مجتمعٌ بنصفِ حقوق ونصفِ عدالة

يُعد انخراط المرأة في الحياة السياسية والاقتصادية في لبنان ظاهرةً جديدةً تنتشر ببطء في أوساط المجتمع اللبناني، لا سيما في ظل الأزمات التي ضربت صلب هذا المجتمع مؤخرًا .
المرأة اللبنانية التي ما زالت تناضل منذ قيام مؤسسات الدولة ودستورها، للحصول على كافة حقوقها السياسية والمدنية، لا تزال تعاني من غياب المشاركة الفعّالة في صناعة القرار السياسي في البلاد. وما ينطبق على الشق السياسي، ينسحب أيضًا على المشاركة في الحياة الاقتصادية والمدنية .

واقع المرأة اللبنانية .. الى الوراء دُر!
تسعى المرأة اللبنانية اليوم الى المطالبة بإصدار القوانين التي تمنحها حقوقها المدنية والسياسية، كأي مواطن في أي بلد، له الحق في العيش الكريم والمساواة المجتمعية؛ فالمجتمع اللبناني بمؤسساته وفئاته كافة، يتعامل مع المرأة في العديد من المستويات كمواطنة من الدرجة الثانية، مواطنة تفتفر للقوانين التي تحميها من مظاهر العنف الأسري بكافة أشكالها، وتجعل فرص مشاركتها في الحياة السياسية وميادين الحياة الاقتصادية والاجتماعية محدودة ومرهونة بالأفكار التقليدية أحيانًا وبالتشريعات الدينية والقانونية أحيانًا أخرى .

ووفق تقريرٍ أعدّته منظمة حقوق الإنسان Human Rights Watch في تشرين الثاني 2020، أكدت المنظمة عدم إحراز لبنان أي تقدم في تطبيق التوصيات الصادرة مسبقًا من قبل المنظمة ( في العام 2015 )، حول الالتزام بالقوانين الدولية لحماية المرأة من العنف ووقف التمييز ضدها، بالإضافة الى تعديل قانون الجنسية التمييزيّ للسماح للمرأة اللبنانية بمنح الجنسية لأولادها، فضلًا عن ضرورة تفعيل دور المحاكم الدينية في أن تضمن حقوق المرأة الأساسية خصوصًا في مسائل مثل الطلاق وحقوق الملكية وحضانة الأطفال وغيرها .
علاوةً على ذلك، لا بد من أن نذكر أنّ الاعلام المعاصر بأشكاله المختلفة لم يمنح قضية المرأة اللبنانية الحضور الإعلامي الكافي لدى الرأي العام اللبناني، وأن محاولاته في هذا المجال ما زالت خجولة وذات فعالية ضئيلة مقارنة مع ما هو مطلوب فعليًا، فضلًا عن أن اهتماماته في شؤون المرأة لا تصب في مصلحة قضيتها بشكل عام، نظرًا لأن الدور الذي يعطيه الإعلام للمرأة في المجتمع اللبناني لا يتناول جوهرها وإمكاناتها الفكرية ومساهماتها في مختلف جوانب الحياة العملية، بل يركز بشكل خاص على اعتبارها مادة إعلامية يستفاد منها .

ماذا لو أُنصِفت المرأة ؟
ماذا لو كان واقع المرأة في المجتمع اللبناني معاكسًا تمامًا لما نشهده؟
ماذا لو تولت المرأة اللبنانية مناصب القيادة المتقدمة في مراكز الدولة؟
ماذا لو منحت حقوقها المدنية وتمكنت من منح أولادها الأجانب حق الإقامة والعيش الكريم والعمل والحياة؟
ماذا لو عدلت القوانين التي تحميها من العنف الأسري والمجتمعي ولاقى كلّ مجرم بحقّها عقابه؟
ماذا لو تُرك لها المجال لريادة الأعمال بعيدًا عن الانتقاص من قيمتها ومؤهلاتها وإمكانياتها؟
ماذا لو تحقّق كلّ ما سبق ذكره؟
حينها ستكون الصورة مغايرة تمامًا، والواقع أقرب بكثير إلى مبدأ المساواة وإعطاء المرأة حقوقها الكاملة بصفتها الجزء المكمل لبنية أي مجتمع؛ فتطبيق الفرضيات التي طُرحت أعلاه يجعل منا نموذجًا يُتمثّل به، لا سيما في ظل وجود نساء رائدات في مختلف الساحات، والأمثلة على ذلك كثيرة، وربما لا يكفي فقط أن تًذكر بل لا بد من إعطائها حقها في الكتابة وتعريف الرأي العام بها .

لم تكن المرأة اللبنانية يومًا حاجزًا أو عائقًا في مسيرة بناء الوطن، بل كانت على الدوام ولا زالت نموذجًا يقتدى به في محطات هذه المسيرة كافة، ومظهرًا مشرّفًا من مظاهر صمود هذا الوطن ومقاومته وانتفاضته على الظلم والفساد والجهل، لذلك فإن المطلوب خلال هذه المرحلة هو مضاعفة الجهود وتكثيفها، لا سيما في ظل الأزمات الكبيرة جدًا التي نعيشها، حيث أصبح هذا الأمر لدى أصحاب القرار والمعنيين من الأمور الكمالية، مثلها مثل الكثير من القضايا التي مرّ عليها الزمن ولم يحرّك لها ساكن، لكن الواقع اليوم أكثر اختلافًا وتصدّعًا عما سبق، والقضية اليوم ليست عابرة، بل جذرية نابعة من صلب المجتمع وبنيانه .

اساسي