتى إذا ما نفذت خطوة برية عميقة وواسعة مع إنجاز عملياتي مبهر للغاية، لا ضمانة بألا تعيد حماس و/أو “الجهاد الإسلامي” نفسيهما؛ لأنهما ستبنيان قدرات جديدة وتعودان جسماً مسيطراً قادراً على تحدي إسرائيل في المستقبل. ينبغي الافتراض أن ستكون هناك صفقة تبادل أسرى في نهاية الخطوة. وفي هذه الصفقة سيتحرر آلاف السجناء الموجودين في سجوننا، وسيصبحون مع الزمن جزءاً من القيادة الجديدة للإرهاب في القطاع. فقد جلسنا سنوات طويلة داخل القطاع، ولا نزال جالسين أيضاً في “يهودا والسامرة”، ورغم ذلك لم نهزم الإرهاب الفلسطيني حتى اختفائه.
وثمة معضلة أخرى، وهي: هل تعرف خطة عملياتية للجيش الإسرائيلي بمساعدة “الشاباك” كيف تستوفي هدفاً حربياً مطلقاً بهذا القدر؟ إذا كان نعم، فيجب التأكد من دخول الخطوة حين يكون الحد الأقصى من الشروط الضرورية قائماً: معلومات دقيقة، أهداف، قدرات عملياتية، أهلية القوات، فهم السيناريوهات والتحديات التي ستظهر في أثناء التنفيذ، وغيرها. لكن إذا وجدت فجوة ما بين الهدف وقدرة تحقيقه، فيجب أن يتغير واحد منهما! تكييف الهدف مع قدرة التنفيذ أو الانتظار لسد الثغرات في القدرة. مسألة الغاية الاستراتيجية، ووضع نهاية القتال ونقل السيطرة في القطاع، هي مسائل ثقيلة الوزن تستوجب تعريفات واضحة الآن.
إن الاضطرارات المضادة لخطوة برية سريعة تعتبر ذات وزن أيضاً. فالضغط الجماهيري والدولي لحل مسألة المخطوفين والأسرى ثقيل جداً. ومستوى التعلق بالولايات المتحدة أصبح في فترة الأسبوعين والنصف الأخيرة اضطراراً مركزياً. تقف إلى جانب وقفة غير مسبوقة من الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل، بما في ذلك نشر قوات، رزمة مساعدة أمنية هائلة ومشاركة كبار رجالات الإدارة والجيش الأمريكي، ولا يمكن للكابينت إلا أن يراعي المصالح الأمريكية و”الطلبات” المرتبطة بسياق الحرب. هذه “الطلبات” تتضمن عدة عناصر مركزية: المخطوفون أولاً، ومساعدة إنسانية، والحرص على القانون الدولي، وعدم الانجرار لفتح جبهة مع “حزب الله” قد تشعل مواجهة متعددة الجبهات وإقليمية.
كما أن مجال المناورة الدولية سيلعب دوماً جوهرياً في المعركة. في الغالب، في وضع بداية مثلما في 7 أكتوبر، كل عمل سريع كان سيحصل على “نافذة زمنية” مهمة من الساحة الدولية، لكن جزءاً من هذه النافذة تآكل الآن عقب الانتظار الطويل والضرر داخل القطاع. نظراً للخطوة البرية التي تترافق ومساعدة جوية مكثفة، وعلى فرض أنه الخطوة في شمال القطاع لن تنتهي بل ستتواصل جنوباً، فإن الاضطرار الدولي سيصبح ثقيلاً جداً، وفي النهاية مقيداً جداً.
في سيناريو يتضمن حسماً بإعادة المخطوفين أولاً، فإن “صفقة” كهذه ستتضمن تحرير كل السجناء الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية وضمانات دولية لعدم مهاجمة الجيش الإسرائيلي للقطاع إذا لم يحدث استفزاز من الجانب الغزي. المعنى: إلغاء الخطوة الهجومية! إذا كان هذا ما سيكون، يحتمل أن يهدأ الحدث الأمني الحالي، لكن إسرائيل ستخرج مهزومة ومقيدة، ولن يتحقق هدف الحرب في المدى الزمني القريب.
إن آثار مثل هذا الواقع على مكانة إسرائيل الدولة وعلى ردعها هي آثار خطيرة، وخطيرة على مكانتها بين دول “حلف إبراهيم”، التي رأوا فيها “قوة أمنية عظمى”. وثمة أثر خطير للغاية سيتعرض له الجيش الإسرائيلي، النظامي والاحتياط. فأي نهاية بإحساس هزيمة وعدم استنفاد خطوة هجومية، ستخلق عدم ثقة بالمنظومة وتخفض الدافعية بشكل متطرف. وسيكون الأثر الأخطر على سكان الغلاف وسكان حدود لبنان الذين سيفقدون الثقة لرد أمني من إسرائيل.
اللواء احتياط عاموس ملكا – اسرائيل اليوم