يبدو أن 30 مليار برميل من احتياطات النفط المحتملة من شأنها تغيير وجه الصومال بالكامل، خاصة أن هذه الاحتياطات تعادل ثلاث مرات احتياطات النفط الجزائرية وتضع البلاد ثالثة إفريقيًا بعد كل من ليبيا ونيجيريا.
فالصومال على موعد مع مرحلة فارقة في تاريخه، بعد أن أصبح يستقطب اهتمام شركات عالمية للتنقيب عن النفط، خاصة في المربعات قبالة سواحله الأطول إفريقيا، والمطلة على المحيط الهندي وبحر العرب وخليج عدن، بل ويقع على أهم طريق بحري للتجارة الدولية بين آسيا وأوروبا.
ودفعت الاكتشافات النفطية والغازية في شرق إفريقيا وبالأخص في موزمبيق وتنزانيا، وتداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، شركات غربية وآسيوية للعودة مجددا للاستثمار في الصومال.
كما أن الانتقال السلمي للسلطة في البلاد قبل عام، والانتصارات التي حققها الجيش الصومالي على حركة الشباب المصنّفة إرهابية، وتحريره مناطق شاسعة وسط البلاد، بدعم من القبائل ودول صديقة، واستعداده لجولة ثانية لتحرير إقليمين جنوبين، بدعم من دول الجوار، خطوات تعزز ثقة الشركات الأجنبية بمناخ الاستثمار في البلاد.
إلا أن تحوّل الصومال نحو إنتاج وتصدير النفط لن يكون سريعًا، فحركة الشباب ما زالت تشكل تهديدًا حقيقيًا على أمن البلاد، حتى خارج مناطق سيطرتها، كما أن احتمال وجود 5 مليارات برميل نفط احتياطي بإقليم صومالي لاند، يعزز نزعته الانفصالية.
ناهيك أن الخلاف مع كينيا بشأن الحدود البحرية، التي من المرجّح أنها تحتوي على احتياطات نفطية، من شأنه عرقلة انطلاق التنقيب في المربعات البحرية محل النزاع.
موعد حفر أول بئر نفطي
من المتوقع أن يتم حفر أول بئر نفطي في الصومال عام 2025، وفق ما أعلنت شركة “كوستلاين إكسبلوريشن” الأميركية التي تقود عملية تجديد قطاع النفط والغاز في البلاد، بعد أن حصلت على 7 مربعات بحرية من الحكومة عام 2022.
ويكشف ريتشارد أندرسون، الرئيس التنفيذي لكوستلاين إكسبلوريشن، أن الشركة ستبدأ في المسح الزلزالي ثلاثي الأبعاد بين تشرين الثاني 2023 وآذار 2024، وبعد ذلك ستقوم بمعالجته على مدى 3 إلى 4 أشهر، على أن يبدأ الحفر منتصف 2025، وفق ما نشر موقع شركة “إس أند بي غلوبال” الأميركية.
الشركة الأميركية التي دفعت 7 ملايين دولار مقابل التنقيب في المربعات السبعة، من المتوقع أن تلتحق بها شركتا إكسون موبيل الأميركية وشل (بريطانية- هولندية)، بعد أن وافقت الحكومة الصومالية على خريطة طريق أولية مع الشركتين، في آذار 2020.
منذ الخمسينات، تنشط شركات متعددة الجنسيات في الصومال على غرار شيفرون وإيني وإكسون موبيل وشل، والتي نجحت في حفر 52 بئرًا نفطية في الثمانينات قبل أن تغادره عام 1991، بعد انهيار الدولة واشتعال الحرب الأهلية.
ووفق تقديرات أولية لاحتياطات النفط في الصومال، فإنه يُمكن أن يكون هناك 30 مليار برميل من النفط الخام في البلاد عبر 15 مربعًا قدّمته الحكومة، حسب بيانات زلزالية ثنائية الأبعاد أعلنت عنها شركة “تي جي إس” عام 2014.
غير أن الرئيس التنفيذي لشركة كوستلاين، أكثر تفاؤلًا من اكتشاف احتياطات نفطية أكبر، إذ يقول “هناك إمكانية لوجود عشرات المليارات من البراميل يمكن استخلاصها، أو حتى أكثر بمرور الوقت”، مستدركًا بأن ذلك “فقط في الكتل التي لدينا”.
ويعد الصومال بلدًا واعدًا من حيث احتياطات النفط المتوقع اكتشافها سواء في البر أو في البحر، ولم يتم بعد القيام بالدراسات الزلزالية الكافية لتحديد الاحتياطات النفطية المؤكدة في كامل أرجاء البلاد.
بل إن موقع “الصومال الجديد” تحدّث عن تقديرات تصل إلى 100 مليار برميل من احتياطات النفط، ما سيقفز بالبلاد إلى المرتبة الثامنة عالميًا من حيث الاحتياطات النفطية، قبل الإمارات، الأمر الذي يثير شهية الشركات المتعددة الجنسيات.
ونظرًا لأن عدد السكان في الصومال يقدر بنحو 16 مليون نسمة، فإن الاستغلال الأمثل للموارد النفطية من شأنه أن ينتشل البلاد من الفقر ويضعه من بين أغنى الدول الإفريقية من حيث الناتج الفردي.
آمال وتحديات
يأمل الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، في تسريع عملية إنتاج وتصدير النفط، وتجلى ذلك في موافقته السريعة على الاتفاقيات التي وقعتها شركة كوستلاين، لأول مرة في شباط 2022، للتنقيب في 7 مربعات بحرية تغطي 35 ألف كلم مربع، قبل أن يلغيها الرئيس السابق محمد فرماجو.
كما وقع الرئيس شيخ محمود، اتفاقات متفرقة مع الأقاليم المحلية لتجنب الخلافات بشأن تقاسم عوائد النفط والتنمية المحلية.
وزار الرئيس الصومالي الجديد منذ انتخابه في أيار 2022، عدة دول لتشجيعها على الاستثمار في قطاع النفط ببلاده، على غرار تركيا.
وعلى هامش زيارته لتركيا في تموز 2022، كشف شيخ محمود، في مقابلة مع الأناضول، أن حكومته بدأت لقاءات مع نظيرتها التركية بشأن التعاون في التنقيب عن احتياطات المحروقات (نفط وغاز) في بلاده.
غير أن جهود الرئيس شيخ محمود، تصطدم مع التحديات الأمنية التي تواجهها البلاد، وبالأخص سيطرة حركة الشباب على إقليمي “جنوب غرب الصومال” و”جوبا لاند”، في أقصى الجنوب، والعمليات الإرهابية التي تشنها من حين لآخر على العاصمة مقديشو.
فالمخاطر عالية من إمكانية استهداف حركة الشباب للموانئ النفطية، التي من الممكن أن تشيد مستقبلا، غير أن التركيز على المنصات البحرية لاستخراج النفط من شأنه أن يجعلها بعيدة عن ذراع الحركة الإرهابية، رغم أن المنطقة تشتهر بقراصنة البحر.
الأمر الآخر الذي يثير قلق مقديشو، توقيع شركة “غانال إنرجي” البريطانية على اتفاقيتين مع حكومة صومالي لاند الانفصالية، للتنقيب عن النفط دون أخذ موافقتها.
ويعزز توقيع حكومة صومالي لاند، اتفاقيات مع دول وشركات أجنبية مساعيها للانفصال عن مقديشو والحصول على اعتراف دولي، وهو ما ترفضه مقديشو.
كما أن التنقيب عن النفط بالقرب من الحدود البحرية المتنازع عليها مع كينيا من شأنه أن يعرقل استغلال الصومال لموارده النفطية.
واشتعل نزاع حدودي بين كينيا والصومال في 2014، ولجأ الأخير إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، التي أصدرت في تشرين الأول 2021، قرارًا ملزمًا بتعديل خط الترسيم شمالًا، وهو الحكم الذي رفضته نيروبي وأمامها حق الاستئناف عليه حتى عام 2031.
وقد أصبح الصومال على بعد خطوة من الخروج من أزمته الاقتصادية، لكن ذلك مرهون باستقراره السياسي، وقدرته على تحييد التهديد الإرهابي لحركة الشباب إلى أقصى حد، وضمان أن لا يتحوّل استخراج النفط إلى نقمة تثير الصراع على موارده بين القبائل والأقاليم المختلفة، ناهيك عن الجوانب البيئية، التي قد تثير غضب القبائل والرعاة مجددًا إذا أضرّت بمواردهم المائية الشحيحة.
الأناضول