في إطار التعقيدات المتزايدة لاستخدام شبكات التواصل الاجتماعي، شهدت السنوات الأخيرة ظهور العديد من الوظائف الجديدة، على غرار وظيفة مدير المجتمع من أجل إدارة مواقع التواصل الاجتماعي، وجهود التسويق عبر الإنترنت، خاصة أن الشبكات الاجتماعية لم تعد فقط مصدر نمو للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، لكنها باتت محدداً فاعلاً في نجاح المؤسسات والمشروعات الكبرى أيضاً في دول العالم.
في هذا السياق، يطرح صامويل بيلكا، في كتابه باللغة الفرنسية والمعنون “الكتاب الكبير لشبكات التواصل الاجتماعي” مجموعة من الدروس العملية المستفادة من واقع خبرته العملية كمدير مجتمع ومسؤول التواصل الرقمي المتخصص في الشبكات الاجتماعية، إذ يطرح أفضل الممارسات الجيدة لإدارة عملية التسويق للمحتوى، والإعلانات على منصات التواصل الاجتماعي.
نصائح إدارة المحتوى
إذا كان المستخدم على منصات التواصل الاجتماعي نادراً ما يقوم بتحديث صفحته، أو تعديلها إذا تم إنشاؤها بشكلٍ سيئ، فسيواجه صعوبة بالغة في تحقيق النجاح على الشبكات الاجتماعية، فمن البديهي أن ينعكس ذلك على جودة المحتوى، ومن ثم، على مستوى الجذب لهذا الموقع، وعليه يُقدِّم الكاتب مجموعة نصائح عامة، من أبرزها فيما يلي:
- النشر بإيقاع منتظم: لا يحب مستخدمو الإنترنت تلقي العديد من المنشورات دفعة واحدة، وفي الوقت ذاته، فقد يتراجع اهتمامهم بالصفحة إذا لم ينشر أي شيء لمدة أسبوع واحد، كذلك، لا يكفي نشر محتوى عالي الجودة للنجاح على الشبكات الاجتماعية، لكنه يبقى هو المحدد الأول، والأكثر جوهرية في عملية النجاح.
- تجنب الحيادية المطلقة: فالصفحة التي تنتهج الموضوعية والحياد المطلق دائماً على وسائل التواصل الاجتماعي تخاطر بأن تكون بلا تأثير حقيقي، إذ يجب على صانعي المحتوى أن يحددوا أهدافهم بدقة، وكيفية تحقيقها، فهل لبيع منتجات مباشرة أم لتوجيه مستخدمي الإنترنت نحو موقع الويب الخاص بهم، أم لإعطاء صورة إيجابية عن الشركة وتسهيل خدمة ما بعد البيع؟، والأهم من ذلك ما هي الرسالة التي يريدون إيصالها؟
- تحديد هوية الصفحة: يجب أن تعكس المنشورات على الشبكات الاجتماعية هوية وشخصية صاحبها، فبينما تميل الشركات الكبرى إلى انتهاج تواصل مؤسسي رسمي على وسائل الإعلام التقليدية، بيد أن هذا النمط يمثل إشكالية حال اعتماده من قبل الشركات على شبكات التواصل الاجتماعي، إلا أنه قد يؤدي بدوره إلى خلق الملل العميق بين القراء.
- إثارة فضول المستخدمين: إذ لا يجب توفير المعلومة كاملة ومباشرة للمستخدمين، ففي معظم الحالات، يكون المنشور على وسائل التواصل الاجتماعي هو وسيلة وليس غاية، فالغرض منه هو تشجيع القارئ على اتخاذ إجراءات تالية Call the Action، على غرار فكرة “قم بزيارة موقع الويب”، فإذا كان المنشور كامل، ويوفِّر جميع المعلومات، فالمستخدمون سوف ينتقلون إلى منشورٍ آخر، فالصياغة يجب أن تكون جذابة لكن غير مكتملة عمداً، حيث يريد مستخدم الإنترنت الفضولي النقر فوق رابط لمعرفة المزيد.
- استخدام لغة متفائلة: إذ يفترض أن تُعبِّر المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي عن حالة من التفاؤل، وتحفيز للمستخدمين للانضمام والتفاعل معها، مثال جملة “انضم إلينا”، مما يدفع مستخدمي الإنترنت إلى الشغف والرغبة في الانضمام.
قواعد الممارسات الجيدة
يثير البعض أحياناً أن شبكات التواصل الاجتماعي لا تخضع لأي قواعد، لا قانونية ولا إملائية، ولا نفسية، فكل شيء ممكن ومباح، لكن الواقع – كما يقول مؤلف الكتاب – أن هناك بعض الممارسات الجيدة على هذه المنصات، والتي تعكس وجود بعض أشكال القواعد المنظمة، ومن أبرزها ما يلي:
- تطوير خطة عمل محددة: فمن المهم تحديد على أي شبكات اجتماعية سيتم النشر وتوقيته وإيقاعه وموارده المتاحة بشرياً ومالياً، فضلاً عن الموضوعات التي سيتم التحدث عنها على شبكات التواصل الاجتماعي.
- مراعاة حقوق الملكية: أي الحفاظ على حق الكاتب أو الناشر إذا كان يريد استخدام صورة نشرها شخص آخر، حيث لابد من طلب الإذن مسبقاً وذكر المصدر، بالإضافة إلى إمكانية استخدام العديد من بنوك الصور الخالية من حقوق الملكية.
- عدم الاكتفاء الذاتي: فأحد الأخطاء الأكثر شيوعاً على وسائل التواصل الاجتماعي هي الرغبة في الاكتفاء الذاتي، من دون نشر أي شيء بخلاف محتوى المستخدم وعروضه، ومقالاته، ومنتجاته، فعلى العكس تماماً يختلف المنطق على الشبكات الاجتماعية.
- تحديد الجمهور المستهدف: فكل صفحة على مواقع التواصل تقوم بتحديد دقيق لمجتمع الجمهور المستهدف، ومن ثم تحديد ما يريد مستخدمو الإنترنت قراءته، وبالتالي التفاعل معهم بشكلٍ منتظم لتشكيل علاقة وثيقة بينهم.
- تحفيز التسابق الاجتماعي: فالشبكات الاجتماعية كما في الحياة، يتم فيها تقدير المسابقات بشكلٍ خاص لأنها تساعد في تعزيز مشاركة الصفحة، خاصةً إذا كانت آلية المسابقة تتضمن إعادة التغريد، وتتيح الحصول على معجبين جدد أو جمع عناوين البريد الإلكتروني الخاصة بهم أو جلب محتوى أصلي خارج عن المألوف، عبر تقديم هدية متعلقة بالشركة صاحبة الصفحة، وذلك لتعبئة الأشخاص المهتمين حقاً بالمنتج، وبالتالي تسليط الضوء على الشبكات الاجتماعية الخاصة بها.
كتابة منشورات فعالة
تختلف طريقة الكتابة على الشبكات الاجتماعية عن غيرها من أنماط الكتابات الأخرى، سواء الأكاديمية أو الصحفية، فكل وسيلة إعلام لها قواعدها الخاصة، والتي تحددها طبيعتها وموقف القراء تجاهها؛ لذلك هناك بعض الإرشادات التي يجب اتباعها في طريقة الكتابة على وسائل التواصل الاجتماعي، كما يشير مؤلف الكتاب ومنها:
- رسائل بسيطة وقصيرة ومباشرة في صلب الموضوع، حيث من المفضل البدء بجذب انتباه القارئ بصيغة تثير اهتماماً فورياً، فمثلاً في حال “الاختيار” يمكن استخدام عبارة كـ”أي هاتف ذكي تختار؟، وفي حالة الحديث عن “الطريقة”، يمكن أن يكون على غرار “خطوات تحسين الشبكات الاجتماعية”.
- استخدام نموذج أيدا AIDA في التسويق الحديث، وهو ينطوي على أربع مراحل رئيسة تبدأ بالانتباه، والتي يتم فيها لفت نظر القارئ أثناء تصفحه لصفحته، ثم اهتمام المستخدم بقراءة المنشور، ليلي ذلك الرغبة في اكتشاف المزيد عن المنتج، وأخيراً، الإجراء، أي ترك الرابط الذي يتيح للمستخدم الدخول عليه للقيام بخطوة الشراء أو المتابعة، لكن، هذه التقنية لا تعمل على تويتر لأنه يحد من كتابة منشور يزيد عن 280 حرفاً.
- الكتابة بتقنية الهرم المقلوب، أي وضع العناصر الأكثر أهمية في بداية المنشور، والتفاصيل في النهاية، من خلال ترتيب المعلومات حسب الأولوية، وتُستخدم هذه التقنية في المدونات، وبشكل متزايد في المجلات على الإنترنت وهي مناسبة إلى حدٍ ما على الفيس بوك ولينكد إن.
- تحتوي الشبكات الاجتماعية على إشارات كتابية مُحددة يحتاج إليها المستخدم ومنها الهاشتاجات، والرموز التعبيرية، كما يمكن استخدام علامات الترقيم، بحيث تكون النصوص أكثر تأثيراً من الناحية المرئية مع تجنب الأخطاء أو الكتابة بالأحرف الكبيرة.
حالة الفيس بوك
تحتاج أي منصة تسويقية سواء لشركة أو محتوى أن يكون لها حضور فاعل على موقع فيس بوك كي يكون لها تواجد واسع على وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، إذ يعد الفيس بوك هو النموذج الملهم لباقي الوسائل الأخرى، بالتالي، فإن إتقانه يعني إتقان اللغة الأم، وفي هذا الإطار، يطرح مؤلف الكتاب نصائح لتعزيز فاعلية استخدام فيس بوك من أبرزها، أهمية تعريف الصفحة المراد إنشائها بشكلٍ مفصل، بحيث تعكس الموقع والهوية من خلال صورة الملف الشخصي، واسم الصفحة، وترتيب علامات التبويب، وما إلى ذلك، كذا، يجب الاهتمام بالتفاعل وتشجيع التعليقات، والتبادل، والمشاركة، كما يمكن طرح أسئلة على الفيس بوك من خلال استطلاعات الرأي، بالإضافة إلى ضرورة تنويع المنشورات مع إدراج صور مع المنشور للفت النظر وتكون مرتبطة ارتباطاً وثيقاً به.
من ناحية أخرى، يوصي الكاتب بأنه حال استخدام فيس بوك، كوسيلة للدعاية والإعلانات، فمن المهم البدء بإنشاء المتجر وإضافة المنتجات، ويتوفر بعد ذلك رمز جديد “تسمية منتج”، حيث يتم النقر فوقه، واختيار المنتج (المنتجات) المتعلقة بالمنشور من القائمة، ولا يكفي عرض المنشور بحيث يظهر على شاشة الشخص الذي أبدى إعجابه بالصفحة، بل لابد من إنفاق الأموال لرعاية وتسويق المنشور، كما لا يجب التفكير في إعلان فيس بوك كملصق إعلاني، لكن يجب اتباع جملة من المعايير، مع صياغة جمل قصيرة، تتمحور حول احتياجات مستخدم الإنترنت، لأن تقديم المنتج في الشبكات الاجتماعية ليس كافياً، بل يجب أن يرافقه محتوى أصلي وممتع ومرئي، وأخيراً، يتوجب قياس نتائج الإعلانات الخاصة بالمستخدم لمعرفة ما إذا كان ينبغي استمرارها على المنوال ذاته، أو التخلي عنها أو تعديلها أو على العكس توسيعها.
شبكات التواصل الأخرى
يطرح مؤلف الكتاب بعض التوصيات الخاصة ببقية وسائل التواصل الاجتماعي، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:
- تويتر: تعكس فكرة المنافسة الحادة بين شبكات التواصل الاجتماعي ضرورة تجنب الاعتماد على وسيلة واحدة، نظراً لاحتمالات تغير قواعد اللعبة في أي وقت، من هنا، جاءت الرغبة في إتقان تويتر وانستغرام مع فيس بوك، فلكي تكون مرئياً على تويتر وانستجرام لابد من استخدام علامات التصنيف أي هاشتاجات وصور، ووفقاً لبعض استطلاعات الرأي، يذهب أكثر من واحد من كل عشرة فرنسيين إلى تويتر مرة واحدة على الأقل شهرياً، وبرغم أن هذا الأمر يظهر الفارق كبيراً لصالح استخدام الفيس بوك، لكن تتمثل الميزة الأبرز لتويتر في أنه أصبح أداة معلومات يستخدمها المؤثرون (الصحفيون والسياسيون وقادة الأعمال)، لذلك يمكن أن تصل المنشورات إلى أهداف مثيرة للاهتمام للغاية، على الرغم من أنها ربما تصل إلى عدد أقل بكثير من الأشخاص على الفيس بوك.
- انستغرام: برغم تزايد عدد المستخدمين لهذا التطبيق إلا أن هناك عيباً كبيراً فيه يتمثل في عدم إمكانية تضمين رابط أو عبارة تحث المستخدم على اتخاذ إجراء، على غرار الانتقال إلى رابط موقع أو متجر عبر الإنترنت في منشورات انستغرام، ما لم يتم الدفع، لذلك يفضل الاعتماد على انستغرام فقط إذا لم يكن هناك ضرورة فورية لزيادة نسبة الدخول traffic على الويب والمبيعات، أو إذا كان هناك صور تستحق النشر، وتجدر الإشارة إلى أن بعض القطاعات لديها تسهيلات واضحة على انستغرام (كمتجر أزياء على سبيل المثال، أو فنان)، لكن بالنسبة للآخرين، ربما تكون المهمة أكثر صعوبة.
مع ذلك، تبقى خاصية الـقصص Stories أحد أبرز المزايا في تطبيق انستغرام، كونها وسيلة فعَّالة في توزيع المحتوى الذي يجذب القراء، حيث تتيح هذه الأداة إنشاء صور مرئية مخصصة بالكامل، مجاناً وببساطة شديدة، والتي تدمج صور وشعار ونص، فضلاً عن القدرة على تضمين روابط مباشرة، بما يساهم في زيادة عدد الزيارات إلى موقع الويب، مما يساعد في ترويج المنتج أو كوسيلة دعاية.
- لينكد إن: يمكن وصف هذا الموقع بأنه فيس بوك لكن للعالم الاحترافي حيث يتحدث عن المهارات والموارد البشرية والإدارة وأخبار الأعمال، إذ أصبح منصة شائعة للبحث عن الوظائف، وممارسة الأعمال، فإذا كان الشخص لديه موضوعات احترافية لإبرازها، أو إذا كان يبحث عن آفاق لعمله، فيعد لينكد إن المنصة المثالية لذلك، فجميع الأخبار المهمة لها مكانها، سواء كانت مرتبطة مباشرة بعالم العمل أم لا، ويطرح مؤلف الكتاب هنا مثالاً عملياً، حيث نشر الكاتب على صفحة الاتحاد الفرنسي للشطرنج رابطاً لمقال في Express حول مزايا هذه اللعبة، وقد حصل هذا المنشور على ردود فعل عديدة، على الرغم من أنه ليس في موضوع متوافق مع لينكد إن.
- تيك توك: يعتمد على فكرة نشر فيديوهات تحظى بقبول جماهيري، مع ضرورة التخلي عن التقليد والاصطناع، وتقديم محتويات أصيلة، فضلاً عن التوسع في استخدام الهاشتاجات والملصقات والنشر بانتظام عن طريق طرح الأسئلة.
ختاماً، ثمة أهمية كبيرة باتت تتمثل في عملية الاستثمار في منصات التواصل الاجتماعي، لذلك من المهم الانتباه إلى أهمية هذه المنصات ومعرفة كيفية استخدامها بالشكل الذي يضمن تحقيق الهدف والخطة الموضوعة، وتجدر الإشارة إلى أن عدم وجود استراتيجية في الاستخدام يعد هو الخطأ الأكثر شيوعاً، حيث يستغني الكثيرون عن هذه المرحلة من التفكير الأوَّلي، لأنها تتطلب عملاً وتفكيراً، وهذا ليس ممتعاً دائماً.
لذا، يجب التوسع في دراسة أهمية وسائل التواصل الاجتماعي، فهي لم تعد قاصرة فقط على كونها وسيلة للتواصل، بل تجاوزت ذلك كثيراً حيث أضحت تمثل أداة رئيسية، بل الأهم في عملية التسويق والدعاية الإلكترونية، ومصدر للربح لدى الكثيرين، وأخيراً، يجب الأخذ في الاعتبار أن هذا السوق بات مفتوحاً لدخول مزيد من الفواعل مستقبلاً، فبالإضافة إلى الشركات الكبيرة، كالفيس بوك، وتويتر، ولينكد إن، وانستجرام يمكن أن تصبح الشبكات الناشئة فواعل رئيسة في المستقبل، فقد كان انستغرام في يوم من الأيام شبكة صغيرة متنامية، لكنه أصبح اليوم أحد الأطراف الكبرى في هذا المجال.
دينا محمود – المستقبل للابحاث والدراسات المتقدمة