رجحت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين أمس الثلاثاء أن تستنفد وزارتها الإجراءات اللازمة لمواصلة تمويل الحكومة في 18 أكتوبر/تشرين الأول، وأن ينفد النقد ما لم يرفع الكونغرس سقف الاقتراض الفدرالي.
وقالت في رسالة إلى قادة الكونغرس إنه بعد هذا التاريخ “ستكون لدى وزارة الخزانة موارد محدودة ستُستنفد بسرعة، ومن غير المؤكد ما إذا كان بإمكاننا الاستمرار في الإيفاء بجميع التزامات البلاد بعد ذلك التاريخ”.
ويصرّ الجمهوريون في مجلس الشيوخ الأميركي على رفض تأييد أي زيادة لسقف الديون أو تعليق العمل بهذا السقف، على الرغم من أنهم ضغطوا في هذا الاتجاه في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب.
فقد عرقلوا أول أمس الاثنين محاولة الديمقراطيين للموافقة على تعليق السقف لمدة 14 شهرًا مع ميزانية موقتة، وفق ما أوردت وكالة الصحافة الفرنسية.
تقويض الدولار
وكررت يلين لدى مثولها أمام اللجنة المصرفية بمجلس الشيوخ التحذير من عواقب وخيمة إذا فشل المشرعون في التصرف بسرعة؛ بما فيها التخلف عن سداد الديون وتقويض الدولار الأميركي.
وقالت في شهادتها المعدّة سابقا “من الضروري أن يعالج الكونغرس بسرعة سقف الديون؛ إذا لم يفعل ذلك فستتخلف الولايات المتحدة عن السداد للمرة الأولى في التاريخ”.
وأقرّ مجلس النواب الأسبوع الماضي إجراء يتيح استمرار عمل مؤسسات الحكومة حتى الثالث من ديسمبر/كانون الأول المقبل، في حين يواصل النقاش حول حزمة الإنفاق الاجتماعي الرئيسة لمدة 10 سنوات.
ولكن مجلس الشيوخ المنقسم بالتساوي بين الحزبين رفض حتى الآن بدء النقاش بشأن مشروع القانون.
ومن دون إقرار الزيادة، لن تكون الحكومة قادرة على دفع رواتب موظفي القطاع العام أو رواتب المتقاعدين أو سداد خدمة ديون الدولة.
وقالت يلين إن ذلك “سيقوّض الثقة في الدولار كعملة احتياط” و”كملاذ آمن”، وأضافت “سنكون أمام أزمة مفتعلة فرضناها على هذا البلد الذي يمر بمرحلة صعبة للغاية وهو في طريقه للتعافي”.
عرقلة جمهورية
على الرغم من التحذيرات المنذرة، بما في ذلك من مجموعات الأعمال، منع الجمهوريون في مجلس الشيوخ في وقت متأخر من أول أمس الاثنين مشروع قانون أقرّه مجلس النواب لتعليق سقف الديون حتى ديسمبر/كانون الأول 2022 وتجنب إغلاق مؤسسات الحكومة، فشكل ذلك ضغطًا على الديمقراطيين الذين يتعين عليهم إيجاد طريقة يتقدمون بها إلى الأمام.
ويواجه المشرّعون مهلة أخرى أكثر إلحاحا لتمويل الحكومة بعد غد الخميس، عندما تنتهي السنة المالية الحالية.
ولا يؤدي رفع سقف الدين إلى زيادة الإنفاق، ولكنه يسمح ببساطة لوزارة الخزانة بتمويل المشاريع التي وافق عليها الكونغرس من قبل، بما في ذلك تريليونات الدولارات من المساعدات التي تقررت خلال جائحة “كوفيد-19”.
كارثة
وقالت يلين إن الإنفاق ساعد في دعم تعافي البلاد الذي وصفته بأنه “أقوى من مثيلاته في الدول الغنية الأخرى”.
لكن العجز عن رفع سقف الديون -الذي أقرّ 78 مرة منذ عام 1960 على أساس التوافق بين الحزبين على نحو دائم تقريبًا- يمكن أن يتسبب في “حدث له وقع كارثي على اقتصادنا”.
وقالت يلين في شهادتها إن “علينا معالجة هذه القضية للإيفاء بالالتزامات التي تعهد بها الكونغرس الحالي -والكونغرس السابق- بما في ذلك تلك التي تم التعهد بها لمعالجة الأثر الصحي والاقتصادي للوباء”.
وفي رسالتها الأخيرة إلى المشرعين، شددت يلين مجددًا على أن الموافقة الفورية أمر بالغ الأهمية لأن “الانتظار حتى اللحظة الأخيرة يمكن أن يتسبب في ضرر جسيم لشركات الأعمال، ويزعزع ثقة المستهلك، ويرفع تكاليف الاقتراض لدافعي الضرائب، ويؤثر سلبًا في التصنيف الائتماني للولايات المتحدة لسنوات قادمة”.
وقالت “قد يؤدي الفشل في التحرك بسرعة إلى اضطرابات كبيرة في الأسواق المالية، وتزايد عدم اليقين قد يفضي إلى تفاقم التقلبات وتقويض ثقة المستثمرين”.
وحسب بلومبيرغ، سيعزز تحذير يلين مخاوف أسواق المال بشأن أزمة سقف الدين العام الأميركي في ظل الخلافات الحادّة بين الجمهوريين والديمقراطيين في الكونغرس.
تحذير
وحذر رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول -الذي أدلى أيضًا بشهادته في جلسة الاستماع- من عواقب وخيمة، مثله مثل عدد من وزراء الخزانة السابقين ومجموعات الأعمال.
بدوره، حذر البيت الأبيض من أن الفشل في معالجة مشكلة سقف الديون قد يتسبب في كارثة مالية خطيرة، الأمر الذي قد يدفع الولايات المتحدة إلى ركود آخر.
ويحتاج الكونغرس الأميركي إلى تبنّي إجراء لتمويل الحكومة قبل انتهاء يوم الخميس المقبل لتجنب إغلاق بعض الوكالات الفدرالية والعمليات اعتبارًا من صباح الجمعة.
كما يتعين على المشرعين التحرك قبل منتصف شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل لرفع سقف الديون لكي لا تتخلف الحكومة الأميركية عن السداد، مما قد يؤدي إلى زعزعة استقرار الأسواق العالمية، حسب ما أوردت وكالة الأنباء القطرية.
عناد حزبي
في الأثناء، حذر مقال بصحيفة “نيويورك تايمز” من مغبة تخلف الحكومة الفدرالية عن السداد مما يترتب عليه عواقب اقتصادية وخيمة.
وقال الكاتب جيم تانكرسلي إن تنازع الجمهوريين والديمقراطيين يحدث منذ مدة طويلة حول رفع سقف الدين، ولكن هذه المرة تتزايد الاحتمالات بأن الولايات المتحدة قد تتخلف عن السداد.
وأضاف الكاتب أن المراقبين داخل واشنطن وخارجها يساروهم القلق من أن كلا الجانبين لن يتزحزح في الوقت المناسب، وسيسبب ذلك تعكير الأسواق المالية ويحدّ من الانتعاش الاقتصادي الناشئ بسبب تراجع وباء كورونا.
وحذر الكاتب من احتمالات أن يدفع العناد الحزبي البلاد إلى وضع مالي مجهول، ونقل عن بعض المتخصصين قولهم إن تخلف الحكومة الأميركية عن السداد سيكون أسوأ بكثير من انهيار “ليمان براذرز” (Lehman Brothers) في عام 2008، كما سيكون مدمرًا للاقتصاد وللأسواق العالمية.
لكن الكاتب قال إن محللين ماليين آخرين يعتقدون أن الطرفين سوف يتوصلان في نهاية المطاف إلى اتفاق كما فعلوا في الماضي، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى عواقب الفشل.
وكالات