أزمة زواج أم أزمة مجتمعات؟

ريما فارس – خاص الناشر |

الزواج في الإسلام ليس مجرد علاقة اجتماعية، بل مؤسسة مقدسة تحمي الفطرة وتضمن استمرار المجتمع. فهو يمنح الرجل والمرأة تكاملًا ومسؤوليات واضحة، ويقي الأسرة من الانحراف، وإن أُعرض عنه فقد المجتمع توازنه وفقدت الفطرة مسارها الطبيعي. حماية الزواج والفطرة ليست خيارًا شخصيًا، بل واجب ديني واجتماعي لضمان بقاء الأمة واستقرارها.

وفي هذا السياق، أظهرت الدراسات الصينية الحديثة تراجع الصفات الذكورية لدى الأجيال الناشئة بسبب خلل في التربية الجنسية، حتى اعتبر المسؤولون الأمر مسألة أمن قومي. فغياب التوازن بين الرجل والمرأة يؤدي إلى مجتمع هشّ، يفقد القدرة على الاستمرارية والدفاع عن نفسه. ونتيجة لذلك، أطلقت الصين خططًا تعليمية لتعزيز الرجولة منذ رياض الأطفال وحتى الثانوية، تشمل زيادة عدد المعلمين الرجال، وتشجيع الرياضات الجماعية، وتقليل الانغماس في الألعاب الإلكترونية، بهدف صون الفطرة والقيم الأساسية.

وهنا يلتقي هذا التحرك مع تحذيرات سماحة السيد حسن نصر الله(رحمه الله)، الذي نبّه إلى أن انتشار المثلية وإضعاف الزواج الطبيعي لا يهدد الأخلاق فقط، بل يهدد وجود المجتمع ذاته. فغياب الإنجاب وممارسة ما يُقصي العلاقة الطبيعية بين الرجل والمرأة يؤدي إلى شيخوخة سكانية وانحسار الأمم، ويضع مستقبل الأجيال المقبلة على المحك.

القضية إذًا ليست مجرد خيار فردي، بل مسألة قومية واجتماعية، والتربية والمدارس هي ساحة الصراع الأولى؛ فإما أن تُبنى أجيال متوازنة تحافظ على قيم الفطرة والأسرة، أو تُترك لتتأثر بثقافات تهدد الهوية. لذلك، لا يكفي النداء الأخلاقي، بل يلزم تخطيط منهجي يبدأ من الأسرة والمدرسة ويمتد إلى السياسات العامة لضمان توازن الفطرة مع الضوابط الشرعية والاجتماعية.

الإسلام يقدم إطارًا متكاملًا يحمي الفرد والأسرة والمجتمع، ويكرم التكاثر ويضع حدودًا تمنع الانحرافات. فحماية العائلة ليست بفرض قيود جامدة، بل تأمين بيئة متوازنة تمنح كل فطرة مسارها الطبيعي وتقي المجتمع من الانكماش السكاني.

إن الجمع بين التجربة الصينية وتحذيرات سماحة السيد هو حقيقة واحدة: الفطرة تحتاج إلى رعاية وتعليم صحيح ومؤسسات مسؤولة. فالإهمال لا يضر فردًا واحدًا فحسب، بل يهدد بقاء المجتمع كله.

هل أصبح تجاهل التربية الصحيحة الزواج الطبيعي اليوم سببًا مباشرًا في هشاشة مجتمعنا وغياب قيم الفطرة؟

الاسرةالزواجالمجتمع