انتهى عرض الجزء الخامس والأخير من مسلسل “الهيبة” (تأليف مجموعة كتاب، إخراج سامر البرقاوي)، وتمكنت شركة الصباح من الفوز مجددًا بجذب شريحة واسعة من الجمهور بتقديم حلقات حماسية ومثيرة من بداية العمل حتى النهاية، خاصة مع استغلال المؤلفين لمعركة الجرود التي شهدها لبنان منذ سنوات، لتكون معركة جبل الحاسمة مع داعش.
بعيدًا عن المحتوى الدرامي للعمل، فنحن أمام إشكالية كبيرة، تتجلى بالمضامين الثقافية والاجتماعية التي يطرحها الجزء الأخير من الهيبة، علمًا أن بطله تيم حسن ينشر يوميًا على مواقع التواصل الاجتماعي مشاهد لصغار وكبار يقومون بتقليد تصرفاته وكلماته، وهنا تكمن الإشكالية الأخرى بتقييم ما يقدمه “الهيبة” من قيم ثقافية واجتماعية بين السلبية والإيجابية.
القاتل المنتقم
أربع حلقات خصصها المؤلفون يقتص فيها جبل من قتلة أخيه صخر، أربع حلقات تمكن فيها زعيم عشيرة سلطان شيخ الجبل من قتل أربعة من رؤوس الشر مع ما يملكون من جيش وعتاد. تعاطف المشاهد مع البطل وتمكن العمل من تمرير رسالته بتبرير القتل بحجة الانتقام، ثقافة الأخذ بالثأر دون الرجوع إلى القضاء والدولة، مما يشجع على أخذ الحق باليد -وفقًا لجبل- حتى لو أدى بك المطاف إلى قتل جيش كامل من البشر.
المُهرب
يقيم جبل عند الحدود اللبنانية السورية. ويلمّح المسلسل إلى أهمال الدولة لمثل هذه المناطق، مما أدى بسكانها إلى العمل بالتهريب. يبرر جبل العمل بالتهريب ويشرعنه خاصة إذا كان ممزوجًا بالمبادئ “لا مخدر، ولا أسلحة ثقيلة”. وهنا نقع في المحذور الآخر، يربط جبل عمليات التهريب بلقمة العيش، مما يجعلك كمشاهد تعطي مبررًا وتتعاطف مع عمليات تتنافى مع القانون والشرع.
الزاني
نسمع كثيرًا عن قضايا الشرف خاصة عند العشائر، ولكن ما يحق للزعيم لا يحق لغيره وفقًا للعمل، فقد أقام جبل علاقة غير شرعية مع سارة (ايميه صياح)، وبرز الأمر بشكل طبيعي، حتى أن سارة قررت في اليوم التالي مغادرة “الهيبة”. بهذه السهولة تقيم علاقة جنسية مع أحد وفي اليوم التالي تتركه وترحل (so easy)، وهنا الطامة الكبرى، الترويج للعلاقات الجنسية العابرة واعتبار كأن شيئًا لم يكن.
الشتّام
كان ملفتًا في هذا الجزء استخدام جبل لكثير من الألفاظ النابية مثل: يا صباطي، يا صرامي، شرمطلق، كلب المي، وغيرها الكثير. إذا عدنا لصفحات النجم تيم حسن على مواقع التواصل الاجتماعي، نجد أن شريحة كبيرة من متابعيه هم من صغار السن والمراهقين، ويبدو ذلك من خلال الفيديوهات التي يشاركها حسن مع جمهوره، فأي عبارات وألفاظ يتم ترويجها لأجيال المستقبل؟
ربط الفعل بالربوبية
اعتدنا على مصطلحات جبل شيخ الجبل الخاصة ومنها: ” وربي، يا فرج الله، يا صبر الله، يا غضب الله”. والملاحظ هو ربط اسم الله عند الدعاء وعند الإقدام على أي فعل. في حال القتل والتهريب وأي فعل يقوم به جبل يستخدم كلمة الجلالة وكأنه يقول لنا إن ما يقوم به مبارك من الله.
اعشقيه مهربًا
على مدى خمسة أجزاء أُغرم بشخصية جبل عدد من النساء يختلفن بالثقافة والتربية والمفاهيم، ومع ذلك وقعن بحبال الزعيم؛ فمع الحب يمكن للمرأة أن تتغاضى عن المخالفات التي يقوم بها الحبيب، من تهريب وقتل وغيرهما، وهذا ما يلمّع شخصية المخالف للشرائع والقوانيين ويجعله دونجوان معشوق النساء، فالجرائم لم تعد عائقًا أمام الحب.
كثيرة هي القيم السوسيوثقافية السلبية التي يتضمنها مسلسل “الهيبة”، والأخطر من كثرتها أنها تصيب القيم العميقة للمجتمع وللأجيال الصاعدة، فلا يمكننا أن ننكر ما تتركه الدراما المرئية من أثر في اتجاهات الشباب والمراهقين وشرائح المجتمع كافة.
لا يمكننا أن ننكر أن هناك بعض القيم الإيجابية التي تضمنها المسلسل، مثل:
طاعة الأم
فلطالما ظهر جبل بصورة الابن المطيع لأوامر والدته التي تجسد دورها القديرة منى واصف، وفضلًا عن الطاعة يظهر العمل نسبة التفاهم بين الأم وابنها على مجمل الأمور وكيفية التفكير.
قوة العلاقة بين الإخوة
فلطالما سعى جبل لحل مشاكل إخوته والوقوف بجانبهم بكافة الشدائد، وهذا من القيم الاجتماعية الجمالية التي تحث على ضرورة التعاضد بين الإخوة.
التروي والحكمة، والمحافظة على الأصدقاء ومساندتهم، وتلبية حاجة المحتاج وغيرها الكثير من القيم الإيجابية التي سُلط عليها الضوء، ولكن كل هذه القيم مرت مرور الكرام في ظل بوتقة من القيم السيئة.
بعد كل ما تقدم نضع علامة استفهامٍ كبيرة حول سبب ترويج الدراما العربية لمثل هذه القيم السلبية وتكرارها في عدة اعمال، فهل هناك مخطط استراتيجي للنيل من قيمنا وتقالدينا كمجتمع عربي، أم الأهداف تسويقية بحت؟ لماذا يعجب الجمهور بتلك الشخصيات المخالفة للقانون فتصبح مثله الأعلى؟ لعل السب الأبرز لذلك هو جهل الكتاب العرب بما يقدمون من قيم في أعمالهم، وهدفهم الوحيد تقديم أعمال لا تخلو من الإثارة بهدف الربح المادي والتريند، بالإضافة إلى توجه الشركات الإنتاجية العربية إلى خاصية النسخ لصق عن الأعمال الأجنية والتركية، إذ يقوم الكاتب بنسخ نسيج مجتمع كامل ولصقه بدراما موجهة للعالم العربي مع أنها لا تشبهه.
غابت قضايانا وبيئتنا، غاب مجتمعنا بما يحمله من نزاهة وأخلاق، طُمس تاريخنا وحضارتنا، بفضل من يطلق عليهم لقب صناع الدراما العربية، الذين يلهثون خلف المكاسب المادية دون مراعاة أو رقابة، ويقومون بتدمير مجتمع بأكمله.