فيلم dune.. احتقار العرب في الحرب سبقته السينما والأدب

حرب عالمية ثالثة ثقيلة الأثر يعيشها العالم أعتقد أنها لن تنتهي سوى بإعادة إعلان نظام عالمي جديد في قلبه روسيا والصين أكثر سيطرة. انتفض العالم على أثرها مما يرونه يحدث داخل أوكرانيا من أشياء لا يمكن اعتبارها مجرد نقطة في بحر مما حدث في عدد من البلدان العربية بالبلطجة ذاتها دون مزايدة. يُستبعد العرب خارج حسابات أطرافها. ما يحدث في الإنسان الأبيض في أوكرانيا لا ينبغي أن يحدث لأنه “ليس من العراق أو سوريا” مثلما قال المراسل الأجنبي. هل هناك جذور لهذا التجاهل والاحتقار في السينما؟

ثمة شيء ثقافي يذكره الناس جيدًا وآخر أكثر طزاجة وتمثيل يمكن تناسيه دون فهم واضح. كلاهما يخص مساحات الكتابة الأدبية التي تتنبأ بالمستقبل وتخبرنا عنه وعن أنفسنا كثيرًا. تمكنت من التنبؤ بالتوجهات المستقبلية من قبل. أشهرها تحفة الكاتب جورج أورويل “1984“. التي توقعت مستقبلًا من الفساد والرقابة الحكومية وفقا لموقع ذا أتلانتيك. فيما هناك كتب أخرى أقل شهرة كانت تنبأت بالمستقبل بشكل “مخيف”. على سبيل المثال ذكرت مجلة التايم قديمًا ما توقعه كتاب “Stand on Zanzibar” للكاتب جون برونر عام 1968 من أشياء تطغى على توقعات أورويل الذي أخذ الصيت كله. تكهّن بتأسيس الاتحاد الأوروبي وتصاعد الإرهاب العالمي وزيادة قبول زواج المثليين وإلغاء تجريم الماريجوانا. ومن المدهش أيضًا توقعه اسم الرئيس الأمريكي الجديد السيد “أوبومي” الذي جاء بعده الرئيس باراك أوباما.

توضع بعض الكتب ليس بهدف الإمتاع فقط. بل يدرس أصحابها ما يريدون قوله جيدًا. أو ما يحاول القوة الأكثر سيطرة وضعه. الخطاب الذي علينا جميعًا تبنيه. ربما ذات مرة نخلق حربًا ما. أو في أخرى نسبعد أحد من المستقبل، تمامًا كما حدث في الفيلم الأحدث المرشح الذي نال ترشيحات كبيرة للأوسكار بالرغم من قدم قصته.

حسابات الحرب واستبعاد العرب
في عام 1984 سيقدم المخرج ديفيد لينش إلى السينما فيلم تحت عنوان “Dune” الذي يحكي خلاله قصة مؤثرة حول ابن الدوق الذي يسعى مع محاربي الصحراء ضد إمبراطور المجرة وعدو والده الشرير لتحرير عالمهم الصحراوي من حكم هذا الإمبراطور. لن تنصفه المؤثرات البصرية والخدع لصناعة عمل بصري محكم في هذا الوقت كما لم تنصفه رؤيته لتقديم رؤية سينمائية مماثلة للنص المأخوذ عنها لكنه بات على كل حال فيلما ذا تأثير كبير.

بدأت القصة في عام 1965 عندما أصدر الكاتب فرانك هيربرت الرواية الأصلية الذي بنى لينش عليها فيلمه. ستتخطى شعبية الرواية نجاحها المحلي. لتتم ترجمتها لعدد من اللغات وتتاقل الألسن قصتها التي تتشابك داخلها العديد من العوالم والإسقاطات الكبيرة على الشعوب المختلفة. وتصبح من أكثر روايات الخيال العلمي مبيعًا في العالم.

يعتبر الكثيرون Dune وسلسلة الروايات المكملة لها من أعظم ما كتب في أدب الخيال العلمي. إذ تتعمق في موضوعات مثل البيئة والجغرافيا السياسية المجازية (الصحراء والأرض القبلية التي تضم المهديين والجهاديين وأهم مورد على الكوكب، كلها أمور تبدو مألوفة). وأيضا مخاطر السقوط في قبضة الزعماء ذوي الحضور الطاغي.

حرب غير الموجودين
استبعد لينش العرب من كافة حساباته. اعتبرهم غير موجودين من الأساس. ليس فقط ينعدم تأثيرهم. فقط لأنهم الأكثر ضعفًا وجهلًا وتبعية من الجميع في رأيه.

أثرت الرواية على الكثير من أفلام الخيال العلمي الشهيرة. حيث جرى إدخال الكثير من عناصرها في أعمال مهمة مثل “حرب النجوم”. وكان تحويل رواية بتلك الضخامة والخيال المركب إلى فيلم حلما لكثير من المخرجين. وأبرزهم إليخاندرو جودوروسكي الذي ظل لسنوات يحلم بصناعة فيلم عن الرواية يلعب بطولته أسماء مثل سلفادور دالي وميك جاجر وأورسون ويلز.

ويرى النقاد أن الاقتباس الجديد للرواية في الفيلم الجديد الذي أخرجه دينيس فيلينوف أفضل كثيرا من الاقتباس الوحيد السابق للرواية والذي أخرجه ديفيد لينش في عام 1984 ولم يلق نجاحا. بعد النجاح الكبير لفيلينوف في 2017 عندما قدم نسخة جديدة من فيلم الخيال العلمي الشهير Blade Runner في فيلم Blade Runner 2049 يواصل النقاد حاليا منح فيلنوف الكثير من الإشادات عن الفيلم.

هذا الموسم أخذ الفيلم الأحدث المأخوذ عن الرواية نفسها بالاسم ذاته أكبر عدد من جوائز الأوسكار. لكن المخرج هذه المرة اختار أن تخرج الرواية من جزأين بالرغم من طول الجزء الأول (نحو ساعتين ونصف الساعة). ويغطي النصف الأول من الرواية الفيلم الأحدث في انتظار الجزء الآخر منه.

يضم الفيلم مجموعة كبيرة من النجوم ومنهم تيموثي شالاميت وستيلان سكارسجارد وزندايا وجاسون موموا وآخرين.

تدور أحداث الفيلم في كوكب صحراوي معروف باسم Dune وهو المكان الوحيد في الكون الذي يوجد به مركب يطيل العمر معروف باسم “مزيج التوابل”. ويمنح من يتناوله أيضا ذكاء خارقًا وقدرة على السفر أسرع من الضوء.

الكاتب والمخرج الفرنسي دينيس فيلنوف عندما قدّم Blade Runner 2049 لم يكن قد وصل بعد لأعمق ما كان يهدف من وراء فكرته الأثيرة. سيتم بلورتها تمامًا مع arrival الفيلم الأكثر رومانسية وتماسكًا من كل سابقيه. وهو الفيلم الذي سيرشحه بقوة ليصبح مخرج النسخة الجديدة من dune.

لماذا يمكن اعتبار arrival فيلما مذهلا؟
لأنه يضع الأشخاص الغرباء ليسوا كمصدر للخطر والريبة لكن كأناس آخرين لا يمكن التواصل معهم. فيلم “وصول” هو فيلم عن اللغة واستخدامها عن أهمية التواصل من خلالها واستحالة التواصل دونها. نرى النقطة الأكثر محورية في منطقة خلق نقطة تفاهم بين أشخاص لا يمكنهم التحدث بلغة واحدة وربما هي المنطلق للسينما التي سيقدمها في dune.

أبعاد سياسية
كانت لحظة فيلم “وصول” بالنسبة للمخرج هي لحظة فارقة تمثل ذروة نجاحه قبل أن ينجرف داخل قصة الفيلم الأخير التي تحمل أبعادا سياسية أكثر وضوحًا لا يمكن أن تخطئها العين على الأقل في نظري مشاهد عربي مثلي.

إمبراطورية كبيرة يحكمها نبلاء. بينها الكوكب الأهم “أراكس” الذي يحتوي على “التوابل” الأكثر أهمية للكون في سياق القصة لأنه يمنح مستهلكيه قدرات ذهنية خارقة. بالرغم من احتوائه على الشيء الأكثر قيمة بأنه غير صالح للعيش كبيئة صحراوية قاتمة وشديدة الحر.

يدير أراكس أسرة عدائية تضطهد سكانه الأصليين الذي يمثلون العرب دون رمزية. نشاهد قوى عظمى يدير كل واحدة على حدة رجلٌ أبيض يسعون لاستعمار بلاد الملونين طمعًا في خيراتها. بينما هؤلاء الملونون يتحملون استعمارهم على أمل ظهور المهدي الذي سينقذهم من “الهاركونين” الروس.

قبائل الفريمن “العرب” الذين يملكون البهارات الثمينة هم أناس يؤمنون بالخرافات -بحسب الفيلم القديم والرواية. بينما لهم وجود طفيف في الفيلم الأحدث لكن بشكل أكثر قسوة. تصل الفيلم رسالته بالرسالة الأكثر مباشرة: لا وجود للفريمن “العرب” في المستقبل، ليس لهم أية أهمية ضمن أي سياق نظرًا لسذاجتهم المفرطة.

احتقار وتجاهل للعرب
البُعد السياسي هو الوحيد ربما الذي يمكن النظر للفيلم من خلاله كخطاب يمثله بالنسبة لي كناقد عربي. إذ لا نُنكر الأبعاد الفنية بينما تظل المظلة الأبعاد السياسية القاسية للرواية مجحفة وغير عادلة لكنها أكثر واقعية للنظرة الأمريكية تحديدًا للعرب.

احتقار وتجاهل للعرب يصل بأحد النواب الذي رحّب باللاجئين الأوكرانيين لأنهم ليسوا مثل اللاجئين الفلسطينيين. ويصل إلى كل شيء للحد الذي جعل تطبيق عبثي مثل تيك توك يمنع نشر أي مقطع لأي روسي على وجه الأرض.

الحرب العالمية التي تدخل الأسبوع الثالث نشاهد فيها ترجمة واضحة لوضع كان مسكوتا عنه فقط. سبقته السينما والأدب في الحديث. نرى الآن مقاطعة سينمائية عالمية لكل شيء روسي لم يحدث مع الكيان الصهيوني الذي يضرب الأرض والعرب لأكثر من خمسين عامًا. ولم يحدث لأمريكا التي دمرت وساعدت في تدمير أرض عربية لسنوات طويلة. يحدث فقط عندما يطال الظلم الرجل الأبيض.

قد يبدو خطاب تشفٍ أو تأييد للروسي فلاديمير بوتين لكني لست في موضع دفاع أو اتهام لأُعلن في كل مرة أنه مجرد توضيح لمجريات الأمور في الواقع الذي سبقته السينما والأدب. علينا أن نعيه جيدًا لندرك حجمنا الحقيقي بين قوى العالم العظمى.

حسام الخولي – مصر 360

اساسي