عرض الأدميرال كريستوفر ميلر، آخر وزير دفاع في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، رواية مختلفة حول قرار وإستراتيجية الانسحاب من أفغانستان.
وكشف ميلر -في كتابه له صدر منذ أيام بعنوان “وزير الجنود.. تحذيرات من ساحة القتال والبنتاغون حول أخطر أعداء أميركا”- أن ترامب اقتنع بضرورة بقاء مئات العسكريين من أفراد القوات الخاصة ومكافحة الإرهاب حتى عقب استكمال تطبيق نصوص اتفاق الدوحة بين واشنطن وحركة طالبان.
وصدر الكتاب في السابع من شباط الجاري، وجاء في 265 صفحة، وتناول حياة القائم بأعمال وزير الدفاع الذي عُين بعدما خسر ترامب الانتخابات الرئاسية وبقي في منصبه حتى تنصيب جو بايدن رئيسيا في 20 كانون الثاني 2021.
مشاعر معقدة تجاه أفغانستان
بدأت علاقة ميلر بأفغانستان عقب هجمات 11 أيلول 2001 عندما كان ضمن الفوج الأول من القوات الخاصة التي دخلتها بداية الحرب التي استمرت حتى منتصف 2021.
ووقّعت إدارة ترامب في 29 شباط 2020 اتفاقية سلام الدوحة، والتي تضمنت انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان في غضون 14 شهرا، وهو ما حدث في آب 2021.
ويشير ميلر إلى أن إدارة ترامب لم تكن تنوي سحب كل القوات كما يقال، بل تم الاتفاق على إبقاء 800 عنصر من القوات الخاصة للقيام بمهام “مكافحة الإرهاب”.
غير أن ما جرى هو توجيه أمر رئاسي من البيت الأبيض في عهد بايدن بسحب القوات، وذلك ضد نصيحة القادة العسكريين الأميركيين داخل وخارج أفغانستان.
وبعد تسلمه منصب القائم بأعمال وزير الدفاع، قام ميلر بزيارة أخيرة لأفغانستان في تشرين الثاني 2020 لمشاركة جنوده احتفالات عيد الشكر، والتقى آنذاك الرئيس الأفغاني أشرف غني ومسؤولين آخرين.
ويقول ميلر “الرئيس غني كان كريما للغاية، وقد اعترف بتضحيات الكثير من الأميركيين، وحذّر أيضًا من أن طالبان تشكل تهديدًا كبيرًا، كلنا نعرف ذلك، لم نتحدث على وجه التحديد عن متانة قوات الأمن الوطني الأفغانية. لقد كنت هناك لفترة كافية وكنت أعرف التحديات”.
كما عبّر عن تعاطفه مع قوات الأمن الوطني الأفغانية، وأشار إلى أنهم احتاجوا إلى بعض الدعم الأميركي الذي ربما كان من شأنه أن يمنحهم الثقة لمواصلة القتال، وتغيير ما جرى على أرض الواقع، لكن “يبدو أن إدارة بايدن قررت التخلي عن الجيش الأفغاني في النهاية”.
رواية مختلفة حول إرث ترامب وأفغانستان
وحول النصيحة التي قدمها لترامب بشأن كيفية المضي قدما في أفغانستان، يذكر ميلر أنه كان يوجد في أفغانستان 5800 جندي أميركي عندما بدأ مهامه، ووافق الرئيس على إبقاء 2500 منهم، لينخفض الرقم إلى 800 فقط في المرحلة النهائية. وذكر أيضًا أن ترامب كان مرتاحا لذلك، خاصة لفكرة أن واشنطن ستحافظ على نفوذها وتحاول إنشاء نوع من الحكومة المؤقتة والحكومة الائتلافية التي من شأنها أن تقلل من فرصة الانسحاب الفوضوي.
وعن رأيه في التفاوض مع طالبان، يقول ميلر “الحروب تنتهي بالتفاوض مع خصومك، لم تكن هناك قدرة على هزيمة طالبان في ساحة المعركة. كانت هناك القدرة -قررنا فقط عدم القيام بما هو ضروري للقيام بذلك- وهو ما وافقت عليه بصفتي جنديا أميركيا”.
وتابع “في الواقع يمكن لجيش الولايات المتحدة أن يكسب أي حرب. ولكن لدينا أيضا ديمقراطيتنا القائمة على القيم والمبادئ حيث توجد بعض الأشياء التي لا يمكننها القيام بها في ساحة القتال”.
كما شعر ميلر بواجبه أن يقدم للرئيس ترامب كونه القائد الأعلى للقوات المسلحة خيارات واقعية. وكتب يقول “كنت أظن أن الكثير من أجهزة صنع القرار المتعلقة بالأمن القومي تحت الرئيس تعتقد أن ترامب مجنون أو غير مستقر. لم يقل لي أحد ذلك مباشرة، ولكن كانت هناك فكرة أنه كان مبتدئا ولا يعرف كيفية التعامل مع قضايا الأمن القومي”.
ورأى الوزير السابق أيضًا “كان لزاما عليهم أن يضبطوا بوصلته، وأن يكونوا حذرين للغاية في الخيارات التي قدموها”. ويضيف “لقد شعرت أن قدرات ترامب كانت على ما يرام، أنا فقط أعطيه الخيارات، والقرار له، فهو الرئيس المنتخب”.
وبشأن الجنود خارج البلاد، يقول ميلر إن أولوية ترامب “كانت سحب قواتنا من مسارح مختلفة، هذا كان برنامجه. لقد جاء إلى منصبه ملتزما بالقيام بذلك، وتباطأت وزارة الدفاع في جميع المجالات. أراد أن يذهب إلى الصفر في عدد الجنود بالخارج، وعندما عرضنا لماذا لا يمكن أن نتمكن من الوصول إلى الصفر قبل نهاية إدارته فيما يتعلق بأفغانستان، قَبِل ذلك”.
وبشأن عملية صنع القرار بالسياسة الخارجية في الدائرة المحيطة بترامب، يعتقد ميلر أنها ربما لم تكن متوافقة مع شخص غير مطلع على الشأن العالمي، فهو لم يتخرج من جامعة جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة، لكنه شعر أن “قدرات الرئيس السابق على صنع القرار كانت على ما يرام”.
وفيما يتعلق بالانسحاب الكامل، أوضح ميلر “أن ترامب شعر بخيبة أمل، لكننا عرضنا المخاطر كلها، وأكدنا له أن انسحاب جميع الجنود سيؤدي إلى انهيار البلاد بأكملها، لقد أدرك ترامب ذلك، وتوافقنا على 2500 عند انتهاء حكمه”.
وتعليقا على ما يردده الرئيس بايدن من أن يديه مقيدتان بالانسحاب الكامل بسبب الاتفاق الذي تفاوض عليه ترامب مع طالبان، يقول ميلر “لقد أجرينا الكثير من المناقشات والسيناريوهات الحربية حول هذا الأمر وعرفنا ما هو الحد الأدنى من هيكل القوة. كان العدد 800 جندي للحفاظ على قدرتنا لمكافحة الإرهاب، وتوجيه الضربات والقيام بعمليات الاستطلاع”.
الجزيرة نت