بعد العدوان الأخير على قطاع غزة في أيار الماضي، انجلى غبار المعارك عن دمار ضخم لحق بالأبنية والأبراج والمنازل أدّى إلى تشريد مئات العائلات، كما تدمّر جزء كبير من البنية التحتية في القطاع مما أدى إلى انقطاع الكهرباء والمياه عن مناطق عدة في القطاع لفترات طويلة قبل أن تعود التغذية جزئياً وبتقنين قاسٍ حتى يومنا هذا. حازت هذه التبعات للحرب التي جرت على مجمل تغطيات الإعلام بطبيعة الحال، وأدّت إلى تسليط الضوء على معاناة المتضررين المدنيين بمختلف جوانبها، لكنّ فصولاً أخرى من الأضرار وتبعات الحرب بقيت تحت التهميش ولم تحظ بقسط وافر من التغطية الإعلامية، أهمّها الدمار الذي لحق بالقطاع الزراعي في غزة وآثاره وتبعاته على أهل غزة مزارعين ومستهلكين.
الواقع الزراعي بعد الحرب الأخيرة
بحسب تقديرات جمعية العربية لحماية الطبيعة وبالتنسيق مع وزارة الزراعة الفلسطينية، تجاوزت قيمة خسائر القطاع الزراعي المباشرة وغير المباشرة 200 مليون دولار أمريكي، منها حوالي 126 مليون دولار خسائر مباشرة و78 مليون دولار خسائر غير مباشرة، سواء في قطاع الإنتاج الحيواني (ماشية، دجاج بياض ولاحم، نحل، طيور، معامل إنتاج حليب، حظائر..) والثروة السمكية (مراكب صيد وآلات، برادات، برك ومزارع إنتاج السمك..) كما في قطاع الإنتاج النباتي (محاصيل، دفيئات، مشاتل، برك زراعية، مبيدات وأسمدة زراعية..)، كما عانت البنية التحتية الزراعية من أضرار ضخمة على صعيد الآبار وخزانات المياه وشبكات الري والطاقة الشمسية وغير ذلك.
أدّت هذه الأضرار إلى تراجع الإنتاج الزراعي في قطاع غزة بنسبة فاقت الـ20%، وإلى ارتفاع نسبة البطالة وتزايد العجز الغذائي بينما لا تزال المشكلة قائمة في إعادة إعمار القطاع الزراعي بعد أن أصبح من الصعب جداً على المزارعين المتضررين، وجلّهم من أصحاب المزارع الصغيرة ويعتمدون على العمالة العائلية، أن يقوموا بإعادة إحياء مزارعهم وسداد ديونهم والنهوض من جديد.
مشروع “ساند ” REVIVE
وسط هذا الواقع الصعب قررت جمعية العربية لحماية الطبيعة بالتعاون مع الحملة العالمية للعودة إلى فلسطين أن تطلق مشروعها الجديد “ساند” الذي يهدف إلى إعادة إعمار وإحياء القطاع الزراعي في غزة ضمن خطوة يفترض أن تكون الأولى في مسار متكامل للنهوض بهذا القطاع من جديد. وسيقوم هذا المشروع بالمساهمة في إعادة تأهيل القطاع الزراعي عبر حماية مزارعي غزة الذين يعوّل عليهم بإطعام 2,5 مليون نسمة من سكان قطاع غزة المحاصر منذ 15 عاماً، بالإضافة إلى الحيلولة دون انهيار النظام الغذائي في غزة، لا سيما بعد استهداف الاحتلال لجميع مقوماته وأركانه، وذلك عبر إنشاء مشاريع تحقق الفائدة المستدامة وتثبت صمود المزارعين، ولا تتوقف عند الإغاثة المؤقتة ذات التأثير المؤقت والمحدود، مما سيساهم في تعزيز الأمن الغذائي للعائات المتضررة والمساهمة في تحقيق الاكتفاء الذاتي ببعض المحاصيل، كما سيؤدي إلى توفير فرص عمل ومصادر دخل إضافية لعائلات المزارعين.
ويستهدف هذا المشروع بشكل رئيسي مزارعين سيتمّ اختيارهم وفق كشوفات ترصد الأضرار التي لحقت بهم وأولويات المناطق، مع الأخذ بعين الاعتبار معدل دخل الأسر وإذا كانت من ذوي الدخل المتدني، مع إيلاء الأولوية للأسر التي فقدت معيلها خلال العدوان الأخير وتلك التي تضم أفراداً من ذوي الاحتياجات الخاصة، بالإضافة إلى الأسر التي تعاني من البطالة والأسر التي تعيلها النساء فضلاً عن الأسر التي تضمّ طلاب جامعات.
أهداف المشروع بالأرقام
يهدف مشروع “ساند” بنتائجه الأساسية المتوقعة إلى تأمين ما يزيد عن 1,500,000 مليون ونصف المليون كيلوغرام من الخضراوات المتنوعة التي سيتم إنتاجها في الزراعات المكشوفة والمحمية، بواقع إنتاج حوالي 5,000 كيلوغرام من الخضراوات للمزرعة الواحدة مما سيوفّر مردوداً اقتصادياً بواقع 300,000 دولار على الأقل، كما سيوفر غذاءً لـ 164,835 شخص. كما سيقوم المشروع بتأمين ما يزيد عن 960,000 كيلوغرام من الفواكه سنوياً مما سيوفر مردوداً اقتصادياً بواقع 673,400 دولار سنوياً على الأقل بعد السنة الثالثة من الزراعة، وسيؤمن ما يزيد عن 175,000 كيلوغرام من الأعلاف بمردود اقتصاديّ يبلغ 105,000 دولار. وعلى صعيد الإنتاج الحيواني سيوفّر المشروع 100,000 دجاجة للسوق المحلّي، بواقع 180,000 كيلوغرام من اللحم مما سيوفر مردوداً اقتصادياً بواقع 450,000 دولار على الأقل، بالإضافة إلى إنتاج 10,000 كيلو عسل سنوياً بقيمة 120,000 دولار.
أما على صعيد البنية التحتية، فسيقوم المشروع بتوفير 48,000 متر مكعب من المياه، التي ستروي آلاف الأمتار من الأراضي الزراعية، فضلاً عن تمديد شبكات ريّ رئيسية وفرعية على مساحة 400,000 متر مربع واستهداف 1,950 أسرة يعيلون ما يزيد عن 12,090 فرد، مع توفير 3,600 فرصة عمل دائمة ومؤقتة.
ويفترض المسؤولون عن إطلاق مشروع “ساند” في العربية للطبيعة والحملة العالمية أنّ هذه المبادرة ستساهم في تثبيت صمود وتمسك المزارعين بالأرض وبالزراعة حيث يمثل تمسك وتشبث المزارع الفلسطيني بأرضه أحد أهم مقوّمات مقاومة الاحتلال والاستيطان، ويفوت الفرصة على الخطط الإسرائيلية بتفريغ الأراضي الفلسطينية من السكان؛ كما سيساهم هذا المشروع في ترشيد إدارة الموارد الطبيعية في الأراضي الفلسطينية والرفع من مستوى التنمية المستدامة والاستفادة من الاراضي الزراعية والمياه بما يضمن استمرارية الحياة الكريمة لأهل فلسطين ولا سيما غزة المحاصرة، بالتوافق مع توصيات الأمم المتحدة والمنظمات العالمية المنبثقة عنها ومقررات شرعة حقوق الإنسان المرعية الإجراء من قبل الأغلبية الساحقة من الحكومات العالمية.
إنطلق مشروع “ساند” الإثنين في التاسع من آب/ أغسطس، عبر بثّ مباشر على العديد من القنوات التلفزيونية الفلسطينية وصفحتي الحملة العالمية والعربية لحماية الطبيعة، وهو يقوم على الدعم الذي يقدّمه محبو فلسطين حول العالم، ويقوم بتحويل البعد الجغرافي عن فلسطين إلى قرب واقعيّ عبر تأمين القدرة على مساعدة الفلسطينيين فعلاً في الصمود في أرضهم والثبات على حقهم. ولا شكّ أنّ دعم فلسطين بالمال اليوم يعني أنّ غداً بلا احتلال يسوّد أفق العالم والإنسانية بات أقرب إلى واقع كل إنسان في هذا العالم.