اقتصاد الحرب: أعباء المواجهة الطويلة على الكيان المؤقت

تشهد العلاقات الاقتصادية الخارجية للكيان المؤقت تحوّلات جذرية في ظل التطورات السياسية والعسكرية في قطاع غزة، حيث أدّت السياسات العسكرية المتصاعدة والانتهاكات الإنسانية الواسعة (جرائم الإبادة الجماعية والتهجير) إلى ردود فعل أوروبية غير مسبوقة، وصلت حدّ التلويح بفرض عقوبات اقتصادية مباشرة. وتنعكس هذه التحوّلات في تراجع ملحوظ للصادرات، إلغاء واسع للعقود، وتدهور الثقة الدولية في الاقتصاد الإسرائيلي، ما ينذر بعزلة اقتصادية متنامية لم يشهدها الكيان منذ نشأته.

وفي هذه الورقة، عرض لأبرز مظاهر العزلة الاقتصادية المتصاعدة وتراجع المكانة الاقتصادية للكيان، نتيجة جرائم الإبادة والتهجير التي يرتكبها بحق الشعب الفلسطيني، وذلك من خلال العناوين التالية:

  1. مظاهر العزلة الاقتصادية المتصاعدة
  2. تداعيات التحوّل على الكيان
  3. دوافع التّحول في المواقف الأوروبية
  4. المكانة الاقتصادية للكيان أمام سبع دول كبرى معترفة بفلسطين (2024-2025)
  5. مواقف الدول الأوروبية
  6. مواقف وتصريحات لخبراء اقتصاديين
  7. الحلول المقترحة لمعالجة الأزمة
  8. انتقادات الحلول المقترحة

أولاً: مظاهر العزلة الاقتصادية المتصاعدة

تشهد العلاقات التجارية للكيان تراجعًا غير مسبوق، حتى مع الدول التي كانت تُعدّ من أقرب الحلفاء، إذ باتت الاجتماعات الاقتصادية تُعقد في أجواء من السرية التامة بطلب من الدول المضيفة، التي ترفض توثيق اللقاءات أو الإعلان عنها. وكشف رئيس اتحاد المصنعين الإسرائيليين، رون تومر، عن واقعة لافتة حين طُلب من وفد إسرائيلي في “دولة صديقة” حذف صور اجتماع بعد ساعات فقط من انعقاده، في إشارة واضحة إلى تبدّل المناخ. وفي الأسابيع الأخيرة تصاعدت موجة إلغاء العقود التجارية أو رفض تجديدها، فيما أوقفت شركات كبرى غربية استيراد منتجات إسرائيلية، متأثّرة بالغضب الشعبي والضغوط السياسية على خلفية الحرب في غزة وخطة الاحتلال المعلنة، وما رافقها من صور الضحايا والدمار.

ترافق هذا التدهور مع قلق متزايد لدى وكالات التصنيف الائتماني، إذ حذّر وفد من “موديز” خلال زيارته الكيان من خطر تفاقم العجز المالي بفعل الإنفاق الدفاعي، مرجّحًا خفض التصنيف قريبًا. ويؤكد الصناعيون أن “العلامة التجارية الإسرائيلية” باتت مهددة بأزمة طويلة الأمد، قد تنذر بتراجع الاقتصاد سنوات إلى الوراء ما لم تتخذ الحكومة خطوات عاجلة لدعم الصادرات وفتح بدائل جديدة. ولا تقتصر الأزمة على الخسائر التجارية، بل تمتد إلى تأثيرات أوسع تمس استقرار الاقتصاد الإسرائيلي، وسط ارتفاع النفقات العسكرية واتساع عجز الموازنة، مما قد يؤدي إلى تراجع الثقة الدولية في الاقتصاد ويُضعف مناخ الاستثمار.

في هذا السياق، اجتمع مجلس مفوضي الاتحاد الأوروبي لمناقشة مقترحات تعليق العمل ببنود من اتفاقيات التجارة المتعلقة بالبضائع الإسرائيلية. وقد اقترحت وزيرة خارجية الاتحاد، كايا كالاس، فرض عقوبات على وزراء في الحكومة الإسرائيلية والمستوطنين العنيفين، من بينهم بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير. وذكرت المفوضية أن تصرفات الحكومة الإسرائيلية، بما في ذلك تدهور الوضع الإنساني في غزة، ومنع وصول المساعدات، وتوسيع العمليات العسكرية، وقرار المضي في خطة استيطانية بالضفة الغربية، “تُشكل انتهاكًا لاتفاقية الشراكة وتقوّض حل الدولتين”.

ثانيًا: تداعيات التحوّل على الكيان

تجسّدت أبرز تداعيات التدهور غير المسبوق في العلاقات الاقتصادية للكيان، وفق ما أوردته صحيفة يديعوت أحرونوت، في:

  • خسائر الصفقات والتصدير: فمئات الشركات الإسرائيلية في مجالات اقتصادية وتقنية وعسكرية تواجه خسائر كبيرة بسبب إلغاء العديد من دول العالم صفقات ضخمة معها. إذ أن نصف المصدرين فقدوا عقودهم، و76% تأثرت صادراتهم مباشرةً، فيما تجاوز التأثير 40% من إجمالي الصادرات لدى بعضهم. هذا بالإضافة إلى أن 84% من العقود الملغاة كانت مع دول الاتحاد الأوروبي، و31% مع عملاء في الولايات المتحدة. وقد أوقفت شبكات تسويق غربية استيراد المنتجات الإسرائيلية، خصوصاً الزراعية، ما يهدّد مواسم مثل موسم المانغو.

ومن الأمثلة على الصفقات الملغاة:

  1. إلغاء الحكومة الإسبانية عقد قاذفات صواريخ بقيمة 700 مليون يورو، وعقد سلاح آخر بقيمة 300 مليون يورو، بإجمالي نحو مليار يورو.
    1. طلبت بعض الدول إزالة اسم الكيان عن المنتجات أو محو صور الاجتماعات التجارية لتجنب تأثير المقاطعة على الأسواق العالمية.
  2. الصعوبات اللوجستية: واجه 49%من المصدرين مشاكل شحن وجمارك وموانئ، بسبب رفض العمال تحميل البضائع الإسرائيلية أو المتجهة لتل أبيب. كما تضرّرت شركات المقاولات الإسرائيلية بسبب انسحاب شركة الاستشارات الهندسية الكندية “WSP” من السوق الإسرائيلي.
  3. الخسائر الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة: قدّر اتحاد الصناعيين الإسرائيليين الخسائر بنحو نصف مليار دولار، تشمل انخفاض المبيعات، تعطّل الإنتاج، تأخير العقود، وتضرر السمعة مع الزبائن الخارجيين.
  4. الآثار على التصنيف الائتماني والمالية العامة: أظهرت زيارة وفد خبراء وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني احتمال خفض التصنيف خلال أسابيع، بسبب ارتفاع النفقات الدفاعية وتفاقم العجز المالي. وعليه، علت التحذيرات من فقدان الحكومة السيطرة على الميزانية وتراكم الديون، ما يهدد استقرار الاقتصاد الإسرائيلي ويقلل من جاذبية الاستثمار.
  5. المقاطعة الثقافية والفنية: وقّع قرابة 4000 فنان رسالة مفتوحة صادرة عن حملة “عاملون في مجال السينما من أجل فلسطين”، بينهم الممثلان خواكين فينيكس وإيما ستون، تعهدوا فيها بقطع العلاقات مع أي مؤسسات إسرائيلية “متورطة في الإبادة الجماعية” في غزة.
  6. دعوات لسحب الاستثمارات: في وثيقة نشرت على موقع “كومن دريمز” الأميركي بتاريخ 19 أيلول 2025، دعت منظمة العفو الدولية الحكومات والمؤسسات والشركات حول العالم إلى التوقف عن دعم الاحتلال العسكري الإسرائيلي غير القانوني للأراضي الفلسطينية، ونظام الفصل العنصري، والإبادة الجماعية في قطاع غزة. وحملت الوثيقة عنوان: “اسحبوا الغطاء عن الاقتصاد السياسي الذي يمكّن إسرائيل من ارتكاب جرائمها”، وأشارت إلى 15 شركة إسرائيلية أكّدت امتلاكها أدلة موثوقة بشأن مساهمتها في الإجراءات غير القانونية والجرائم في غزة.
  7. اتساع العزلة قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الأساسية كالطاقة ومواد البناء والسلع الاستهلاكية، مما سيزيد الضغوط على الإسرائيليين، وخاصة الفئات الضعيفة.

ثالثًا: دوافع التحول في المواقف الأوروبية

تحولت أوروبا من شريك استراتيجي إلى ضاغط سياسي واقتصادي، نتيجة:

  1. الضغط الداخلي والشعبي الذي دفع دولًا مثل إسبانيا وأيرلندا وبلجيكا لتحريك ملف العقوبات الاقتصادية والسياسية ضد الكيان.
  2. الحاجة إلى الخروج من عباءة الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن ضعفت مصداقية دول أوروبا أمام شعوبها بوصفها مدافِعة عن حقوق الإنسان والقانون الدولي.
  3. تدهور الوضع الإنساني في قطاع غزة، ومنع وصول المساعدات الإنسانية، وتوسيع العمليات العسكرية، وقرار السلطات الإسرائيلية المضي قدمًا في خطة استيطانية في الضفة الغربية.
  4.  تعثّر مفاوضات صفقة تبادل الأسرى نتيجة تشدد موقف حكومة نتنياهو.
  5. تجاوز الكيان المؤقت للخطوط الحمراء في غزة عُدّ سببًا كافيًا لتحريك ملف العقوبات بالنسبة لإسبانيا.
  6. معارضة الاستيطان ودعم الحقوق الفلسطينية، فإيرلندا سبق أن ضغطت لوقف استيراد منتجات المستوطنات باعتبارها غير شرعية، داعية إلى التمسك بحق العقوبات.
  7.  إن بلجيكا وعاصمتها بروكسل تُعدّان قلب السياسة الأوروبية، حيث تحتضن المفوضية الأوروبية، كما تستضيف المدينة فعاليات حقوقية مهمة، مما جعلها منصة مؤثّرة لدفع ملف العقوبات على الكيان.

رابعًا: المكانة الاقتصادية للكيان أمام سبع دول كبرى معترفة بفلسطين (2024-2025)

الدولةالناتج المحلي الإجمالي (تريليون دولار)حجم التجارة مع إسرائيل (مليار دولار)الصادرات إلى إسرائيل (مليار دولار)الواردات من إسرائيلالفائض/العجز التجاريالمستجدات
بريطانيا3.63  7.8 (5.8 مليار جنيه إسترليني)4.44 (3.3 مليار جنيه إسترليني)3.36 (2.5 مليار جنيه إسترليني)تحقيق لندن فائض 1.08 مليار دولار (800 مليون جنيه إسترليني)تراجع ملحوظ في التجارة 8.5%، انخفاض إجمالي التبادل التجاري، انخفاض الواردات البريطانية بنسبة 12.7%، تراجع الاستثمارات.
     فرنسا3.163.171.781.4فائض 390 مليون دولار لصالح فرنساتراجع الثقة بالاقتصاد الإسرائيلي، تصاعد الضغوط الشعبية والسياسية لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية، دعم مراجعة اتفاقيات الاتحاد الأوروبي، استمرار الحرب يجعل مستقبل العلاقات الاقتصادية عرضة لإعادة تقييم وربما لتراجع ملحوظ في الفترة المقبلة.
إسبانيا1.722.731.79940 مليون دولارفائض 850 مليون دولار لصالح إسبانيااتخاذ مواقف سياسية وأمنية متشدّدة ضد الكيان، حظر شامل لتصدير الأسلحة للكيان ومنع وصول سفن طائرات تحمل أسلحة إليه عبر موانئها ومجالها الجوي، تصاعد الضغوط الداخلية والرفض الشعبي المتزايد لسياسات الكيان في ظل تعاطفه مع القضية الفلسطينية، الأمر الذي قد ينعكس سلبًا على قطاعات التبادل التجاري خصوصا في المنظمات الدفاعية والتكنولوجيا العسكرية في المستقبل.
بلجيكا664.6  2.481.84642.3فائض 1.2 مليار دولار لصالح بلجيكاالعلاقات الاقتصادية باتت تحت ضغط سياسي متزايد عقب حرب غزة، إذ انضمت بلجيكا مؤخرا إلى الدول الأوروبية التي اعترفت رسميا بدولة فلسطين في خطوة عكست تحولا في موقفها السياسي يمكن أن تكون له انعكاسات مستقبلية على العلاقة التجارية مع الكيان.
البرتغال308.6390.2 مليون دولار324 مليون دولار66.2 مليون دولارفائض 258 مليون دولار لصالح البرتغالمعارضة تصدير الأسلحة والذخيرة للكيان، تشدد الموقف السياسي تجاه العدوان في غزة والضفة.
كندا2.241.3332 مليون دولار966 مليون دولارعجز 634 مليون دولار لصالح الكيانعجز تجاري، تعليق تصاريح تصدير السلع العسكرية إلى الميان، فرض 4 جولات من العقوبات خلال عامي 2024-2025 استهدفت أفرادًا وكيانات مرتبطة بعنف المستوطنين في الضفة الغربية، وهو ما يعكس تشددا متناميا في الموقف الكندي إزاء السياسات الإسرائيلية العدوانية.
أستراليا1.75806 مليون دولار216 مليون دولار589.4 مليون دولارعجز 379 مليون دولار لصالح الكيان تأثير الحرب على العلاقات، واردات تفوق الصادرات

خامسًا: مواقف الدول الأوروبية

سادسًا: مواقف وتصريحات لخبراء اقتصاديين

  1. الخبير الاقتصادي الفرنسي المتخصص في الشؤون الدولية يرىجان بارثيلمي: “إن التوترات تعكس تحولات في السياسة الأوروبية تجاه إسرائيل”. وأوضح أن “الشراكة الاقتصادية أداة قوية بيد الاتحاد الأوروبي، ولكن مع تصاعد الانتهاكات الإسرائيلية، فإن ضغط الدول الأوروبية على إسرائيل قد يزيد بشكل ملموس”. وأضاف أن “الاتحاد الأوروبي لديه الوسائل الاقتصادية للتأثير على إسرائيل، وإذا استمرت انتهاكات حقوق الإنسان، فإننا قد نشهد تحولات كبيرة في السياسات الأوروبية”.
  2. تييري جريجوار، المحلل السياسي الفرنسي المتخصص في الشؤون الشرق أوسطية: يرى أن هناك “فرصة حقيقية” في هذه الأزمة لمراجعة السياسة الأوروبية تجاه إسرائيل. وقال: “الضغط الذي تتعرض له إسرائيل من قبل القوى الأوروبية قد يكون حافزًا حقيقيًا لتغيير بعض السياسات العسكرية في غزة، خاصة أن الاتحاد الأوروبي ليس مجرد مراقب في هذه القضية، بل لديه أدوات ضغط قوية”.
  3. الكاتب الصحفي الفرنسي أوليفييه بروير: “الأمر بسيط جدًّا، تأخذ كل الاتفاقات الأوروبية منذ 2022، المكتوب عليها عقوبات على روسيا، وتستبدل إسرائيل بها، وقتها ستوقف الصراع خلال 48 ساعة. أسبوع على أقصى تقدير. نفرض حظرًا فوريًّا على كل شيء. اقتصادهم ينهار بسرعة كبيرة جدًّا، إذًا لدينا الإمكانية إن أردنا وقف الصراع بسهولة كبيرة جدًا، لكننا لا نريد ذلك”.
  4. رائدة الأعمال والمحللة الاقتصادية والجيوسياسية الدكتورة بيلا باردا بركات: إن “الاتحاد الأوروبي اكتفى لسنوات بالقوة الناعمة تجاه إسرائيل كالإدانات أو الخطوات الرمزية مثل وسم منتجات المستوطنات عام 2015”. وأكملت بركات: “أما الآن، ولأول مرة، فهناك حديث علني عن تعليق جزئي للاتفاقية – وهو انتقال من أوروبا النمطية إلى أوروبا الحازمة”. وأضافت: “اتفاقية الشراكة التي وقعت عام 1995 هي الأهم بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي، حيث أصبحت منذ ذلك الحين أساسا لتجارة واسعة النطاق”.
  5. الخبير الاقتصادي السابق في “بنك إسرائيل” عيدو نوردن: أشار إلى إخفاقات السياسة الخارجية الإسرائيلية، وقال إن “هذه الإخفاقات تعرّض إسرائيل للخطر في الساحة الدولية، وجزء من هذا الخطر فقط يتحقق الآن أمام أعيننا”. وأضاف نوردن أن لبيان الاتحاد الأوروبي تبعات عملية خطيرة، مشيرا إلى أن “هناك مشاريع مشتركة بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي تمنح قيمة مضافة كبيرة للطرفين – مثل برنامج هورايزن في مجال البحث”.
  6.  رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير لاين، أشارت إلى أن “المفوضية ستوقف الدعم الثنائي لتل أبيب، وستقترح فرض عقوبات على وزراء إسرائيليين متطرفين وتعليق جزئي للشراكة التجارية بين الجانبين”.
  7. كبير المحللين الاقتصاديين في صحيفة “كلكاليست” الإسرائيلية أدريان بايلوت: أشار إلى أن “هذه التطورات لا تقتصر على البعد السياسي، بل تنذر بـ “ثمن اقتصادي يتجاوز 76 مليار دولار”، مع خطر تآكل ما يصل إلى 13.5% من الناتج المحلي الإجمالي”. ويضيف أن “اتفاقية التجارة الحرة مع بريطانيا، التي كانت مرشحة لأن تصبح نموذجًا يحتذى به، تواجه الآن خطر التجميد أو الإلغاء”، مؤكدا أن “التصعيد العسكري في غزة، إلى جانب ما تسميه بعض الدول الأوروبية “انتهاك القانون الإنساني الدولي”، دفع شركاء غربيين إلى إعادة تقييم علاقاتهم مع إسرائيل، خصوصا على الصعيد الاقتصادي”. ويرى بايلوت أن الاتفاقيات التجارية التي كانت ركائز أساسية للاقتصاد الإسرائيلي، تحولت إلى أوراق ضغط بيد الأوروبيين، في خضم أزمة تتسع يوما بعد يوم، ويشير إلى أن استمرار الحكومة الإسرائيلية على نهجها الحالي، مع تصاعد العزلة الدولية، يضع البلاد أمام تحد خطير قد يمس ليس فقط بالمؤسسات، بل بالمجتمع الإسرائيلي بأكمله. ويحذر من أن إسرائيل باتت على مفترق طرق سياسي واقتصادي، مشددا على أن غياب المراجعة السياسية للمسار الحالي قد يؤدي إلى تراجع طويل الأمد في مكانتها الدولية.
  8.  إيتان أفرئيل، رئيس تحرير صحيفة “ذَ ماركر”: يرىأن الاستمرار في السياسات الحالية تجاه غزة قد يؤدي إلى فقدان الأصول الإسرائيلية المالية لقيمتها السوقية، ويضيف أن الاتهامات المتزايدة لإسرائيل بـ “ارتكاب انتهاكات أخلاقية وسياسية” تقوّض ثقة المستثمرين، لافتًا إلى أن صندوق الثروة السيادي النرويجي بدأ بالفعل بيع استثماراته في شركات إسرائيلية”. ويشير إلى أن النقاش الأخلاقي والاقتصادي حول الحرب في غزة يكاد يغيب في الداخل الإسرائيلي، بينما بدأت تداعياته بالظهور خارجيًا، مع تحركات نرويجية وأيرلندية ويابانية لتقليص الاستثمارات، في وقت يدرس فيه الاتحاد الأوروبي إلغاء اتفاقية التجارة، وتعلّق فيه بريطانيا تحديث الاتفاق وتستدعي السفير الإسرائيلي. ما يشير إلى عزلة اقتصادية متنامية، وأن الأسواق قد تبدأ في تسعير هذه العزلة من خلال خصومات على الأسهم الإسرائيلية وعوائد مرتفعة على السندات، وهو ما سينعكس سلبًا على الاقتصاد.
  9. رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا: أعرب عن دعمه لمقترح مفوضية الاتحاد الأوروبي الداعي إلى تعليق الامتيازات التجارية الممنوحة للسلع الإسرائيلية وفرض عقوبات على مسؤولين إسرائيليين.

سابعًا: الحلول المقترحة لمعالجة الأزمة

في ضوء التحديات الاقتصادية المتصاعدة والعزلة الدولية التي يواجهها الكيان بعد الحرب، طرح بنيامين نتنياهو مجموعة من المقترحات تهدف إلى تعزيز قدرة الدولة على الصمود، عبر تقليل الاعتماد على الخارج، وتعزيز الاستقلال الأمني والاقتصادي كمدخل لمواجهة المرحلة المقبلة.

  1. الاستثمار بكثافة في “عمليات تأثير” عبر وسائل الإعلام التقليدية ووسائل التواصل الاجتماعي لمواجهة العزلة الاقتصادية الناجمة عن الدعاية السلبية في الخارج.
  2. التقليل من اعتماد صناعات الكيان المؤقت على التجارة مع الدول الأخرى.
  3. تعزيز الاكتفاء الذاتي والإنتاج المحلي لمواجهة الضغوط الخارجية: تطوير قدرات الكيان للاعتماد أكثر على نفسه في مختلف المجالات بما يشمل الأسلحة ومنتجات الدفاع الأخرى.
  4. توسيع الشراكات الدولية: السعي إلى تحالفات اقتصادية أو سياسية جديدة للتخفيف من آثار المقاطعة أو العقوبات وتقليل الاعتماد على الأسواق الأوروبية، مثل الانفتاح على دول تسعى وراء مصالح أمنية أو تجارية (كالدول الآسيوية والأفريقية).
  5. تطوير قطاعات جديدة مثل التكنولوجيا النظيفة والذكاء الاصطناعي.
  6. تشجيع الاستثمارات المحلية.
  7.  تطوير صناعات الأسلحة هنا – ليس فقط البحث والتطوير، بل أيضًا القدرة على إنتاج ما يحتاجه الكيان.
  8. تعزيز الاستقلال الأمني: الانطلاق من الدرس الأبرز الذي أفرزته الحرب، والمتمثل في ضرورة أن تكون إسرائيل قادرة على الدفاع عن نفسها بقدراتها الذاتية، سواء من حيث القوات أو التسليح، بما يقلّص من مستوى التقييد الخارجي ويعزز هامش المناورة الاستراتيجي.

ثامنًا: انتقادات الحلول المقترحة

تعرّضت الحلول المقترحة لانتقادات واسعة داخل الكيان، حتى من مؤسسات اقتصادية ورجال أعمال، الذين اعتبروا أن سياسات نتنياهو تقود نحو اقتصاد معزول ومتخلف وتُعرّض مكانة الكيان لمزيد من الانهيار:

  1. أعلن منتدى الأعمال الإسرائيلي، الذي يُمثّل عمال 200 من أكبر الشركات الإسرائيلية، “لسنا إسبرطة”، لكن سياسات نتنياهو تدفع البلاد “نحو هاوية سياسية واقتصادية واجتماعية تُعرّض وجودنا في إسرائيل للخطر”.
  2. احتجّ رئيس اتحاد نقابات الهستدروت، أرنون بار دافيد، قائلًا: “لا أريد أن أكون إسبرطة… نحن نستحق السلام. المجتمع الإسرائيلي مُنهك، ومكانتنا في العالم سيئة للغاية”.
  3.  أعلن يائير غولان، عن غضبه على منصة X قائلًا إن نتنياهو لا يعرض “لا الأمن ولا الاقتصاد، بل اقتصادًا مكتفٍ ذاتيًا معزولًا عن العالم، في ظل مقاطعة دولية خانقة. المعنى بسيط: انخفاض بنسبة 40% في أجور جميع العاملين في الاقتصاد”. وكتب: “اقتصاد بلا واردات وصادرات، بلا تكنولوجيا متقدمة، بلا صناعة متقدمة. دولة متخلفة بالكاد تستطيع توفير البيض والحليب والماء لمواطنيها”.
  4. اتّهم أفيغدور ليبرمان، نتنياهو بتحويل إسرائيل إلى “دولة من دول العالم الثالث”. وكتب “يريد رئيس وزراء السابع من أكتوبر أن تعتاد إسرائيل على العزلة، وعلى سوق مغلقة، بلا منافسة، وبلا أوكسجين للاقتصاد. هذه ليست خطة عمل؛ هذا استسلام. هذا اعتراف بالفشل”.
  5. يوناتان كاتس، كبير الاقتصاديين في شركة “ليدر كابيتال ماركتس”: “تتأثر المشاعر السلبية أيضًا بتصريحات نتنياهو حول مواجهة إسرائيل لخطر العزلة وضرورة الاعتماد على الذات، الأمر الذي قد يُسفر بدوره عن تداعيات محتملة على زيادة الإنفاق المالي في قطاع الدفاع”.
  6. حذّر منتدى الأعمال الإسرائيلي نتنياهو من أن سياساته تقود البلاد إلى “ركود اقتصادي وسياسي خطير وغير مسبوق… هذه الرؤية، كما طُرحت، ستصعّب علينا البقاء في عالم متطور”.
  7. مسؤول في الصناعات العسكرية الإسرائيلية لصحيفة “كلكاليست” العبرية: “الأزمة كبيرة ومن يعتقد أن بإمكان صناعاتنا العسكرية الاعتماد على الجيش فقط كزبون دائم فهو واهم. نتخوف من فقدان السوق الأوروبية التي بلغت قيمة صفقاتها 14.8 مليار دولار عام 2024 بما نسبته 54% من مجمل الصادرات. ربما علينا التعلّق بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب لينهي الحرب ويُخلّصنا من هذا المأزق”.

وعليه، يجد الكيان المؤقت نفسه أمام عزلة اقتصادية متفاقمة وغير مسبوقة، فرضتها جرائمه في غزة وسياساته التوسعية، وانعكست في انكماش الصادرات، وإلغاء العقود، واحتمالات خفض التصنيف الائتماني، وتصاعد المقاطعة الأوروبية. كما أن محاولاته لإيجاد بدائل أو تعزيز الاكتفاء الذاتي لا تحجب حقيقة أن اقتصاده يرتكز أساسًا على الأسواق الغربية، وأن استمرار النهج الحالي يهدّد بتحويله إلى كيان منبوذ سياسيًا واقتصاديًا على المدى الطويل.

مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير

اسرائيلطوفان الاقصى