نشر موقع «جيوبوليتيكال فيوتشرز» تحليلًا لإيكاترينا زولوتوفا، المحللة في الموقع، والباحثة سابقًا في موضوع دمج روسيا في الاقتصاد العالمي، وتناولت الكاتبة مستقبل الطاقة في منطقة بحر قزوين، وما يمثله من تحديات لهيمنة روسيا على الطاقة.
وتستهل الكاتبة تحليلها بالقول: منذ بدء الحملة العسكرية
الروسية في أوكرانيا في فبراير (شباط) الماضي، تبحث الدول الأوروبية عن مصادر طاقة بديلة، لتقليل اعتمادها على الإمدادات الروسية، ولم تنجح هذه الجهود حتى الآن؛ لأنّه على المدى القصير يستحيل زيادة الإنتاج إلى المستوى المطلوب لتعويض صادرات الطاقة الروسية، وإنشاء البنية التحتية لإيصال الإمدادات إلى الأسواق الأوروبية.
غير أن تنويع الطاقة يبقى احتمالًا حقيقيًّا على المدى البعيد، وتركز الدول الأوروبية إستراتيجياتها تحديدًا على دول منطقة بحر قزوين الغنية بالموارد، مثل كازاخستان، وتركمانستان، وأذربيجان، وتُعد هذه الدول تحت النفوذ الروسي، لكن قريبًا قد تنظر إليها موسكو بوصفه تحديًا كبيرًا لهيمنتها على سوق الطاقة الأوروبية.
ثروات الطاقة في منطقة بحر قزوين
تتساءل الكاتبة: لماذا تُعد منطقة بحر قزوين خيارًا واعدًا لاستبدال الطاقة الروسية؟
وتُجيب بعدها: لأن المنطقة من أكبر وأقدم المناطق إنتاجًا للنفط والغاز في العالم، وكما هو الحال مع روسيا، استخدمت دول ما بعد الاتحاد السوفيتي في بحر قزوين مواردها من الطاقة، لبناء اقتصاداتها، مما زاد اعتمادها على صادرات النفط والغاز خلال هذه العملية، ومع ضعف اقتصادات ما بعد الجائحة، ووسط الاضطرابات المتزايدة الناجمة إلى حدٍّ كبيرٍ عن الغزو الروسي لأوكرانيا، يعد الحفاظ على الإمدادات أمرًا بالغ الأهمية في هذه المنطقة.
وتعدُّ كازاخستان بعد روسيا وتركمانستان، من أكبر منتجي النفط في آسيا الوسطى، ومورِّدًا رئيسيًّا للغاز الطبيعي، وتمتلك حوالي 30 مليار برميل من احتياطات النفط، وتحتل المرتبة الثالثة بالنسبة لاحتياطات الغاز بين دول رابطة الدول المستقلة، ويوجد أكثر من 250 حقلًا للنفط والغاز في كازاخستان، تديرها 104 شركات، من بينها شركات دولية كبيرة مثل شيفرون، وإيني، وتوتال، وإكسون موبيل، ورويال دتش شل، وبريتش جاز.
وفي عام 2021، شكَّلت صناعة النفط والغاز حوالي 17% من الناتج المحلي الإجمالي لكازاخستان، بينما شكَّل النفط حوالي ثلث ميزانيتها، واجتذب قطاع التنقيب عن الطاقة واستخراجها 28% من إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، وشكَّلت صادرات النفط الخام والغاز الطبيعي والمنتجات البترولية 57% من إجمالي صادرات كازاخستان.
أما في تركمانستان، يمثِّل الغاز الطبيعي 85% من إيرادات ميزانيتها، وتمتلك البلاد رابع أكبر احتياطي للغاز الطبيعي في العالم، بما في ذلك حقل جالكينيش، ثاني أكبر حقل غاز في العالم؛ وفي الوقت الحالي، تنتج أذربيجان 590 ألف برميل من النفط (مع مكثفات الغاز) يوميًّا، بإجمالي احتياطي يبلغ 7 مليارات برميل من النفط و1.9 تريليونات متر مكعب من الغاز؛ على الرغم من رغبة البلاد في تطوير قطاعات غير الطاقة، لا تزال صادرات النفط الأذربيجانية تشكل حوالي 86% من إجمالي صادراتها.
الروابط الأوروبية ومساعي تجاوز موسكو
تلفت الكاتبة إلى أنه بالنسبة لأوروبا، تُعد منطقة بحر قزوين جذابةً بشكلٍ خاصٍّ بسبب قربها من البنية التحتية للطاقة، بما في ذلك شبكات خطوط الأنابيب، ونمت جاذبيتها منذ الغزو الروسي لأوكرانيا لأسبابٍ واضحةٍ، ولكن أيضًا لأن العواصم الأوروبية لم تعد حذرةً من استعداء روسيا (أكبر مورد للنفط والغاز إلى أوروبا) من خلال التعدي على مجال نفوذها التقليدي.
ومع مواصلة الغرب عزل موسكو، وتزايد المشاعر المعادية تجاهها، أصبحت الدول الأوروبية أكثر استعدادًا للانخراط في المنطقة بغض النظر عمَّا إذا كانت جهودها يمكن أن تتداخل مع المصالح الروسية، أو تثير رد فعل من الكرملين.
وتُعد الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي من المشترين الرئيسين للطاقة من آسيا الوسطى والقوقاز، والاتحاد الأوروبي ككل هو أكبر مشترٍ للنفط من كازاخستان، وفي اتصال أُجري مؤخرًا مع رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، قال رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف إن بلاده مستعدة لاستخدام إمكاناتها الهيدروكربونية للمساعدة في استقرار أسواق الطاقة العالمية والأوروبية.
لكن المشكلة تكمن في أن جميع صادرات كازاخستان تقريبًا إلى أوروبا تمر عبر روسيا، عبر شبكة خطوط أنابيب بحر قزوين، مما يمنح موسكو تأثيرًا كبيرًا في هذه التجارة؛ وبالتالي، يجب تطوير طرقٍ جديدةٍ لزيادة إمدادات النفط الكازاخستانية إلى القارة، وتجاوز الأراضي الروسية.
وأحد الخيارات المهمة هو «طريق النقل الدولي عبر قزوين»، والمعروف أيضًا باسم «الممر الأوسط»، الذي يربط كازاخستان وتركمانستان وأذربيجان وجورجيا وتركيا وأوروبا، متجنبًا الطرق الروسية التقليدية، وقد عُقدت أول محادثات رئيسة في بروكسل حول تطوير الممر الأوسط في 15 يونيو (حزيران) الماضي.
وتمضي الكاتبة إلى أن أذربيجان تمتلك أيضًا روابط طاقة رئيسة حالية مع أوروبا؛ إذ اشترت إيطاليا 43.3% من صادرات النفط للبلاد في الفترة بين يناير (كانون الثاني) إلى فبراير (شباط) 2022. ومع ذلك، يُنظر إلى أذربيجان على أنها دولة عبور أكثر من كونها موردًا بسبب مواردها المحدودة مقارنةً بدول آسيا الوسطى.
تجادل أذربيجان بأنَّه يمكنها تأدية دورٍ حاسمٍ في زيادة صادرات الغاز إلى أوروبا، لاسيما من خلال «ممر الغاز الجنوبي»، الذي يشمل خط أنابيب «باكو-تبيليسي-أرضروم»، وخط أنابيب «الغاز الطبيعي عبر الأناضول – TANAP» في تركيا، و«خط الأنابيب عبر البحر الأدرياتيكي – TAP».
غير أن زيادة الصادرات عبر هذا الممر سيتطلب استثمارات كبيرة لزيادة قدرة خطوط الأنابيب؛ إذ صُمم خط أنابيب الغاز الطبيعي عبر الأناضول، على سبيل المثال، بسعة 16 مليار متر مكعب سنويًّا، بينما تبلغ قدرة خط الأنابيب البحر الأدرياتيكي 10 مليار متر مكعب سنويًّا؛ وبالمقارنة، يبلغ إجمالي إمدادات الغاز الروسي إلى دول الاتحاد الأوروبي 175 مليار متر مكعب إلى 200 مليار متر مكعب سنويًّا.
وبالنسبة لتركمانستان، لم تصبح أوروبا سوقًا رئيسة لها بعد، إذ يذهب 80% من صادرات الغاز إلى الصين؛ ومع ذلك، لا تزال هناك خطط لزيادة هذه الإمدادات من خلال خط أنابيب الغاز عبر بحر قزوين المقترح، والذي يمكن توصيله بأنظمة خط أنابيب الأناضول، وخط أنابيب البحر الأدرياتيكي.
ويمكن لاتفاقية عام 2018 بشأن الوضع القانوني لبحر قزوين أن تساعد في تحقيق ذلك؛ فوفقًا للاتفاقية التي وقعتها أذربيجان، وإيران، وكازاخستان، وروسيا، وتركمانستان، فإن مدَّ خط أنابيب على طول قاع بحر قزوين لا يتطلب سوى موافقة الدولة التي سيمر الخط في مياهها الإقليمية، ويبلغ طول المشروع، الذي سيكلف خمسة مليارات دولار تقريبًا، حوالي 300 كيلومتر (186 ميلًا) وسعته 30 مليار متر مكعب في السنة.
عوامل التأثير الروسية
تشير الكاتبة إلى أنه بالنسبة لروسيا، يُعد بحر قزوين منطقة حساسة لأسباب أمنية واقتصادية، ومن منظورٍ أمني، فهو يفصل الحدود الجنوبية لروسيا عن إيران، ويمنح موسكو وجودًا في منطقة القوقاز المضطربة في كثير من الأحيان، ويستخدم بوصفه موقعًا لشن ضربات على سوريا.
ومن منظورٍ اقتصادي، يُعدُّ البحر حلقة وصل إلى دول المنطقة ويحتوي على احتياطيات كبيرة من الموارد الطبيعية، وفي أواخر الشهر الماضي، زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عشق أباد في تركمانستان، لحضور قمة بحر قزوين، في أول رحلة له خارج روسيا منذ بدء الحرب في أوكرانيا، وناقش مع رؤساء أذربيجان، وإيران، وكازاخستان، وتركمانستان، إمكانيات التعاون في مختلف المجالات.
وستراقب روسيا المنطقة عن كثبٍ للتأكد من أن ميزان القوى لا ينحرف كثيرًا تجاه الغرب، وفي الوقت الحالي، موسكو ليست قلقة للغاية بشأن قدرة الغرب على تقليص نفوذها لعدة أسباب.
أولًا، لأنها تدرك أن الزيادات السريعة في صادرات الطاقة إلى أوروبا تكاد تكون مستحيلة، وسوف يتطلب ذلك زيادة قدرة خطوط الأنابيب الحالية أو بناء خطوط جديدة، وبالتحديد «خط أنابيب الغاز عبر قزوين»، الذي سيتطلب استثمارات بمليارات الدولارات وعددٍ من السنوات لإكماله.
ثانيًا: يمكن لاتفاقية طهران، (وهي إطار عمل للمساعدة في منع التلوث وتقليله والسيطرة عليه وقَّعتها جميع الدول الخمس المطلة على بحر قزوين) مساعدة موسكو على تعطيل مشروعات الطاقة والبنية التحتية لسنوات؛ فعلى سبيل المثال، تخطط كازاخستان لتجريف قاع بحر قزوين لتسهيل وصول السفن إلى منصات النفط مع انخفاض مستويات البحر، وقد يضر المشروع بالسلامة البيئية للبحر، وهو ما قد تستخدمه روسيا سببًا لتأخير تنفيذه.
بالإضافة إلى ذلك، لم تُرسَّم حدود بحر قزوين تمامًا بعد، فبموجب اتفاقية الوضع القانوني يجب أن يحدد قاع البحر وتربته التحتية بموافقة جميع الدول المجاورة والمتقابلة، وهذا يمكن أن يزيد من تعقيد أي مشروعات بنية تحتية في المنطقة.
وتختتم الكاتبة تحليلها بالقول إن روسيا لا تزال تعتمد كثيرًا على صادرات الطاقة من أجل رفاهها الاقتصادي، وكذلك يفعل حلفاؤها التقليديون في بحر قزوين؛ وعلى المدى الطويل، ستواجه روسيا مهامًا صعبة تتمثل في زيادة وجودها في هذه المنطقة ذات الأهمية الإستراتيجية، ورؤيتها تنمو بوصفها منافسًا يزداد قوةً في سوق الطاقة العالمي.
ساسة بوست