النسوية بين الماركسية والكولونيالية والوثائق الأميركية

لدى الحديث عن النسوية يمكن ملاحظة التوجه المبرمج الذي عمد إليه الغرب والذي بدأ اشتراكيًا ولم ينهِ رحلته بعد مع النيوليبرالية.

عام 1844 دعا الفيلسوف الألماني فريديك إنغلز في كتابه “أصل العائلة” إلى نبذ فكرة العائلة وإلى شيوعية الجنس والأطفال. ثم اتخذت النسوية المنحى الماركسي بعدما تغلبت الماركسية على غيرها من الحركات الاشتراكية. وكانت هذه التيارات اليسارية هي أكثر من عمل على الانفصال.

يمكن تقسيم الحركة النسوية على النحو الآتي: النسوية الليبرالية والنسوية المتطرفة والنسوية الاشتراكية، ونسوية ما بعد الحداثة. وكان يتم التنظير لها من قبل فلاسفة اجتماعيين واقتصاديين. وكلها خدمت التحولات الاقتصادية التي أفرزتها الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر. وقد كان العدد الأكبر من العاملين في المصانع من النساء. وبدأ التنظير للتحرر من القيم الاجتماعية والترويج لإلغاء كافة أشكال التمييز بين الرجل والمرأة من منظور القيم المادية على المبادئ الليبرالية، على أن كافة الجهات التي نظّرت للنسوية كانت رؤيتها مدعومة من العقل الراعي لرأس المال.

اجتماعيًا، بدا هذا تحوّلًا حضاريًا طبيعيًا ناتجًا عن الثورة العلمية والصناعية في الغرب، وكرد فعل ثوري على السلطة البطريركية الأبوية. ومع انحسار سلطة الكنيسة لتحل محلها الأنظمة العلمانية، كانت حركة التحرر النسائي مسألة سهلة ومدعومة بالقوانين والتشريعات.

في تلك الفترة، ما بدا أنه حركة تقدّمية وتحررية للشعوب الأخرى، لم يكن سوى أحد المداخل التي قادت المشاريع الإمبريالية الكبرى في القرن التاسع عشر، إذ استخدمت النسوية للحصول على غنائم المستعمرات، كما حصل مع القنصل البريطاني في مصر اللورد كرومر (1883 – 1907) الذي اعتبر أن “إهانة الإسلام للمرأة من خلال إجبارها على الحجاب والعزلة كان “عقبة قاتلة” أمام “وصول المصريين إلى الرقي في الفكر والشخصية الذي ينبغي أن يترافق مع دخول الحضارة الغربية”، وأنه يجب “إقناع” المصريين أو إجبارهم على أن يصبحوا “متحضرين” بالتخلص من الحجاب.

لكن ماذا فعل كرومر عندما عاد إلى بريطانيا؟ لقد أسس وترأس رابطة الرجال لمعارضة حقّ المرأة في التصويت، والتي حاولت بكل الطرق منع النساء من التصويت في وطنه.

وفي العصر الحديث وقف بوش أمام الأمم المتحدة وقال “قمع المرأة في كل مكان خاطئ دائمًا”، محفّزًا الغرب على مهاجمة العراق “من أجل نسائه”. تمامًا كما كان لتحرير النساء من البرقع حصة لقصف أفغانستان، وتم حصار الصين بسبب سياسة الطفل الواحد، والهند بسبب الاعتداء على حرق الأرامل. ولكن، في الولايات المتحدة، لا يعود بوش نسويًا، في أول يوم له في المكتب البيضاوي، قطع التمويل عن كل منظمة دولية لتنظيم الأسرة تقدم خدمات أو استشارات تتعلق بالإجهاض.

الواقع أن استخدام الاستعمار للنسوية للترويج لثقافة المستعمرين وتقويض الثقافة المحلية، قد أضفى على النسوية في المجتمعات غير الغربية وصمة كونها “أداة للسيطرة الاستعمارية”، ما جعلها مشبوهة في عيون العرب، “وعرضة لتهمة حليف المصالح الاستعمارية”، تقول ليلى أحمد في كتابها “المرأة والجندر في الإسلام”.

أما اليوم، فلم تتوقف الإمبريالية عن الاستثمار في النسوية، إذ يدخل خطابها التخريبي في كل شيء باستثناء الكفاح من أجل تحسين أوضاع النساء في الدول العربية والاسلامية، ضمن رؤية تحررية تشمل تدمير الهوية أو الدين أو الثقافة.

ويمكن القول إن هذه الحركة كحركة فكرية اجتماعية بدأت تتلاشى ولم يبقَ منها إلا الاستثمار في المجتمعات المستهدفة، وبسبب هيمنتها على أي حركة إصلاح حقوقية خاصة بالمرأة، أثرت هذه الحركة على كل مطالبة نسائية باستنهاض أو تمكين أو مطالبة عملية بتحسين الواقع، إذ أصبح يطلق عليها “نسوية”. علمًا أن أغلب الرافعات لشعار النسوية يجهلن تعثّر المصطلح في جوهره، ويعتقدن أنه مجرد مصطلح للمطالبة بالحقوق ورفع الظلم وتحسين الواقع. والجدير ملاحظته، حتى الموجة النسوية في الغرب على المستوى التنظيري لم تعثر على هويتها بعد، وعلى المستوى العملي تحمل الكثير من التناقض بين الأفعال والتنظير. وقد حولتها المساجلات من جهة، والمصالح من جهة أخرى، إلى معضلة لا مناص من مراعاتها وفهم تداعياتها وأبعادها، خاصة أنها تسللت إلى بيئات وازنة في العالمين العربي والإسلامي.

لقد دخلت إرهاصات النسوية إلى مجتمعنا القيمي من باب التحيّز والسخط على الواقع وليس من باب الرؤية الواضحة. وقد عمدت المنظمات غير الحكومية إلى التركيز المكثف على منهجية فكرية لا تسمن ولا تغنِ من جوع، كالتركيز مثلًا على الجندر بدلًا من العناية بقضايا المرأة وحقوقها البديهية.

إلى ذلك، ثمة إرهاصات للتكنولوجيا الاتصالية، وكل ما يمكن أن تقدمه من خدمات مجانية سواء كانت إيجابية لناحية حصول إدراك ووعي لدى المرأة يدفع إلى تطوير آفاقها وتحسين واقعها، أو سلبية لناحية تلقي المرأة مسألة تطورها وحقوقها بشكل خاطئ، بل مدمّر، خاصة في غياب الانفتاح على التنظير الديني الإسلامي لوضع رؤى قادرة على استنهاض وتحسين واقع المرأة العصرية في مجتمعاتنا، وفق رؤية منهجية واضحة قادرة على تحقيق الأهداف والتخفيف من إرهاصات هذه الهجمة الثقافية – الاستعمارية، والنهوض بالمرأة ضمن رؤية قيمية نقدية تُظهر البعد التخريبي في استخدام خطاب النسوية، خاصة وأن ثمة وثائق أميركية توضح الخطط والميزانيات المطروحة التي تدخل عبر المنظمات غير الحكومية إلى الدول.

اساسيالامبرياليةالنسويةالولايات المتحدة