نشرت مجلة «ناشيونال إنترست» تقريرًا يستعرض أبرز المشكلات التي تواجهها القوات البحرية الأمريكية، وأشار التقرير الذي أعدَّه ديفيد أكس، رئيس تحرير الشؤون الدفاعية في المجلة الأمريكية، إلى أنه في ظِل نقص أحواض بناء السفن في الولايات المتحدة، قد لا تتمكن القوات البحرية الأمريكية من إصلاح الضرر الذي تتعرَّض له السفن في وقت يسمح بإحداث فرقٍ في الصراع.
البحرية الأمريكية.. حالة مُزرية
يستهل الكاتب تقريره بالقول إن القاعدة الصناعية للبحرية الأمريكية تعاني من حالة مُزرية؛ إذ يوجد عدد قليل للغاية من أحواض بناء السفن التي تعمل ببطء شديد لكي تعجِّل بتوسيع نطاق الأسطول الأمريكي، وفي وقت الحرب، ستواجه أحواض بناء السفن صعوبات تتعلَّق بإصلاح السفن التي تضرَّرت في المعارك.
وكان هذا هو الاستنتاج الكارثي الذي توصَّل إليه ويليام هوكينز، وهو باحث سابق في الكونجرس الأمريكي، عندما درس تقارير بناء السفن الحكومية، وأعرب هوكينز عن قلقه في مقالٍ نشرته مجلة «بروسيدينجس» التي يصدرها معهد القوات البحرية الأمريكية في عدد أغسطس (آب) 2019.
وأمعن هوكينز النظر في تقريرين حديثين قدَّمتهما البحرية الأمريكية إلى الكونجرس، وهما: الخطة السنوية الطويلة المدى لبناء السفن البحرية للسنة المالية 2020، والخطة الطويلة المدى لصيانة السفن البحرية وتحديثها للسنة المالية 2020، وبحسب ما خلص إليه هوكينز؛ لا تتمتَّع أحواض بناء السفن بقدرات تكفي لزيادة عدد سفن الأسطول إلى هدفه المُتمثِّل في 355 سفينة من سفن خطوط المواجهة الأمامية، موازنةً بنحو 290 سفينة قيد الخدمة حاليًا.
وأشار هوكينز – بالنسبة إلى التوسع في عدد القطع – إلى أن «شركات بناء السفن تبدو واثقة من قدرتها على إنتاج سفن حربية وفقًا للجدول الزمني الذي وضعته البحرية الأمريكية، ولكنَّ ذلك يرجع إلى حدٍّ كبيرٍ إلى أن عامل سرعة البناء بالنسبة للسفن لا يمثِّل أهمية»، وأضاف: «لن نصل إلى الهدف البالغ 355 سفينة حتى عام 2034؛ أي إن الولايات المتحدة ستشهد إجراء أربعة انتخابات رئاسية وسبعة انتخابات للكونجرس قبل بناء ذلك العدد من السفن، ما يشكِّل مخاطر تتعلَّق باستمرارية عملية البناء».
11 حوضًا أمريكيًّا لبناء السفن
ويؤكد الكاتب أن البحرية الأمريكية تمتلك أربعة أحواض بناء السفن، كما تمتلك أربع شركات خاصة فيما بينها سبعة أحواض أخرى؛ ومن ثمَّ، يبلغ العدد الإجمالي لأحواض بناء السفن 11 حوضًا يمتلكها الأسطول البحري الأمريكي الذي قد يرتفع عدد سفنه إلى 355 سفينة، من دون احتساب عشرات السفن التي تقدم مساعدات، فضلًا عن سفن خفر السواحل.
وكتب هوكينز: «في ظِل متطلبات بناء السفن، يبدو أننا نفتقر إلى القدرة على إصلاح الأضرار الناجمة عن الدخول في معارك في أحد مسارح الحرب البعيدة مثل بحر الصين الجنوبي»، وتابع قائلًا: «يطالب تقرير الصيانة والتحديث بتوسيع نطاق جهود صيانة السفن ليزداد عدد أحواض بناء السفن الجافة عن العدد الحالي البالغ 21 حوضًا على ساحل المحيط الهادئ المتاخم للولايات المتحدة، وذلك للحد من الأعمال المتراكمة الحالية وفقًا للترتيبات المعتادة، وعندما يتأخر حدوث شيء عن الموعد المُخطَّط له، يجب اتخاذ تدابير استثنائية».
ويستشهد هوكينز بالسفينة المُدمِّرَة «يو إس إس فيتزجيرالد» بوصفها مثالًا تحذيريًّا، إذ اصطدمت المُدمِّرة فيتزجيرالد بسفينة تجارية قبالة الساحل الياباني في يونيو (حزيران) 2017، وتعرضت السفينة المُدمِّرَة من طراز «أرلي برك» لأضرار جسيمة، وأضاف هوكينز: «في البداية، سلكت السفينة الحربية طريقها ببطء صوب اليابان لتقييم حالتها قبل إعادتها إلى الولايات المتحدة من أجل إصلاحها».
ويستدرك التقرير: غير أن البحرية الأمريكية لم تتمكَّن من إصلاحها في أي حوض من أحواض بناء السفن التي تقع في المحيط الهادئ؛ واضطرَّت إلى نقلها إلى حوض «إنجالس» لبناء السفن، وهو أحد الأحواض الجافة التي تقع في مدينة باسكاجولا في ولاية (ميسيسيبي)، ويُعد حوض إنجالس أبرز مواقع بناء السفن من طراز «أرلي برك»؛ إذ بنى الحوض 30 سفينة بالإضافة إلى مزيد من السفن قيد التعاقد.
وفي ذلك الوقت، صرَّحت البحرية الأمريكية قائلة: «يتمتع حوض إنجالس بالقدرة على إعادة المُدمِّرة «يو إس إس فيتزجيرالد» إلى طاقتها التشغيلية الكاملة في أقصر مدة زمنية، بدايةً من إصلاح أدنى خلل ومرورًا بالإصلاحات المستمرة، ووصولًا إلى أعمال بناء السفن الجديدة».
وينوِّه التقرير إلى أن شركة باتريوت شيبينج التي يقع مقرها في مدينة هيوستن، وفَّرت سفينة الرفع الثقيل اللازمة لنقل سفينة فيتزجيرالد إلى الشواطئ الأمريكية. ولم تصل فيتزجيرالد إلى مدينة باسكاجولا حتى يناير (كانون الثاني) 2018، كما لم تغادر المُدمِّرة الحوض الجاف في باسكاجولا حتى منتصف أبريل (نيسان) 2019، أي بعد مرور 22 شهرًا من حادثة الاصطدام.
نقاط ضعف البحرية الأمريكية: أمثلة تحذيرية
وأشار هوكينز إلى أن هناك كثيرًا من الأمثلة التحذيرية الأخرى، وأضاف: «عندما تضرَّرت السفينة المُدمِّرة يو إس إس كول (طراز دي دي جي-67) في هجوم انتحاري في مدينة عدن (اليمن) في أكتوبر (تشرين الأول) 2000، اضطرت البحرية الأمريكية أيضًا إلى نقلها على متن سفينة هولندية ذات حمولة ثقيلة إلى الولايات المتحدة بغية إصلاحها، ولم تغادر المُدمِّرَة حوضها الجاف في مدينة باسكاجولا حتى سبتمبر (أيلول) 2001، بعد أن قضت مدة أقصر من المدة التي قضتها المُدمِّرَة فيتزجيرالد؛ وذلك لأن الأضرار التي لحقتها لم تكن فادحة».
ووفقًا للتقرير، هناك حالة أخرى، وهي المُدمِّرة «يو إس إس جون إس ماكين»، التي اصطدمت بسفينة تجارية بالقرب من سنغافورة في أغسطس 2017. وكتب هاوكينز: «أُصلِحَت السفينة في اليابان، حيث رسَت في موانئها، بدلًا من نقلها إلى الولايات المتحدة».
وظلَّت المُدمِّرَة في حوض يوكوهاما الجاف بداية من يناير 2018 حتى أواخر نوفمبر (تشرين الثاني)، أي بعد مرور 15 شهرًا على وقوع الحادث، وفي حالة اندلاع أي حرب بحرية على حافة الهادئ، نأمل أن تكون اليابان حليفًا نشطًا وتتوفر مرافِقه البحرية للسفن الحربية الأمريكية. ومع ذلك، قد تُزاحِم السفن اليابانية المتضررة من المشاركة في المعارك نظيرتها الأمريكية المتضررة هي الأخرى عند الحاجة إلى أعمال تصليح، وقد تتعرض أحواض السفن اليابانية للهجوم نظرًا إلى قُربها من مسرح القتال.
ويؤكد التقرير أن كل حادثة من حوادث المُدمِّرات هذه تضمَّنت سفينة واحدة فقط، ولم تكن هناك أي سفينة كبيرة من نوعٍ خاص، ويطرح الكاتب سؤالين: كم سفينة حربية قد تتضرر في مدة قصيرة أثناء الحرب ضد خصم كبير؟ وهل تتضمَّن هذه السفن الحربية سفنًا ذات حجم أكبر: أي الطرَّادات والسفن الهجومية البرمائية وحاملات الطائرات؟
واختتم الكاتب تقريره مستشهدًا بالاقتباس الذي نقله هوكينز في مقاله عن تقرير لجنة إستراتيجية الدفاع الوطني الصادر عام 2018 والذي جاء فيه: «في أثناء مواجهة عدو مُجهَّز بقدرات متقدمة لمنع الوصول/الدخول، يمكن أن يؤدي ذلك إلى استنزاف ضخم في الأصول الرأسمالية الأمريكية، أي السفن والطائرات والدبابات».
ساسة بوست