في مشاهد تذكّر بالأسابيع التي سبقت الحرب في أوكرانيا يخوض الجيش الصيني مناورات عسكرية مكثفة في خليج تايوان تشارك فيها قطاعاته البحرية والجوية، واستخدمت فيها الذخيرة الحيَّة وتجارب لصواريخ باليستية.
ويأتي هذا رداً على شعور بكين بالاستفزاز جراء زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي لتايوان، التي وصفها وزير الخارجية الصيني وانغ يي بأنها “مهزلة صريحة” وأن “الولايات المتحدة تنتهك سيادة الصين تحت ستار ما يسمى بالديمقراطية”. وأردف مهدداً: “أولئك الذين يلعبون بالنار لن تكون نهايتهم جيدة، ومن يسئ إلى الصين فيجب أن يعاقب”.
وفي خضم هذا التوتر يستبعد مراقبون تحوَّله إلى حرب مفتوحة، ومع ذلك تبقى حال وقوعها آثار اقتصادية قد تكون أقسى مما نتج عن الهجوم الروسي على أوكرانيا. كما يبقى أحد أبرز القطاعات المتضررة من ذلك قطاع صناعة السيارات الذي يعتمد بشكل كبير على أشباه الموصلات التي تستحوذ الصين وتايوان على 71% من سلاسل إنتاجها.
خليج أشباه الموصلات
حسب إحصائيات الربع الأخير من 2021 حازت تايوان وحدها 65% من سوق “أشباه الموصلات”، واحتلت المركز الأول بصفة أكبر منتج للرقائق الإلكترونية. بينما تراجعت الصين التي يعاني اقتصادها توقفات كثيرة جراء توالي اكتشاف بؤر جديدة لكورونا، فأتت رابعةً، إذ حازت على 6% من هذه السوق.
وينتج البلدان مجتمعان ما يقدر بـ71% من مجموع الإنتاج العالمي لهذه الرقائق، ما يفوق بكثير إنتاج الولايات المتحدة وأوروبا الذي لا يتعدى 10%.
وعام 2020 بعز الأزمة الصحية وما تبعها من اضطراب سلاسل التوريد عادت صادرات هذه المنتجات الإلكترونية الأساسية على تايوان بنحو 120 مليار دولار. متفوقة بقدر ضئيل على نظيرتها الصين، التي بلغت صادراتها 117 مليار دولار. وإذا ما حُسبت صادرات الصين وتايوان وهونغ كونع نخلص إلى حجم معاملات يعادل 400 مليار دولار تلك السنة، حسب موقع “كومتريد” التابع للأمم المتحدة.
وتطمح الصين إلى أن تنتج خمس الاحتياج العالمي من الرقائق الإلكترونية بحلول 2026. بينما تسعى لتضييق الخناق على تايوان بهذا المجال، إذ أعلنت بكين وقف صادراتها من عنصر السيليس الضروري في صناعة أشباه الموصلات إلى الجزيرة تزامناً مع التوتر الحاصل.
كيف ستتأثر صناعة السيارات حال اندلاع حرب بتايوان؟
ترتهن صناعة السيارات الحديثة بشكل كبير بصناعة الرقائق الإلكترونية، إذ استهلك القطاع ما يزيد على 30 مليار دولار من تلك الرقائق سنة 2021. بالمقابل وكما سبق أن أوضحنا يأتي نصفها من مثلث الصين تايوان وهونغ كونغ، بينما تتوزع نسب مهمة من النصف الآخر بين فيتنام وكوريا الجنوبية وسنغافورة وماليزيا، التي يمكن لسلاسل توريدها أن تتأثر إذا ما نشب نزاع مسلح في المنطقة.
وحسب مؤسسة “ماكنزي” للتخطيط والاستراتيجيات فإنه “على الرغم من أن نقص الرقائق يؤثر على عدد من الصناعات، فإن قطاع السيارات لديه خصائص فريدة تؤدي إلى تفاقم المشكلة”، إذ يهتم المصنعون بالتكلفة باتباعهم “استراتيجية تصنيع في الوقت المناسب”، أي أنهم لا يشترون هذه المكونات إلا حين إقرارهم خطة التصنيع وبالتالي لا يعملون على امتلاك احتياطي استراتيجي منها.
هذه الاستراتيجية، حسب المؤسسة، تجعلهم أكثر عرضة للتضرر من تقلبات السوق واضطراب سلاسل التوريد. وكلَّف اضطراب سلاسل توريد أشباه الموصلات خلال عام 2021 قطاع صناعة السيارات العالمي خسائر بلغت 210 مليار دولار وما يعدل 7.7 مليون سيارة.
فيما تعد ألمانيا أحد أبرز المنتجين العالميين للسيارات وموطناً لأهم مصنعي السيارات كـ”مرسيدس بينز” و”فولكس فاكن” و”بي إم دابليو”. بلغة الأرقام، تنتج ألمانيا ما يقدر بـ4.74 مليون سيارة عالمياً، وصدَّرت منها سنة 2021 نحو 2.37 مليون.
وتشير بيانات المعهد الاقتصادي الألماني إلى أن صناعة السيارات تحتل مكانة مركزية في اقتصاد البلاد، تمثل 9.8% من إجمالي القيمة المضافة. وتوظف بشكل مباشر نحو 800 ألف شخص، ويرتفع هذا الرقم إلى إجمالي 936 ألفاً إذا ما شمل الشركات الموردة لقطع التصنيع.
دفع اضطراب سلاسل توريد الرقائق الإلكترونية عام 2021 شركة “أوبل” و”فولكس فاغن” و”بي إم دابليو” إلى إغلاق مواقع تصنيع لها بألمانيا، ما يرجح أن أي عرقلة ثانية لإنتاج الرقائق حال اندلعت حرب بتايوان قد يكون مؤلماً لهذه الصناعة وللاقتصاد الألماني عموماً.
TRT عربي