درهم وقاية

ناصر علي – خاص موقع الناشر |

في عالم التّكنولوجيا تُدهشنا التّطوّرات بسرعتها وبراعة تنظيمها، في حين يبقى حيّز الإنسانيّة الأكثر تهميشًا في كلّ مجالات التّقدّم، فصار الإنسان خادمًا مُضحّيًا في حلبات سباق الصّناعة والتّجارة وأنواع الخدمات، بينما من المفترض أن يكون كلّ ذلك مُسخّرًا لأجل تحضّر الإنسان وبناء ثقافته.

وعندما ندخل من زاوية الإنسان إلى عالم المرأة نُدرك تمامًا حجم الخسائر الّتي أفرزتها ثقافة المادّة والتّبعيّة والّتي تعمُّ آثارها كامل المجتمع البشريّ وبشكلٍ سلبيّ.

لقد جُبلَت القلوب على حبّ المعرفة والكمال، لكن المنظار السّليم الخالي من غبار الأنا هو الوسيلة الأمكن كي تبصر هذه القلوب بوصلة الطّريق القويم؛ فما كان يجب أن تراه بديهيًّا صارت تراه تخلّفًا وتعقيدًا، كما صارت ترى الجهل أنفع وسيلة لاكتساب الرّاحة المزيّفة، وتلاشي القيَم نقطة النّفوذ إلى النّجوميّة المصطنعة من الانحطاط الفكريّ، والّتي باتت هدفًا ساميًا تسعى (القلوب) لتحقيقه.

لقد مُنِحَ الإنسان ذلك الدّرهم ومن دون مقابل، وقايةً لإنسانيّته وشرفًا يميّزه عن سائر الكائنات، فعجبًا له لا يفقه سرّ وجوده متعمّيًا بخرقة اللّذات الدّنيئة! فشرّع التّفلّت في تلبية الحاجات الفرديّة تبريرًا لهروبه من مواجهة الأخلاق والمبادئ، ثمّ تعزيزًا وتثبيتًا لهيمنة فكره المنحرف، فبات يدافع عن الشّذوذ والوضاعة تحت عنوان معالجة الآفات النفسيّة، ويا لها من تعاسة، حيث غرِق في وحول تلك الآفات بدل أن يحصل على جرعة الدّواء.
على سبيل تقريب وجهة النّظر، كأن ينظُر أحدهم إلى الشّمس وهو يعرف تمامًا مدى حاجته لها، لكن مع ذلك فإنّه يريد لها أن تنطفئ، فيعبث بكلّ ما أمكنه العبث به حتّى يصل إلى مبتغاه ظنًّا منه أنّه يستطيع تحقيق ذلك المستحيل، فواقعًا حاولوا تجريد المرأة من لباس العفّة و الحياء تحت مسمّيات الحريّة وحقوق المرأة، حتّى غدت كالسمكة خارج الماء وماتت إنسانيّتها، فلا هي تخجل من تعرّيها، ولا هي تفهم مدى سلبيّة ما تمارسه بحقّ نفسها ومجتمعها؛ فقد بات الجوّ العام مؤاتيًا بعد عمليّة غسل الأدمغة وسَلْب القيَم فعاليّتها بل وحتّى تحويل الحقارة والسّفالة إلى قيَمٍ راقيةٍ وحقّ لنا أن نسمّيها الشّيطنة.

ينبغي للمفكّرين والباحثين والباحثات السّعي الحثيث لأجل إنقاذ الجيل الصاعد من هيمنة تلك الشّيطنة. وعلى المرأة نفسها أن تتحرّر من قيود العاطفة السّلبيّة وتوقظ في قلبها عقل الحكمة والتفكير حتّى لا توقع نفسها في شباك العنكبوت الهزيلة حيث ستظنّ أنّها تتحرّر من قيود فُرضت عليها، بَيد أنّها تجهل أنّها تركت نفسها دون حماية في مواجهة أعاصير الحيوانيّة المُهلكة، فما الحجاب إلّا وعي ذاتيّ لقيمة الإنسان وتكامله، وستر ظاهريّ للجوهر الثّمين الّذي منحه الخالق للمرأة كي يُحفظ الإنسان ويسير نحو تكامله وتنمو فيه بذور الأخلاق الحسنة ويعمر الكون كلّه بريادة هذا المخلوق المقدّس.

اساسي