هل باتت نهاية الدولار وسيطرته على الاقتصاد العالمي وشيكة؟ لم يعُد هذا السؤال غريباً في ظل سيل من التهديدات الجديدة للعملة الأمريكية، وخطط العديد من الدول لتعزيز استخدام العملات البديلة، وسعيها لإيجاد بدائل للدولار يكون لها طابع عابر للقارات.
إذ تتجه دولٌ مثل الصين، وروسيا، والهند، والبرازيل إلى تسوية المزيد من معاملاتها التجارية بعملات أخرى غير الدولار. وتتراوح خطط تلك الدول من استخدام العملات المحلية، وصولاً إلى العملة المستقرة المدعومة بالذهب، وانتهاءً بالعملةٍ الاحتياطية الجديدة التي تناقشها مجموعة بريكس، حسبما ورد في تقرير لموقع Business Insider الأمريكي.
كيف بنى الدولار الأمريكي هذه الهيمنة الطاغية؟
والدولار الأمريكي هو العملة الاحتياطية العالمية المُستخدمة كعملة مرجعية للعملات الأجنبية. وهذه الميزة تسمح للولايات المتحدة باقتراض الأموال من الخارج بسهولة أكبر وبتكلفة أقل.
بعد انتصار الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية التي دمرت بقية الدول الكبرى بما فيها تلك الحليفة لأمريكا في الحرب، تربعت العملة الخضراء بمفردها على عرش العملة الاحتياطية العالمية، لتصبح مستخدمةً على نطاقٍ واسع في التجارة العابرة للحدود، وخاصةً بالنسبة لسلع مثل النفط. وينظر المستثمرون إلى العملة باعتبارها من أصول الملاذ الآمن في فترات تزايد الشكوك الاقتصادية والجيوسياسية، وذلك بفضل استقرارها النسبي.
وأنشأت اتفاقية بريتون وودز التي أبرمت في الولايات المتحدة عام 1944، وشاركت بها 44 دولة قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية، نظاماً نقدياً دولياً جديداً، اعتمد قيام الدول بربط عملاتها بالدولار الأمريكي واستبدال معيار الذهب بالدولار الأمريكي كعملة عالمية؛ لتترسخ الولايات المتحدة كقوة مهيمنة في الاقتصاد العالمي، لأنها الدولة الوحيدة التي لديها القدرة على طباعة الدولارات.
كما أنشأت الاتفاقية البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وهما منظمتان مدعومتان من الولايات المتحدة لمراقبة النظام الجديد.
ولو خسر الدولار هيمنته، فسيتضرر الاقتصاد الأمريكي. إذ أوضحت شركة Allianz Global Investors في تقرير لها عام 2018: “من المرجح أن يضر تراجع هيمنة الدولار بقيمة العملة الأمريكية، ويخلق ضغوطاً تضخمية على أسعار السلع الاستهلاكية. وفي النهاية، قد تؤدي خسارة الولايات المتحدة لميزة العملة الاحتياطية إلى الحد من أي انخفاض جديد في الأجور فقط، والاحتمال قوي بأن يؤدي ذلك أيضاً لزيادة فقر المستهلكين الأمريكيين”.
فالدولار ليس فقط عملة تحتل عرش التعاملات التجارية في العالم بلا منازع، بل هو أهم رموز الهيمنة الأمريكية، ربما أكثر من القوة العسكرية للولايات المتحدة، التي انفردت بالقرار العالمي منذ انهيار الاتحاد السوفييتي قبل أكثر من ثلاثة عقود.
وتلقى الدولار دفعة قوة إضافية العام الجاري، بعد رفع أسعار الفائدة الأمريكية، الذي جعله من الأصول الجذابة للمستثمرين الأجانب الباحثين عن عائدات أعلى. حيث ارتفعت قيمة العملة بنسبة 17% خلال الأشهر التسعة الأولى من 2022، لكنها بدأت تفقد القليل من بريقها بسبب احتمالية توقف الاحتياطي الفيدرالي عن رفع الفائدة قريباً، نتيجة التباطؤ السريع في معدلات التضخم.
وتأتي التهديدات الأخيرة على هيمنة الدولار وسط خلفية هذه الأحداث.
إليكم سبعة مشروعات من مختلف أنحاء العالم لإيجاد بدائل للدولار.
1- حمى بدائل الدولار تصل لحديقة أمريكا الخلفية فالبرازيل والأرجنتين تخططان لعملةٍ مشتركة
توصف منطقة أمريكا اللاتينية التي تضم أمريكا الوسطى والجنوبية بحديقة الولايات المتحدة الخلفية، حيث فرضت واشنطن نفوذها منذ القرن التاسع عشر على هذه المنطقة قبل أن يمتد نفوذها لبقية العالم.
وشمل ذلك نفوذاً سياسياً جعل أمريكا طرفاً رئيسياً في عملية اختيار الأنظمة السياسية بالمنطقة، التي اتبع كثير منها شكلاً على الأقل النمط السياسي الأمريكي، إضافة لتأثرها بالولايات المتحدة في الثقافة إضافة للتبعية الاقتصادية.
ولكن مؤخراً، أعلنت البرازيل والأرجنتين عن إعدادهما لإطلاق عملةٍ مشفرة. وستحمل العملة الجديدة اسم سور Sur (الذي يعني الجنوب)، ومن المحتمل أن تتحول إلى مشروعٍ يُشبه اليورو لتتبناها كافة دول أمريكا الجنوبية، حسب تقرير لموقع Business Insider الأمريكي.
وتستطيع العملة الموحدة أن تساعد في تعزيز التجارة الأمريكية الجنوبية، وفقاً للبيان المشترك من زعيمي البلدين، لأنها ستقضي على تكاليف التحويل والشكوك المرتبطة بأسعار الصرف. وقد يؤدي ذلك إلى تآكل هيمنة الدولار في المنطقة، نظراً لاستخدام العملة الخضراء في 96% من المعاملات التجارية بين قارتي أمريكا الشمالية والجنوبية منذ 1999 وحتى 2019، وفقاً للاحتياطي الفيدرالي.
2- روسيا وإيران تتطلعان إلى عملة مستقرة مُقوّمة بالذهب
تتعاون روسيا وإيران من أجل إطلاق عملة مشفرة مدعومة بالذهب، أو “عملة مستقرة”، حتى تحل محل الدولار في مدفوعات التجارة الدولية.
إذ تعرض البلدان للعقوبات الغربية، ولديهما الآن رغبة في إصدار “رمزٍ مشفر لمنطقة فارس” من أجل استخدامه في المعاملات العابرة للحدود. وهناك خطة لإطلاق العملة في معقل اقتصادي خاص بمدينة أستراخان جنوب روسيا، التي تستقبل وترسل الشحنات الإيرانية بالفعل.
لكن المشروع لن يتقدم إلا بعد تنظيم سوق الأصول الرقمية الروسي بالكامل، وفقاً لأحد مشرعي موسكو.
يُذكر أن روسيا وإيران زادتا من المساعي الرامية إلى “إلغاء الدولرة” في الأشهر الأخيرة، بحسب مركز أبحاث Jamestown Foundation. ويهدف البلدان إلى زيادة حجم التجارة بينهما لتبلغ 10 مليارات دولار سنوياً، وذلك عبر خطوات مثل تطوير نظام مدفوعات دولي ليكون بديلاً عن نظام السويفت، بعد تعرضهما للحظر منه.
2- الإمارات والهند تبحثان استخدام الروبية في التجارة غير النفطية
في الوقت ذاته، طرحت الإمارات والهند فكرة إجراء المعاملات التجارية غير النفطية باستخدام عملة الروبية الهندية.
وستستفيد هذه الخطوة من اتفاقية التجارة الحرة الموقعة بين البلدين العام الماضي، والتي تستهدف زيادة حجم التجارة غير النفطية بين البلدين إلى 100 مليار دولار بحلول 2027.
وتفكر الصين في تسوية معاملاتها التجارية غير النفطية بالعملات المحلية كذلك، وفقاً لوزير التجارة الخارجية الإماراتي ثاني بن أحمد الزيودي.
4- الصين بدأت تنفيذ خطتها لإحلال اليوان محل الدولار في التجارة النفطية
تتطلع الصين من ناحيتها إلى إيجاد بدائل للدولار أو إضعافه؛ عن الطريق الضغط لعدم استخدامه في الصفقات النفطية. وذلك نظراً لزيادة حجم تجارتها مع روسيا بعد هجوم الأخيرة على أوكرانيا.
وتسعى هذه الخطوة إلى القضاء على نظام البترودولار المعمول به منذ السبعينيات، والذي يشهد تسوية غالبية معاملات النفط الدولية بالدولار.
وسبق أن أجرت المملكة العربية السعودية محادثات مع بكين العام الماضي لتسعير بعض مبيعاتها النفطية إلى الصين باليوان الصيني بدلاً من الدولار، وهي خطوة يمكن أن “تشل” ليس فقط هيمنة نظام “البترودولار” على أسواق النفط العالمية وتمثل تحولاً آخر من قبل أكبر مصدر للنفط الخام في العالم نحو آسيا، ولكن أيضاً خطوة تهدف بشكل مباشر إلى قلب النظام المالي الأمريكي الذي استفاد من وضع احتياطي الدولار، من خلال طباعة أكبر عدد ممكن من الدولارات اللازمة لتمويل الإنفاق الحكومي على مدى العقد الماضي.
ولا يعرف بعد هل هذه المحادثات سوف تؤدي لاعتماد اليوان في التجارة بين البلدين أم أنها وسيلة سعودية للضغط على واشنطن.
ولعبت السعودية دوراً كبيراً في صعود هيمنة الدولار العالمية.
فبعد اتفاقية بريتون وودز، اكتسبت رحلة صعود الدولار إلى موقعه الحالي كأقوى عملة بالعالم، دفعة قوية، في فبراير/شباط عام 1945، عندما عقد الاجتماع التاريخي بين العاهل السعودي عبد العزيز آل سعود والرئيس الأمريكي ثيودور روزفلت، على متن الطراد الأمريكي كوينسي في البحيرات المُرَّة قرب قناة السويس المصرية. وتم خلال هذا الاجتماع توقيع اتفاقية “كوينسي”، التي حددت العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية وكانت مدتها 60 سنة، تم تجديدها مدة مماثلة عام 2005، وتم الاتفاق على قيام السعودية باعتماد الدولار فقط في جميع عقود تصدير النفط.
ومع زيادة الطلب على النفط بصورة كبيرة وسريعة في العقود التالية، زاد معه الطلب على العملة الخضراء، وزادت الصفقات العابرة للحدود التي تتم بالعملة الأمريكية. والآن يجري الحديث عن سعي ولي العهد السعودي لإدخال اليوان الصيني كعملة تداول في معاملات النفط؛ وهو ما قد يعني الضربة القاصمة فعلياً للدولار، بحسب محللين.
ومع اقتراب نهاية العام الماضي، بدأت بكين تشتري الخام الروسي بأسعار مخفضة من موسكو، وسددت قيمة تلك المشتريات باليوان بدلاً من الدولار، مما دشّن صعود نظام البترويوان.
يُذكر أن زيادة قوة العملة الخضراء ترفع أسعار عقود النفط، لأن الصفقات يجري تسعيرها بالدولار الأمريكي على نطاقٍ واسع، مما يفسر ابتعاد الصين عن استخدام الدولار.
وقال فيكتور كاتونا، محلل Kpler، إن روسيا تحولت إلى “بلدٍ آسيوي وأدخلت عملة اليوان في تجارة النفط واسعة النطاق من وجهة نظري”.
5- صندوق النقد الصيني يضم دولاً آسيوية مهمة
أعلنت الصين منتصف العام الماضي عن تأسيس صندوق نقدي دولي وهو عبارة عن نظام لتجميع احتياطات باليوان (الرنمينبي)، يضم البنك المركزي الصيني (بنك الشعب الصيني)، والبنوك المركزية لإندونيسيا، وماليزيا، وتشيلي، إضافة للسلطة النقدية في سنغافورة وهيئة النقد في هونغ كونغ (التابعة سياسياً للصين)، فيما يمكن تسميته بصندوق الصين العظيم، أو صندوق النقد الصيني.
ويمكن أن يمهد صندوق النقد الصيني هذا الطريق أمام العملة الصينية للعب دور أساسي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، كما يعتقد أنه على المدى الأبعد يمكن أن يكون صندوق النقد الصيني هذا منافساً أو بديلاً لصندوق النقد الدولي، الذي يهيمن عليه الدولار، حسب موقع Business Insider الأمريكي.
كل دولة ستُسهم بـ15 مليار يوان، أي حوالي 2.2 مليار دولار، في نظام السيولة بالرنمينبي RMBLA.
“وعند الحاجة إلى السيولة فإن البنوك المركزية المشاركة لن تتمكن من سحب مساهماتها فحسب، بل ستتمكن أيضاً من الحصول على تمويل إضافي، من خلال نافذة سيولة مضمونة” لمواجهة تقلبات الأسواق، حسبما قال البنك المركزي الصيني.
ستُخزن هذه الأموال في بنك التسويات الدولية، (BIS) وهو مؤسسة مالية دولية مملوكة للبنوك المركزية، التي “تعزز التعاون النقدي والمالي الدولي، وتعمل كبنك للبنوك المركزية”، خاصة فيما يتعلق بتمرير وتسوية المعاملات المصرفية، ويقع مقره في بازل، سويسرا، وله مكاتب تمثيلية في هونغ كونغ ومكسيكو سيتي.
6- بديل صيني روسي لنظام سويفت الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة والغرب
وتدرس الصين وروسيا بدائل محلية لنظام سويفت للتبادل المصرفي، الذي يمثل رمز الهيمنة الأمريكية والغربية، وقد يكون خطوة إضافية من ضمن خطوات عدة لإيجاد بدائل للدولار، حسبما نشر موقع Business Insider الأمريكي.
ففي أعقاب الهجوم الروسي على أوكرانيا، حُرمت بعض البنوك الروسية من استخدام نظام سويفت، الذي يتيح للبنوك تنفيذ المعاملات المالية العالمية. وهذا الحظر أعاق المعاملات الخارجية للأنظمة التجارية والمالية الروسية، وهذا أدى إلى عزل البلاد اقتصادياً.
والآن، تسعى روسيا والصين لإيجاد بدائل لهيمنة الدولار الأمريكي، بحسب تقرير المجلة الأمريكية. إذ تعتمد روسيا نظام دفع بديلاً يتعامل بالروبل يسمى نظام تحويل الرسائل المالية (SPFS). وقد أُنشئ هذا النظام عام 2014. وأواخر أبريل/نيسان، قال البنك المركزي الروسي إنه لن يعلن أسماء المشاركين فيه.
نظام الدفع بين البنوك عبر الحدود في الصين (CIPS)- الذي يتعامل باليوان الصيني- بإمكانه أيضاً أن يحل محل نظام سويفت، حسبما يقول بيتر كينان، الشريك المؤسس للنظام والرئيس التنفيذي لشركة Apexx، وهي شركة مدفوعات كانت تتعاون مع بطاقة الدفع Mir المحلية في روسيا.
وأضاف: “إن هذا النظام له شبكة تمتد لـ1280 مؤسسة مالية على عكس شبكة SPFS الأصغر بكثير التي لا تضم أكثر من 400 مستخدم”.
وقال كينان لموقع Insider إن بدائل نظام سويفت قليلة، و”هذا أحد الأسباب التي دفعت روسيا لدراسة استخدام CIPS وبديل للمدفوعات الآسيوية على وجه التحديد”.
وأطلق البنك المركزي الصيني نظام CIPS عام 2015، بهدف تدويل استخدام اليوان، وما زال نظام CIPS يعتمد بدرجة كبيرة على سويفت في التعاملات الخارجية، ولكن بإمكانه العمل على نظام تحويلات يخصه، حسبما يقول بي إس سرينيفاس، أستاذ الأبحاث الزائر في معهد شرق آسيا بجامعة سنغافورة الوطنية.
من ناحية أخرى، يقتصر برنامج SPFS الروسي على الاستخدام المحلي. وكتب سرينيفاس في تقرير صدر في مارس/آذار الماضي، أنه يُستبعد أن ينضم إليه أعضاء جدد الآن، إذ قد تفسر الولايات المتحدة وحلفاؤها هذه الخطوة على أنها محاولة لمساعدة روسيا على التهرب من العقوبات. لكن موسكو تعمل مع بكين لربطها بنظام CIPS للتغلب على حظر سويفت، حسبما ذكرت وكالة رويترز.
7- روسيا والصين تطرحان على دول البريكس فكرة عملة احتياطية جديدة
في مسعى مهم لإيجاد بدائل للدولار، أطلقت روسيا والصين في العام الماضي محادثات لتطوير عملة احتياطية جديدة مع بقية دول مجموعة بريكس، في تحدٍّ واضح لهيمنة الدولار.
ومن المفترض أن تعتمد عملة الاحتياطي الجديدة على سلة عملات من الدول الأعضاء في المجموعة، وهي: البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا.
وتسعى روسيا والصين -خاصة بعد الحرب الأوكرانية- لتقوية وتوسيع مجموعة بريكس التي تحاول مقارعة تكتلات كبرى مثل مجموعتي السبع والعشرين.
وأعلنت بورنيما أناند، رئيسة المنتدى الدولي لدول مجموعة “بريكس”، مؤخراً عن احتمال انضمام تركيا ومصر والسعودية إلى “بريكس”، في القريب العاجل، كما أعلنت الجزائر بشكل رسمي إيداع ملف رسمي لطلب الانضمام إلى المجموعة.
هل تظهر بدائل الدولار قريباً؟ الأمر يتوقف على قرار صيني
يمكن القول إن عصر هيمنة الدولار كعملة احتياطية أصبح إلى زوال، بالتزامن مع تنويع البنوك المركزية لحيازاتها من العملات الأخرى، مثل اليوان الصيني والكرونة السويدية والوون الكوري الجنوبي، وفقاً لصندوق النقد الدولي.
ولكن الأمر يحتاج إلى وقت.
فبينما أظهرت الحرب الأوكرانية وما تبعتها من عقوبات غربية غير مسبوقة في التاريخ ضد دولة كبيرة مثل روسيا، مخاطر هيمنة الدولار على كثير من دول العالم، ويتوقع أن تعطي زخماً لفكرة بدائل الدولار، إلا أن هناك عوامل عدة تبطئ هذا التوجه.
أول هذه العوامل ما يمكن تسميته بعامل المؤسس أو تفوق المؤسس، أي أن الدولار لديه ميزة أمام منافسيه هي كونه المؤسس الأول للنظام المالي الحالي؛ الأمر الذي يجعل استبداله صعباً ما لم يكن هناك تغيير جذري في الظروف.
كما أن قوة الاقتصاد الأمريكي وتنوعه وبالأخض عمق أسواقه والشفافية التي تميزه ما زالت مفتقدة لدى الصين، الأكثر غموضاً بالنسبة للعالم الخارجي.
والاقتصاد الأمريكي أكبر اقتصاد في العالم بفارق نحو النصف عن الصين، ولكن الاقتصاد الصيني يصبح أكبر اقتصاد في العالم إذا تم القياس وفق معيار القوة الشرائية للدولار في الصين، كما أن بكين أكبر مصدر ومستهلك للنفط في العالم.
وهناك مفارقات تتعلق بقوة الاقتصاد الأمريكي أنه الثالث في التصدير لسنوات (أصبح الثاني في 2022 بسبب ارتفاع أسعار الطاقة) والأول في الاستيراد، وهذا يعني أنه إذا كانت الصين هي مصنع الأول وورشة العالم الكبرى، فإن أمريكا هي المستورد الأكبر، وبالأخص السوق الأكبر لصادرات بكين التي تعتمد على ازدهار أمريكا ونهمها الاستهلاكي، مما يجعل قوة الدولار مقابل اليوان ميزة للصين؛ لأنها تجعل صادراتها أرخص في السوق الأمريكية.
كما أن تحول الولايات المتحدة لمصدر صاف للطاقة مع ارتفاع أسعار النفط والغاز، يجعل اقتصادها أكثر قوة، في وقت يكتوي اقتصادا أوروبا والصين بأسعار الطاقة المرتفعة.
إضافة لذلك، فإن هيمنة الدولار، ليست نابعة من قوة اقتصاد أمريكا وحده بل تحالفاتها مع أوروبا وأستراليا واليابان وكوريا الجنوبية، وهي الدول الرئيسية في التجارة والتكنولوجيا في العالم.
وهذه الدول بما فيها أمريكا تسيطر على النقاط الأكثر صعوبة في الاستبدال في سلسلة التوريد العالمية؛ كونها صاحبة الأسواق الاستهلاكية الأضخم والتكنولوجيات الأكثر تقدماً التي لا ينتجها منافسو الغرب (مثل المحركات ومعالجات الأجهزة الإلكترونية)، والولايات المتحدة تهيمن على صناعة السويفت وير في العالم وشركاتها تهيمن على خدمات الإنترنت.
كما أن أمريكا وحلفاءها بحوزتهم الجزء الأكبر من المراكز والمؤسسات والأسواق المالية العالمية، إضافة لدورهم المؤسس والمهيمن على المنظمات الاقتصادية والمالية المتعددة الجنسيات مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
يؤشر كل ما سبق ليس لاستحالة إيجاد بدائل للدولار، ولكن أن الأمر يحتاج إلى وقت، ويبدو أن الصين التي هي القاسم المشترك في معظم الخطط السابقة، تسعى لإيجاد بدائل للدولار ولكن بشكل تدريجي، وبطريقة لا تؤثر على استفادتها هي نفسها من قوة الدولار، بحيث عندما يحين الوقت أو عندما يسارع الغرب لمحاصرتها تكون بدائل الدولار قد نضجت وجاهزة للعمل، بل قد تحاول ساعتها الإجهاز على هيمنته التي دامت عقوداً طويلة.
عربي بوست