قاعدة وادي سيدنا الجوية.. مفتاح الحُكم في الخرطوم

تعدّ السيطرة على قاعدة وادي سيدنا الجوية مفتاح نجاح أو فشل أي انقلاب عسكري في السودان، ومن دون تحييدها لا يمكن إخضاع العاصمة الخرطوم.

واليوم تلعب قاعدة وادي سيدنا الجوية دورًا إستراتيجيًا في المعارك الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ أكثر من شهر، كما لعبته طوال نصف قرن مضى.

فقاعدة وادي سيدنا الجوية التي تقع شمالي أم درمان على بعد 22 كلم من مركز العاصمة السودانية الخرطوم، تضمّ مطارًا مدنيًا، وبالمحاذاة منها تقع الكلية الحربية بمعاهدها المتخصصة مثل المشاة والمظليين، وأيضًا “مجمع الصافات للتصنيع العسكري” المتخصّص في صناعة مختلف أشكال الطائرات المدنية والعسكرية وصيانتها وتطويرها وتحديثها.

وتلعب قاعدة وادي سيدنا الجوية الدور الأبرز في هجمات الجيش على قوات الدعم السريع، وخاصة معسكرات القوات داخل الخرطوم الكبرى (نحو 11 معسكرًا)، ونقاط تمركزها بالمحاور الإستراتيجية، وبالأخص رؤوس الجسور التي تربط مدن العاصمة الثلاث (الخرطوم، والخرطوم بحري، وأم درمان).

كما استهدفت المقاتلات والمروحيات الهجومية المنطلقة من قاعدة وادي سيدنا، خطوط إمداد قوات الدعم السريع القادمة من إقليم دارفور وولاية شمال كردفان، باتجاه الخرطوم على طول نحو ألف كلم.

فطول خطوط الإمداد وانكشافها أمام الطيران، يعدّ من نقاط الضعف الرئيسية لقوات الدعم السريع، ومما أعاق إحكام سيطرتها على العاصمة.

إنسانيًا، لعبت قاعدة وادي سيدنا الجوية دورًا بارزًا في إجلاء دبلوماسيين ورعايا أجانب من نحو 40 جنسية، بينهم أتراك وأميركيون وبريطانيون ومصريون وألمان، مما أبرز أهميتها الإستراتيجية.

لكنَّ تعرّض طائرة إجلاء تركية لإطلاق نار، أدّى إلى توقف عمليات الإجلاء بالقاعدة، رغم أنها كانت الطريق الأكثر أمنا مقارنة بطريق الخرطوم بورتسودان (800 كلم/ شرق).

لماذا لم تسيطر “الدعم السريع” عليها؟

على الرغم من أنها أكبر قاعدة جوية في السودان، وتمثل مفتاح نجاح أي انقلاب عسكري، ومنها وجّه الجيش أعنف الضربات الجوية لقوات الدعم السريع، فإنه من المستغرب أن الأخيرة لم تقم بهجوم للسيطرة عليها، رغم أنها قريبة من مواقع انتشارها في أم درمان.

والمفارقة، أن قوات الدعم السريع -مع بداية هجومها- كان هدفها الأول السيطرة على المطارات والقواعد الجوية، على غرار قاعدة مروي الجوية في الولاية “الشمالية”، ومطار الخرطوم الدولي، ثم مطار نيالا، بولاية جنوب دارفور (غرب)، بينما أخفقت في السيطرة على قاعدة الفاشر الجوية بولاية شمال دارفور (غرب)، وعلى قاعدة الأُبيِّض الجوية في شمال كردفان (وسط).

والإجابة عن هذا التساؤل أبرزته صفحات منسوبة للجيش السوداني على شبكات التواصل الاجتماعي، أشارت إلى أن قوات الدعم السريع كانت تستعد لمهاجمة قاعدة وادي سيدنا انطلاقًا من معسكر كرري في شمال أم درمان، والذي لا يبعد سوى بضعة كيلومترات عن القاعدة ويضم نحو 5 آلاف مقاتل.

لكنّ طيران الجيش السوداني باغت قوات الدعم السريع في معسكر كرري بقصف كثيف عبر 10 طائرات هجومية، وفق تقارير إعلامية، مما أدى إلى انسحاب عناصرها من المعسكر، وسيطرة الجيش عليه.

وبثّت صفحات مقرّبة من الجيش فيديوهات قالت إنها لقوات الجيش داخل معسكر كرري، بعد انسحاب قوات الدعم السريع منه.

وسرعة تحرّك الجيش في قصف معسكر كرري قبل تحرّك قوات الدعم السريع للاستيلاء على قاعدة وادي سيدنا، يعكس أنه كان يستعد مسبقًا لمثل هذا السيناريو.

ويرى مراقبون أن سقوط قاعدة وادي سيدنا الجوية بيد قوات الدعم السريع كان من شأنه تغيير مجرى المعارك في الخرطوم، بالنظر للدور الذي تلعبه حاليا في الميدان.

وأكد مصدر عسكري في الجيش السوداني إحباط هجوم واسع لقوات الدعم السريع على القاعدة العسكرية الجوية في منطقة “وادي سيدنا” بأم درمان، وكانت سبقت تلك المحاولة 3 محاولات أخرى لتدميرها أو إخراجها من الخدمة.

أهمية إستراتيجية

والقاعدة مؤمّنة شرقًا عبر نهر النيل، وأقرب جسر منها للعبور من ضفة خرطوم بحري إلى ضفة أم درمان يقع جنوب المنطقة العسكرية بوادي سيدنا، ويدعى جسر حلفايا، ويخضع لسيطرة الجيش، مما يصعب أكثر من قدرة قوات الدعم السريع على المناورة لاستهداف القاعدة الجوية.

فبعد خروج مطار الخرطوم الدولي من الخدمة بسبب الاشتباكات، وكذلك اقتحام قوات الدعم السريع لقاعدة جبل أولياء (جنوب الخرطوم) التي تستخدم مهبطا للمروحيات، فإن قاعدة وادي سيدنا أصبحت المنفذ الجوي الوحيد للعاصمة نحو الخارج.

الوضع الجديد جعل دور قاعدة وادي سيدنا إستراتيجيًا وحيويًا على أكثر من صعيد، خاصة مع احتمال طول أمد الحرب، وحاجة أطراف الصراع لدعم خارجي بالأسلحة والذخائر.

مفتاح السيطرة على الخرطوم

وبرزت الأهمية الإستراتيجية لقاعدة وادي سيدنا منذ إنشائها عام 1967، عندما استخدمت قاعدةً خلفية لاستقبال وتأمين الطائرات الحربية المصرية في حرب الأيام الستة من نفس السنة، عندما تعرضت القواعد الجوية المصرية لغارات إسرائيلية شاملة.

كما برزت القاعدة في الانقلابين العسكريين الناجحين الذين قادهما كل من العقيد جعفر نميري عام 1969، والعقيد عمر حسن البشير عام 1989.

وكانت هذه القاعدة من النقاط المستهدفة فيما يعرف “بعملية المرتزقة” عام 1976، التي حاول فيها النظام الليبي بزعامة معمر القذافي الإطاحة بنظام نميري في السودان، عبر تدريب مجموعات من المعارضة السودانية، ووضع خطة للسيطرة على الخرطوم.

زعيم حركة العدل والمساواة في دارفور إبراهيم خليل، وضع هو الآخر قاعدة وادي سيدنا الجوية ضمن أهدافه للسيطرة على العاصمة، عندما زحف من معاقله البعيدة في الإقليم عام 2008.

وقسّم خليل، قواته إلى ثلاثة فرق: الأول قاده نحو الخرطوم، والثاني نحو مقر الإذاعة والتلفزيون بأم درمان، والثالث توجّه نحو المنطقة العسكرية بوادي سيدنا.

فقاعدة وادي سيدنا الجوية كانت دوما هدفا للطامحين والطامعين في حكم الخرطوم، ومنها بسط السيطرة والنفوذ على كامل البلاد، بالنظر إلى الطابع المركزي للدولة.

فمن دون السيطرة على هذه القاعدة، لن تتمكن قوات الدعم السريع من إحكام قبضتها على العاصمة الثلاثية، حتى لو سيطرت على كامل مقرات القيادة العسكرية والقصر الجمهوري والإذاعة والتلفزيون ومطار الخرطوم ومهبط المروحيات بجبل أولياء.

وهذا السيناريو يدفع لتوقع أن تحاول قوات الدعم السريع تكثيف محاولاتها للسيطرة على قاعدة وادي سيدنا الجوية، وإلا فإنها ستتعرض للاستنزاف من حيث الذخائر والوقود، وبدرجة أقل المؤن.

الأناضول

اساسيالبرهانالسودانحميدتي