نشرت مجلة «بوبيولار ميكانكس» الأمريكية التي تهتم بالشؤون العلمية والتقنية تقريرًا أعدَّه الكاتب كايل ميزوكامي يُسلِّط فيه الضوء على خطط علماء الوكالة الأمريكية لمشروعات الأبحاث الدفاعية المتقدمة «داربا»، ذراع البحث والتطوير في البنتاغون، لتصميم جيل جديد من الطائرات البحرية يستفيد من تأثير الأرض في الأجنحة وذلك لنقل القوات والدبابات والصواريخ بسرعة عبر محيطات العالم كافة.
يسعى قسم العلماء الاستثنائيين في وزارة الدفاع الأمريكية لتطوير طائرة يمكنها أيضًا الاستفادة من تأثير «الأرض في الأجنحة».
الطائرة الملقبة بـ ليبرتي ليفتر (Liberty Lifter) تقطع مسافات شاسعة فوق سطح المحيط.
الهدف هو طائرة يمكنها إيصال شحنات النقل الثقيل إلى الجزر والقواعد البحرية النائية.
الاستفادة من تأثير الأرض في الأجنحة
يبدأ الكاتب، المتخصص في الشؤون الدفاعية والأمنية، تقريره بالإشارة إلى أن وكالة مشروعات الأبحاث الدفاعية المتقدمة داربا (DARPA) أعلنت في الأسبوع الماضي عن مشروع جديد يبدو مألوفًا لمهووسي الطائرات والسفن، إذ ستستفيد طائرة ليبرتي ليفتر المائية من «تأثير الأرض في جناح الطائرة (WIG)» (يرتفع ضغط الهواء تحت الجناح وينخفض الضغط فوقه تحت تأثير الحركة، فتنشأ قوة رفع على الجناح إلى أعلى) الذي كانت تستخدمه الطائرات التي تعود إلى الحقبة السوفيتية، بما في ذلك «وحش بحر قزوين» السيئة السمعة، لنقل البضائع لآلاف الأميال وعبر مسافات مثل المحيطين الهندي والهادئ. وعلى الرغم من أن هذه التكنولوجيا جرَّبها الاتحاد السوفيتي ثم تخلَّي عنها، يبدو أن داربا تعتقد أنها تستحق نظرة ثانية.
وصرحت وكالة داربا في بيان صحفي صدر في 18 مايو (آيار) أن طائرة ليبرتي ليفتر «ستجمع بين الرفع الإستراتيجي السريع والمرن للأحمال الكبيرة والثقيلة جدًّا والقدرة على الإقلاع/الهبوط في الماء». ويتابع البيان: «سيُمكِّنها هيكلها من التحكم الشديد في الطيران بالقرب من أسطح المياه المضطربة واستمرار التحليق في الارتفاعات المتوسطة». وتشير الوكالة إلى أن النقل البحري التقليدي باستخدام سفن الشحن فعَّال للغاية ولكنه بطيء ويعتمد على استخدام الموانئ. أما الشحن الجوي فهو سريع، لكنه يعتمد على المطارات التي يجب الاستيلاء عليها أولًا في أوقات الحرب.
وأوضح الكاتب أن طائرة ليبرتي ليفتر سوف تستخدم تأثير الأرض على الأجنحة للحركة، وهو ما من شأنه إنتاج مركبة يمكنها نقل أحمال بحجم سفينة النقل، والتحليق على نحو أسرع بكثير من السفينة مع القدرة على الإقلاع والهبوط من الماء. ويشير تأثير الأرض في الأجنحة (ويج) إلى الظاهرة التي يزداد فيها الرفع عندما تطير المركبة بالقرب من سطح الأرض، بينما تنخفض السحب، ويكون نطاق التأثير عمومًا بعرض أجنحة الطائرة. وتُعد المركبة العاملة في هذه النطاق الضيق جدًّا أكثر كفاءة في استهلاك الوقود، إذ أنها تستخدم كمية الوقود نفسه مثل الطائرة العادية.
وأشار الكاتب إلى أن طائرات ويج (التي تستفيد من التأثير الأرضي على الأجنحة) من الناحية الفنية، تستخدم الأجنحة لتوليد الرفع، والتحرك بسرعات منخفضة للطائرات (350 ميلًا في الساعة)، ولكن لديها هياكل على شكل قارب للإقلاع والهبوط في الماء. وتشبه الطائرة إلى حد ما الطائرات المائية التقليدية، لكنها تقليديًّا لا تستطيع التحليق خارج نطاق تأثير الأرض في الأجنحة.
وحش البحر الطائر
ونوَّه الكاتب إلى أن الاتحاد السوفيتي طَوَّر عدة أنواع من طائرات ويج خلال الحرب الباردة، بما في ذلك «وحش بحر قزوين» الشهير. وتضمنت مركبة ويج السوفيتية نماذج تحمل صواريخ مضادة للسفن وأخرى يمكن أن تحمل مشاة البحرية السوفيتية.
وأحد أشهر الأمثلة كانت الطائرة من طراز لون (Lun)، المعروفة بالعامية باسم «وحش البحر الطائر». وكان يبلغ طولها 240 قدمًا وارتفاعها 63 قدمًا، بينما كان يبلغ طول جناحيها 144 قدمًا. وكان يمكن للمركبة من هذا الطراز حمل 100 طن من القوات والمعدات بسرعة قصوى تبلغ 342 ميلًا في الساعة إلى مدى يصل إلى 1.080 ميلًا. وكذلك كان يمكن تسليحها بستة صواريخ من طراز بي-270 موسكيت المضادة للسفن وأربعة مدافع آلية عيار 23 ملم. وبلغ طول أكبر سفينة سوفيتية ويج، كيه إم، 301 قدمًا وكانت سرعتها القصوى 279 ميلًا في الساعة.
عقبات الطراز السوفيتي
ولفت الكاتب إلى أن مركبات ويج السوفيتية واجهت مشكلتين؛ تتمثل الأولى في أنها اقتصرت على الطيران/الإبحار في طقس جيد نسبيًّا والبحار الهادئة، إذ يمكن أن ترتفع موجة طويلة لتسحق الطائرة في الجو، أما المشكلة الثانية فهي أن المركبة، مثل جميع الطائرات، تستخدم المَيْل للالتفاف، مما يجعلها ترفع جناحًا وتُخفض الجناح المقابل.. ويحتمل أن يحدث هذا في المحيط. وتفاقمت المشكلة بسبب حقيقة أنه إذا حاولت مركبة ويج الالتفاف، فإنها ستضطر للارتفاع حتى يبتعد الجناح المنخفض عن سطح الماء، وهو ما يعني أن المركبة ستنتقل خارج نطاق التأثير الأرضي وتفقد الارتفاع. ونتيجةً لذلك، يجب أن تستدير طائرات ويج ببطء وعناية شديدين.
ويُعد إتقان الطيران ذي التأثير الأرضي أمرًا صعبًا للغاية لدرجة أنه لم تقم أي دولة بإجراء بحث وتطوير على مركبة ويج منذ نهاية الحرب الباردة. وقد تفاخرت روسيا بعرض مفاهيم ونماذج لمركبات ويج، لكن الطائرة الفعلية لم تخرج أبدًا إلى النور. وفي عام 2002، أعلنت شركة «بوينج» أنها تدرس مشروع طائرة جديدة، بيليكان (Pelican)، والتي يمكن أن تحمل 1.400 طن من البضائع لمسافة تصل إلى 10 آلاف ميل فوق المياه. ولم يخرج شيء من هذا القبيل إلى النور أيضًا.
حلول محتملة
ويتابع الكاتب قائلًا: يبدو أن لدى داربا حَلَّين لمخاطر تحليق مركبات ويج. الأول هو أن الطائرة ستكون قوية بما يكفي لتحمل ضربات الأمواج، باستخدام «حلول تصميم مبتكرة لامتصاص قوى الموجة». وثانيًا، إذا واجهت طائرة ليبرتي ليفتر مياه مضطربة، يمكنها ببساطة التحليق فوقها: على عكس مركبة ويج الأخرى، ستكون ليبرتي ليفتر قادرة على الطيران لمسافة تصل إلى 10 آلاف قدم كحد أقصى.
ويختم الكاتب تقريره فيقول: يمكن لمركبة ليبرتي ليفتر ببساطة الاقتراب من الشاطئ، والنزول لمنحدر، وتفريغ المركبات المدرعة والصواريخ المضادة للسفن على الشاطئ مباشرةً. وستكون ليبرتي ليفتر مفيدة للغاية فيما يتعلق بإمكانية الوصول إلى جزر الصين العسكرية في بحر الصين الجنوبي، والتي يركز عليها جيدًا مشاة البحرية الأمريكية في حالة اندلاع حرب. وفي حال تمكنت داربا من إنجاز هذا التصميم، حينئذ يمكن لجيل جديد من الطائرات ذات التأثير الأرضي في الأجنحة إعادة كتابة القواعد الخاصة بالخدمات اللوجستية في زمن الحرب.
ساسة بوست