يضع البعض معايير جمالٍ خاصّة: امرأةٌ ممشوقة القوام، ذات جسد نحيل، تغطي وجهها مساحيق التجميل، تبرز مفاتنها بشكل لافت، بصرف النظر عن القيَم الفكرية والثقافية التي تحملها، ولا ضير إن كانت عديمة الجدوى، بعقلٍ خالٍ من المعرفة والتنوّر، الأهم هو تطبيق المثل الفرنسي القائل: Sois belle et tais-toi، أي كوني جميلة، واصمتي.
بعد أن أظهر المنتخب الإيراني النسائي تفوّقًا واضحًا في وجه نظيره الأردني، الذي منعه فوز المنتخب الإيراني من التأهّل في بطولة أمم آسيا لعام ٢٠٢٢، خرج الأمير علي بن الحسين، رئيس اتحاد كرة القدم في الأردن، مطالبًا بالتحقّق من جنس اللّاعبة الإيرانية، حارسة المرمى، زهرة كودايي البالغة من العمر ٣٢ عامًا، والتي تعاني مرض اضطراب هرمونات الأندروجينات الذي يبديها بملامح ذكورية، أو ما يسمى بمرض تضخّم الأعضاء، ما فتح الباب على مصراعيه أمام أكبر حملة تنمّر وازدراء بحق اللاعبة الأنثى.
مرّت لحظات على الفوز، فاجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام “المنفتح”، ذي الرؤية الديمقراطية وتقبّل الآخر، حملات من التنمّر والإهانة لزهرة، ومشى مَن مشى، وراء ما طالب به رئيس اتحاد كرّة القدم في الأردن، وأعانوه على استكماله، بكمٍّ هائل من ألفاظٍ وتعابيرٍ وتشبيهاتٍ مُعيبة شبيهة بفحواها للغة “أبناء الشوارع”، لا تمتّ لفطرة الإنسان الخيّرة بصِلة. لكن اللافت هنا، وغير المُستهجن، هو مواقف أفراد ومؤيدي ما يُسمى بـ”المجتمع المدني” الذي ما انفكّ يومًا عن المطالبة بحقوق النساء تحت غطاء المساواة بين الجنسين، مناصرًا لمبدأ “النسوية”. هؤلاء الذين اعتدنا على تضامنهم مع كل حدثٍ أو موقفٍ يمسّ بامرأة “الصالونات خاصتهم” لم نسمع منهم أي كلمة تضامن أو بيان يُدين ما تعرّضت له زهرة.
عذرًا عزيزتي زهرة، فالمشكلة لا تكمن في مظهرك، بل تكمُن في عقولهم المريضة، وحقدهم على جمهوريةٍ إسلاميّةٍ تنتمين إليها وتحملين هويّتها، حاربت الخضوع والانصياع، ونسب انتصارات أو انجازاتٍ لهذا الطرف. إنّه عقل عربيّ التعريف مُستعرب التطبيق، العقل الذي يأبي أن يرى نساءً ناجحات، وهو القابع في بُقعةٍ جغرافية حُصرت فيها الانجازات بأسماء الرجال فقط.
ربّما، بل حتمًا، لو اختلفت الأدوار أو الشخصيات، وبرز وجه إحداهن في الإعلام مطالبةً بخلع حجابٍ لا تفقه منه سوى أنه عبارة عن قطعة قماشية تعتبرها غطاءً لعقلها، وأخرى تسعى خلف “التحرّر” من ملابسٍ تحدّ من سفراتها أو علاقاتها الاجتماعية، أو امرأة اختارت العيش في أحضان رجلٍ تساكنه تحت عنوان التحرّر أيضًا، أو أمّ عزباء بأولادٍ بلا نسبٍ أو أبٍ، لوجدتِ الكثير ممّن يهتفون بأسمائهن داعمين ومشجعين “حقوق المرأة”، مُطالبين الجميع بالإفصاح ولو بكلمةٍ واحدة عن موقف ورأي داعم لـ”نضالها” والأسف على معاناتها، وشتم وإهانة مَن يُقصّر.
عذرًا عزيزتي زهرة، فأنت لست لاعبة سعودية، تجتمع مع العدوّ الإسرائيلي في ملعب واحد، وتشبك فيه يديها بيدي لاعبته، وتخلع حجابها قبل المباراة بثوانٍ معدودة.
إنها معاييرهم الجمالية الهشّة، المحشوة بالبوتوكس والفيلير، حيث يخبئون خلفها عقولهم المهترئة وانحطاطهم الأخلاقي، وحريّتهم المُختارة على “الكاتالوغ” وفقًا لجنسية المُستهدَفة وهُويّتها وانتمائها.
فعذرًا مجدّدًا، وشكرًا، على إظهار صورة المرأة الحقّ وقدرتها غير المحدودة على تحقيق النجاحات، ورفع اسم بلادها، خصوصًا وإن كانت بلادها لا تعرف الخضوع يومًا، بل عرّفت العالم أجمع على انتصاراتٍ وانجازاتٍ سعى لها الجميع قولًا، فحقّقتها هي فعلًا.