لماذا تواجه البنوك أزمة ثقة كبيرة؟

اجتاحت القطاع المصرفي خلال الأسبوعين الماضيين حالة ذعر بسبب خروج البنوك عن مسارها الطبيعي جرّاء القفزة التي شهدتها أسعار الفائدة، حيث تعرّضت كبرى البنوك لسلسلة من الانهيارات، على رأسها بنك وادي السيليكون (سيليكون فالي SVB) و”سيغنتشر” (Signature) و”كريدي سويس” (Credit Suisse)، مما أثار التساؤل عن الأسباب التي أوصلت القطاع المصرفي إلى هذا الحال.

وعزا تقرير نشرته صحيفة “لوتون” (Le Temps) السويسرية الوضع الذي آل إليه القطاع المصرفي إلى ارتفاع أسعار الفائدة، وهي الخطوة التي اتخذتها البنوك المركزية ردًا على ارتفاع معدّلات التضخّم إلى مستوى فاق التوقعات.

ومن الناحية النظرية، يعود تشديد السياسة النقدية بفائدة على أسهم البنوك، لكن على عكس المتوقع حدث سيناريو مغاير تمثل في اهتزاز ثقة العملاء في البنوك بسبب تحركاتها اللاعقلانية، لكن ذلك لا يعني بالضرورة تكرار الأزمة المالية لعام 2008.

وعلى مرّ السنين كان هناك جدل بشأن ما يمكن أن يحدث إذا قامت البنوك المركزية برفع أسعار الفائدة ومصادرة الأموال التي انبثقت عن النظام المالي.

تدهور غير مسبوق

وفي ظل غياب المؤشرات التي تنذر بإمكانية تكرار أزمة 2008 كانت التوقعات المتعلقة بالأسهم المالية والبنوك على وجه الخصوص مبشرة، وقد أدى انهيار بنك وادي السيليكون في 11 آذار الجاري إلى تسريع تدهور أداء البنوك التي غيّرت المسار المتوقع للأسهم المالية الأكثر اتصالا بالاقتصاد الحقيقي، ونتج عن سياسة رفع أسعار الفائدة تباطؤ النشاط الاقتصادي وتوخي المستثمرين الحذر وتعقيد إمكانية الوصول إلى الائتمانات.

وأثّر الارتفاع في أسعار الفائدة سلبًا على البنوك، وما زاد الوضع سوءا تخفيض قيمة سندات الخزانة الأميركية، ونتيجة لذلك عانى البنك الـ16 في الولايات المتحدة من حيث حجم الأصول الخاضعة للإدارة (209 مليارات دولار) من تهافت العملاء على سحب ودائعهم، وكان رواد الأعمال الناشطون في مجال التكنولوجيا أبرز ضحايا تحول مسار المستثمرين، ولولا هذا المزيج السام من العوامل لم يكن بنك وادي السيليكون ليفشل، حسب الصحيفة.

ويعتبر إفلاس بنك وادي السيليكون الأكبر منذ فشل “واشنطن ميوتشوال” (Washington Mutual) عام 2008، وتبعه بنك الاستثمار “ليمان براذرز” (Lehman Brothers)، و”بير ستيرنز” (Bear Stearns)، واختفى من السوق أكثر من 500 بنك في الفترة بين 2008 و2015.

ووسط حالة الذعر التي يشهدها القطاع المصرفي الإقليمي الأميركي انهار بنكا “سيلفرغيت” (Silvergate) و”سيغنتشر”، لأن المودعين يأخذون بعين الاعتبار تأثير الدومينو على البنوك ومخاطر الإفلاس الشامل.

وفي محاولة لتجنب وقوع اضطرابات في القطاع المصرفي العالمي أعلنت السلطات السويسرية -أول أمس الأحد- استحواذ بنك “يو بي إس” (UBS) على منافسه الأصغر “كريدي سويس” (ثاني أكبر بنك في سويسرا) الذي انهار مؤخرًا، بصفقة تبلغ قيمتها 3.24 مليارات دولار.

من جهته، أكد الرئيس السويسري آلان بيرسيه أن هذا الخيار هو الأمثل “لاستعادة الثقة”، في حين أعلن البنك المركزي توفير سيولة تصل إلى 108 مليارات دولار للمصرفين.

لكن أسهم “كريدي سويس” انخفضت بأكثر من 62% بعد يوم من الصفقة، كما تراجعت أسهم “يو بي إس” 8.8%.

طيف أزمة 2008

يتذكر الجميع نقطة البداية في أزمة عام 2008، وهي الهندسة المالية للبنوك، وكثر الحديث عن العديد من المؤسسات خلال الأسبوعين الماضيين، مما تسبب في حدوث ارتباك في أذهان العملاء وخلق ضغوطا في سوق الأوراق المالية.

وبغض النظر عن تأثير ارتفاع أسعار الفائدة -الذي يعتقد بعض المراقبين أنه قد يتوقف- فإنه من غير المنطقي أن يكون مصير هذه البنوك مشابها.

وتتمتع كبرى المؤسسات المصرفية الأوروبية -بما في ذلك “كريدي سويس”- بنسب رأس مال وسيولة تحمي المودعين من الاضطرابات، إلى جانب ما تقدمه السلطات من ضمانات باعتبارها الملاذ الأخير، ويبدو أن عقلية “أكبر من أن يفشل” مكنت البنوك من دعم غير مشروط.

تأثير أسعار الفائدة

مرّ عام منذ أن بدأ بنك الاحتياطي الفدرالي في رفع أسعار الفائدة وبدأت البنوك الأميركية في الانهيار، وذكرت صحيفة “غارديان” (The Guardian) البريطانية أن البنوك تعمل منذ عام 2008 في إطار معدّلات الفائدة المنخفضة للغاية والضخ الدوري للنقد الإلكتروني من البنوك المركزية، وكان يُنظر إلى ذلك في الواقع باعتباره وسيلة مؤقتة في الظروف الصعبة في أعقاب انهيار بنك “ليمان براذرز”، حيث أصبحت الأموال الرخيصة والسيولة الوفيرة دعامة ثابتة للأسواق.

وعلى مر السنين كان هناك جدل بشأن ما يمكن أن يحدث إذا قامت البنوك المركزية برفع أسعار الفائدة ومصادرة الأموال التي انبثقت عن النظام المالي.

وأدى الإجراء -الذي يعتبر ضروريًا لكبح التضخم- إلى تقليص فقاعات الإسكان وانخفاض أسعار الأسهم، وترك البنوك تتكبد خسائر فادحة في حيازاتها من السندات الحكومية.

وتفيد غارديان بأن بنك إنجلترا تجاوز الأزمة بشكل أسرع مقارنة ببنك الاحتياطي الفدرالي، حيث بدأ بنك إنجلترا في رفع أسعار الفائدة في كانون الأول 2021 ورفعها الآن 10 مرات على التوالي، وانتظر البنك المركزي الأوروبي حتى تموز من العام الماضي، قبل أن يتخذ قرارًا بزيادة تكاليف الاقتراض لأول مرة منذ عقد، واستمر في الزيادة الأسبوع الماضي رغم الأنباء التي تفيد بأن الأزمة المصرفية انتشرت عبر المحيط الأطلسي إلى بنك “كريدي سويس”.

وسيجتمع بنك الاحتياطي الفدرالي مع بنك إنكلترا هذا الأسبوع لاتخاذ قرارات بشأن سعر الفائدة، وتعتقد الأسواق المالية أنه في كلتا الحالتين يكون الاختيار إما بين عدم إحداث أي تغيير أو زيادة 0.25 نقطة.

وبالنظر إلى التأخيرات التي ينطوي عليها الأمر، فحتى خفض أسعار الفائدة سيكون متأخرا للغاية لمنع انخفاض الإنتاج في الأشهر المقبلة، ولكن على خلفية انخفاض معدّل التضخم وانخفاض أسعار السلع العالمية والدليل على تنامي الأزمة المالية فإن أي تشديد إضافي للسياسة سيكون حماقة.

وكالات

اساسيالازمة الاقتصاديةمصارف