المفاجأة القادمة ستأتي.. السؤال هو كيف تستعد “إسرائيل” لها

إن الكتاب الأكثر إثارة للاهتمام، بالنسبة لي، من بين الكتب الكثيرة التي صدرت مؤخرًا في ذكرى مرور خمسين عامًا على حرب يوم الغفران، ليس جديدًا وحتى لم يُكتب حول تلك الحرب. إنه كتاب “بيرل هاربور، تحذير وقرار”، ألفته الباحثة الأمريكية روبرتا فولستيتر، حول الهجمة المفاجئة اليابانية في هاواي في ديسمبر 1941، والتي صدمت الولايات المتحدة الأمريكية ودفعتها في نهاية الأمر للانضمام للحرب العالمية الثانية، في الحملة ضد دول المحور.

كتاب فولستيتر، الذي صدر لأول مرة في عام 1962 – قبل أزمة الصواريخ في كوبا – تمت ترجمته مؤخرًا إلى العبرية. الترجمة هي بطريقة أو بأخرى ذات صلة بالخلافات المتجددة حول إحياء ذكرى حرب عام 1973. في الوقت نفسه، يبدو أنها يمكن استخدامها أيضًا في مناقشة التحليلات والتوقعات لعام 2023، والتي تحذر فيها شعبة الاستخبارات في الجيش من تزايد احتمال اندلاع حرب من عدة ساحات. هذا وقام رئيس شعبة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في هيئة الأركان العامة، اللواء عيران نيف، الذي بادر بنشر النسخة العبرية، بتأليف مقدمة له وحرص على توزيعها على كبار الضباط.

إن نظرية الذكاء التي طورتها فولستيتر في هذا الكتاب لا تزال تعتبر كلاسيكية وكثيرًا ما يتم الاستشهاد بها حتى يومنا هذا، عنوانها “إشارات وأصوات” وتهدف إلى شرح ظاهرة المفاجأة الإستراتيجية. إن بيرل هاربر هو في الواقع دراسة حالة مثيرة للاهتمام. قبل ثلاثة أيام من الهجوم الياباني، كتب نيف في المقدمة، “أعلن مسؤول البحرية الأمريكية فرانك نوكس أنه في كل مكان سيهاجمه اليابانيون نحن مستعدون، الأسطول الأمريكي لن يغفو”. لم يكن نوكس يعلم أنه في نفس الوقت الذي أعلن هو بثقة أنهم لن يتفاجؤوا، أبحر أسطول ياباني ضخم، الأكبر على الإطلاق (حتى ذلك الوقت) متجهًا نحو هاواي.

فاجأ الأسطول الإمبراطوري، الذي ضم ست حاملات طائرات، 441 طائرة، 28 غواصة والعديد من السفن الأخرى، الأمريكيين بصورة مذهلة. إلى جانب تدمير 20 سفينة و188 طائرة، فقدت الولايات المتحدة 2459 جنديًا في ذلك اليوم.

فولستيتر، التي بحثت الفشل الذريع لمنظومة الإنذار الأمريكية، اعتبرت الإشارة الاستخباراتية بأنها “تمثل تلميحاً، إشارة أو دليلاً يتحدث عن خطر استثنائي، عن خطوة أو نية لعدو محدد”. وحسب قولها، فإن المعلومات المطلوبة من أجل الوصول إلى هذا الاستنتاج موجودة تقريبًا دائمًا في متناول يد رجال الاستخبارات والقباطنة، ولكن في الوقت الذي يمكن به فهمها، “يتم ابتلاعهم داخل ضجيج كبير من التحولات ومشتتات الانتباه، ولذلك لا يتم استخدامها”.

في حالة بيرل هاربر، كان هناك إشارات كثيرة تدل على هجوم وشيك، لكنها ذهبت هباء ولم يتم استغلالها. وفقا لفولستيتر، التفسير لذلك هو ليس سوء الحظ، الإهمال، أو أصحاب المناصب غير المناسبين، “إنها تشير إلى ظاهرة إنسانية ومعقدة تعمي المنظومة” كتب نيف. “بيرل هاربور لم تكن الضحية الأولى ولا الأخيرة.”

الكتاب نفسه يعرض الأمور بالتفصيل: الإدارة الأميركية كانت غارقة في المعلومات، لكنها لم تنجح في قراءة الخطوة التالية للعدو في وقت الأزمة. لم تكن الولايات المتحدة مستعدة للتعامل مع طريقة العمل اليابانية التي كان يُنظر إليه على أنها غير معقولة، بينما هي فعليًا كانت أقل معقولية. لم يكن الأمر مجرد اهمال للمسؤولية، بل مسؤولية محددة بصورة غامضة، وليس فقط حارسًا نائمًا وقت مناوبته، بل هو شخص يعرف أنه “سوف يتم توبيخه إذا تجرأ على إخراج شخص ذي سلطة أعلى من سريره”.

في بيرل هاربور، رصد جنديان أمريكيان تم تدريبهما على استخدام الرادار حركة غير عادية نحو جزر هاواي قبل وقت قصير من بدء الهجوم، لكن عندما أبلغا قادتهما بذلك، قيل لهما بأن يتجاهلا ذلك (حتى لو كانا قد سمعا كلام الجنود في ذلك الوقت، هناك شك كبير إن كان لدى الأميركيين الوقت الكافي لوقف الهجوم).

عمّ تبحث الاستخبارات؟
إن النقاش العام حول حرب يوم الغفران ينتشر عبر خلافات متعددة، تتعلق، من بين أمور أخرى، بعمل الجيش الإسرائيلي بعد المفاجأة الأولى، سلوك المستوى السياسي طوال الحرب، والعلاقة بين قرار رئيسة الحكومة غولدا مئير برفض جهود السلام الأمريكية في ظل المطالب المصرية، وبين قرار الرئيس المصري أنور السادات بشن هجوم.

وفي قلب الانشغال بالحرب وإخفاقاتها، تكمن مسألة المفاجأة الاستخباراتية والتعامل الخاطئ من قبل جهاز الاستخبارات مع التحذير القصير لكن المبكر الذي نقله الجاسوس أشرف مروان عشية يوم الغفران. حتى أن الموساد نشر في العام الماضي، بصورة رسمية، نسخة تاريخية من طرفه تتعلق بتطورات الأحداث. ومن المتوقع أن يتم نشر المزيد من الكتب قريباً، منهم من يختلف مع هذه الرواية ويوجه أصابع الاتهام تحديداً إلى تعامل الموساد مع العميل المصري وتحذيراته.

لكن كما كتب نيف، إن النقاش حول الإشارات والضوضاء لا يقتصر على حرب يوم الغفران أو الحرب العالمية الثانية. في عام 2018، بعد مماطلة مستمرة ومبالغة تم فرضها بواسطة الرقابة العسكرية، سُمح بنشر نسخة مفصلة من مصادر إسرائيلية في قضية الهجوم على المفاعل السوري في عام 2007. في وقت لاحق، اتضح أنه حول ما تم تقديمه على أنه اكتشاف مدهش من قبل قسم الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي والموساد، كان هناك أيضًا ادعاءات بأن إسرائيل أدركت في وقت متأخر الخطة السورية وكوريا الشمالية لبناء المفاعل. قيل لو أن رئيس الحكومة إيهود أولمرت لم يتصرف بشكل حاسم حينها، لكانت إسرائيل ستواجه كارثة استراتيجية. الحديث هنا كان عن إشارات ضعيفة إلى حد ما حول سعي سوري لامتلاك سلاح نووي عسكري، لكن يبدو أنه لسنوات عديدة لم يبذل مجتمع الاستخبارات الكثير من الجهد من أجل محاولة البحث في هذا الاتجاه.

عاموس هرئيل – هآرتس
ترجمة فاتن أيوب – أطلس للدراسات

اساسياسرائيل