الليثيوم.. منافسة أميركية روسية صينية على مكامن المعادن في بوليفيا

بذل الرئيس التنفيذي لشركة الطاقة “إنرجي إكس” الأميركية الناشئة، التي تتخذ من ولاية تكساس مقرًا لها، تيغ إيغان، جهودًا حثيثة ومحاولات عديدة لدخول مضمار استخراج الليثيوم في بوليفيا والترويج لتقنية من شأنها أن تفي بإمكانات بوليفيا لتصبح قوة عالمية للطاقة الخضراء.

وانتهج تيغ إيغان مسار “اللعبة الطويلة” للوصول إلى هدفه، في حين تسعى الشركات الصناعية الصينية والروسية العملاقة للاستفادة من المكامن المعدنية الحيوية للسيارات الكهربائية في بوليفيا وشتى أنحاء العالم.

واستعرض مراسل صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، كليفورد كراوس، جوانب صناعة الليثيوم في بوليفيا، في مقال بعنوان “سباق الطاقة الخضراء يجذب مستثمرًا أميركيًا شابًا إلى الليثيوم في بوليفيا”، أجواء التنافس العالمي على استثمار الليثيوم والمعادن النادرة والتوازنات المحلية.

وأشار كاتب المقال كليفورد كراوس أن مهمة شركة “إنرجي إكس” الصغيرة واجهت المصاعب، نتيجة اندفاع عمالقة الصناعة الصينية والروسية للوصول إلى ثروات المعادن التي يمكن أن تشغل يومًا ما عشرات الملايين من السيارات الكهربائية.

الانطلاقة والاستكشاف
في أواخر شهر أغسطس/آب، سافر فريق شركة “إنرجي إكس” من مدينة أوستن بولاية تكساس الأميركية إلى بوليفيا للقاء القادة المحليين والوطنيين في مجمع الليثيوم الحكومي وإقناعهم بأن لدى الشركة تقنية من شأنها أن تفي بإمكانات بوليفيا لتصبح قوة عالمية للطاقة الخضراء.

وعند وصول فريق الشركة إلى مقر المؤتمر الذي كانوا يعتزمون حضوره وجدوا أن حراس الأمن أغلقوا الموقع.

تُجدر الإشارة إلى أن موطن المسطحات الملحية العملاقة “سالار دي أويوني” الغني بالليثيوم والعديد من المعادن ذات القيمة المتزايدة في جميع أنحاء العالم لأنها ضرورية في البطاريات المستخدمة في السيارات الكهربائية وشبكة الكهرباء، يقع في أعالي جبال الأنديز.

وقال كاتب المقال كليفورد كراوس إن المكان الذي زخر بمعدات صدئة، وبرك إنتاج فارغة ومضخات مفكوكة عن الأنابيب، بقعة بائسة، يمثل وعدًا طموحًا بالنسبة إلى الرئيس التنفيذي لشركة “إنرجي إكس” تيغ إيغان البالغ من العمر 33 عامًا.

وأوضح أن شعب الكيتشوا الأصلي يقدس موطن المسطحات الملحية العملاقة “سالار دي أويوني”، الذي تبلغ مساحته 4 آلاف ميل مربع (1360 كيلومترًا مربعًا).

ونظرًا إلى وجود ربع الليثيوم المعروف في العالم فيها، من المحتمل أن تجد بوليفيا التي يبلغ عدد سكانها 12 مليون نسمة، نفسها بين الفائزين الجدد في البحث العالمي عن المواد الخام اللازمة لاستغناء العالم عن النفط والغاز الطبيعي والفحم لمواجهة أزمة التغير المناخي.

وقد تنافست 8 شركات أجنبية في الأشهر الأخيرة لتأسيس مشروعات الليثيوم التجريبية في بوليفيا، بما في ذلك 4 شركات من الصين وواحدة من روسيا، وهي دول تتمتع بعلاقات مع حكومة بوليفيا أكثر ودية من علاقة الولايات المتحدة بها.

الطريق إلى المعادن النادرة
يُعدّ الرئيس التنفيذي لشركة “إنرجي إكس” تيغ إيغان من بين المستثمرين الناشئين الذين يقحمون أنفسهم في تقاطع الجغرافيا السياسية وتغير المناخ، ويبحثون عن أول فرصة لهم في الأماكن الغنية بالمعادن مثل بوليفيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب المحيط الهادئ.

ويعمل في شركة “إنرجي إكس” 30 موظفًا، وتُعدّ الشركة واحدة من شركتين من الولايات المتحدة من أصل 8 متنافسين لتطوير احتياطيات الليثيوم في بوليفيا، حسبما نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.

وقال كاتب المقال كليفورد كراوس إن المعدن هو أحد المكونات الأساسية لبطاريات السيارات الكهربائية، ما يتيح تدفق التيارات الكهربائية، مشيرًا إلى أن ذلك يعود إلى وزن المعدن الخفيف وعمره الطويل وسعة التخزين الكبيرة وسهولة إعادة الشحن.

وتوقع أن ينمو الطلب نموًا كبيرًا، خلال العقد المقبل، لتشغيل أسطول كبير من السيارات التي تنتجها شركات تيسلا وفورد موتور وجنرال موتورز وشركات تصنيع سيارات أخرى، وانتشار شبكة بطاريات تخزين الكهرباء المولَّدة من مصادر الطاقة المتجددة.

وأشار إلى أن أسعار سيارات الليثيوم ارتفعت، هذا العام، بما يزيد على 200% في العديد من الأسواق العالمية، وأوضح أنه لم يسبق للرئيس التنفيذي لشركة “إنرجي إكس” تيغ إيغان، العمل في صناعة الطاقة قبل أن يطلق شركته في عام 2018 لمتابعة مشروعات الليثيوم.

ليثيوم بوليفيا للبوليفيين
أوضح كاتب المقال كليفورد كراوس أن هناك الكثير الذي لا يستطيع الرئيس التنفيذي لشركة “إنرجي إكس” تيغ إيغان السيطرة عليه في هذا البلد الذي تعصف به الانقلابات والانقسامات العرقية والأيديولوجية والإقليمية.

وأشار إلى أن الرئيس البوليفي الحالي لويس آرسي يواجه تحديات من الحركات المحلية التي تعارض الحكومة الاشتراكية وتخشى المصالح الأجنبية، إذ تعتبرهم مستغلين لثروة بوليفيا المعدنية منذ القرن الـ17.

وأضاف أنه قبل عامين فقط، أدت صفقة الليثيوم بين السيد البوليفي السابق إيفو موراليس وشركة ألمانية إلى احتجاجات انتشرت في جميع أنحاء البلاد؛ وأُجبِرَ موراليس على إلغاء عقد قبل أسبوع واحد فقط من فراره من البلاد.

مفاجأة.. دراسة تحذر من مخاطر مدمرة لـ”الليثيوم”
وفي المقابل، طالب السياسي المحلي الذي قاد الاحتجاجات، ماركو بوماري بمضاعفة العوائد 3 مرات لمقاطعة بوتوسي والمشاركة المحلية في ملكية شركات الليثيوم، قائلًا إن مطالبه لم تتغير، وإن معارضته لحكم الاشتراكيين مستمرة.

وفي أغسطس/آب، احتل نحو 80 محتجًا طريقين، ومنعوا الرئيس البوليفي الحالي لويس آرسي من زيارة مرافق الليثيوم الحكومية، وطالبوه بإقالة الرئيس الجديد لشركة الليثيوم المملوكة للدولة وإعطاء السكان المحليين دورًا أكبر في القرارات المتعلقة بإنتاج الليثيوم.

وقد أدى الاحتجاج إلى إلغاء المؤتمر الذي كان من المقرر أن يحضره الرئيس التنفيذي لشركة “إنرجي إكس” تيغ إيغان وفريقه من شركة “إنرجي إكس”.

ويقول خبراء الطاقة إن الزيادة الكبيرة في إنتاج الليثيوم في بوليفيا ستحافظ على انخفاض أسعار البطاريات، ما يساعد الرئيس الأميركي جو بايدن على تحقيق هدفه المتمثل في كهربة نصف السيارات الجديدة المبيعة في الولايات المتحدة في عام 2030، ارتفاعًا من 4% اليوم.

وقالت نائبة مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لتحول الطاقة، آنا شبيتسبرغ: إن كمية الليثيوم المطلوبة لتحقيق الأهداف المناخية كبيرة للغاية.

وبيّن كاتب المقال أن نفوذ واشنطن ضئيل في بوليفيا، التي طالما اختلف قادتها مع النهج الأميركي لسياسة المخدرات ومع موقفها من فنزويلا، ما قد يفسر سبب عدم اعتقاد بعض المسؤولين التنفيذيين في قطاع الطاقة الأميركي بأن بوليفيا تستحق الاستثمار.

مساعي شركة إنرجي إكس
قال كاتب المقال كليفورد كراوس إن الرئيس التنفيذي لشركة “إنرجي إكس” تيغ إيغان لم يتعلم شيئًا عن الليثيوم البوليفي إلا عن طريق الصدفة عندما التقى هو وصديقه في أميركا الجنوبية سائحين في عام 2018.

وعثر تيغ إيغان على ورقة بحثية عام 2018 كتبها أستاذ الهندسة الكيميائية بجامعة تكساس في أوستن، بيني فريمان وبعض العلماء الذين يعملون في أستراليا حول نوع جديد من الأغشية بمسام بحجم الذرة يمكن استخدامها لفصل وتنقية الليثيوم عن أملاح الصخور.

وبعد محاولات عديدة لمقابلة المسؤولين البوليفيين، التقى تيغ إيغان وصديقه الرئيس المعين حديثًا لشركة الليثيوم الحكومية، كارلوس هامبرتو راموس، الذي لم يكن مُلِمًّا بتكنولوجيا أغشية شركة “إنرجي إكس”.

وعاد فريق تيغ إيغان إلى السيد راموس في اليوم التالي، وبعد شرح تقنيته لكبار الفنيين، أُبلِغَ الفريق أنه بإمكانه زيارة مجمع الليثيوم وأن الاتفاق المبدئي بالموافقة على مشروع “إنرجي إكس” كان يمثل عمليًا صفقة نهائية.

وفي صباح اليوم التالي، عاد تيغ إيغان وفريقه إلى المسطحات الملحية، وفتّشوا العديد من البرك الصناعية المتلألئة، التي تحتوي على المحلول الملحي المتعين تبخيره، وهي طريقة لاستخراج الليثيوم أعاقتها الأمطار الموسمية الغزيرة.

بوليفيا تدشن مزرعتين للرياح بقدرة 54 ميغاواط
وأوضح تيغ إيغان أنه حتى عندما يجف الليثيوم، يُفصَل كيميائيًا عن المعادن الأخرى، وهي عملية تهدر الكثير من الليثيوم المطلوب، وأخبر الفنيين أن تقنية الليثيوم يمكن أن تزيد وتسرع الإنتاج.

وعندما اقترح تيغ إيغان طرقًا للمضي في مشروع التسويق، طالبه الفنيون بالانتظار حتى ظهور نتائج الاختبار الأولية، لكنه كان مقتنعًا بأنه قام بجولة في المرافق قبل الشركات الأخرى.

ولقد أتت منهجية “اللعبة الطويلة” ثمارها بالنسبة إلى تيغ إيغان، على الأقل حتى الآن.

فقد وقع تيغ إيغان اتفاقًا لبدء المشروع التجريبي، وشحن في أكتوبر/تشرين الأول حاوية إلى بوليفيا مزودة بمضخات وصمامات وخزانات وأغشية لفصل الليثيوم عن المحلول الملحي.

وقد يتمكن تيغ إيغان من مواصلة تأسيس مشروع تجاري، إذا أظهر المشروع التجريبي نتائج واعدة.

نوار صبح – الطاقة

اساسي