في المساحة التي بين المزاح والجد، وبين العنوان البرّاق والمضمون المشبوه، ولنقل بين الشعار المحقّ والرسالة المواربة، يكمن كمّ نسويّ مبرمج على استهداف المرأة- الإنسان لصالح المرأة-الدمية، وبالتالي على استهداف القيمة الإنسانية لصالح السلعة الخاضعة لشروط السوق وميزان العرض والطلب.
وحين نقول كمًّا نسويًّا لا نعني فقط مجموعة من النساء اللواتي أسأن فهم إنسانيتهنّ ومزاياهنّ كعناصر فاعلة في كلّ مجتمع إنساني، بل نضيف إليهنّ جمهورًا من الإناث والذكور الذين احترفوا تحويل كلّ فكرة عن مسارها الطبيعي ودسّها في سياق يغذّي شعورًا بالاضطهاد، قد يكون حقيقيًا على مستوى فرديّ ضيّق، ويأخذه نحو سياق أكبر، أو نحو مستنقع متسع بمكوّنات هجينة، قد يحوي شعارات محقّة لكنّها حتمًا يتكوّن من ارتكابات انسانية هائلة من تسطيح دور المرأة وصورتها إلى تحويلها إلى سلعة في سوق!
الفارق بين النموذجين إذا صحّ اعتبار المرأة-الدمية نموذجًا نظرًا لكونها باتت عنصرًا متواجدًا في المجتمعات ومؤثّرًا لا سيّما على الساحة الإعلامية، ليس مجرّد فارق في المظهر، بل هو تناقض جوهري ويتعلق بكلّ منظومة القيم والأخلاق التي يحملها الإنسان عمومًا ويمتلك خيار تنميتها أو إلغائها.
ولكي تسهل المقارنة، وبعيدًا عن شخصنة الموضوع، يمكن اعتماد الساحة الإعلامية ساحة نموذجية يمكن فيها التدقيق بمختلف النماذج واستخلاص المشتركات -إن وُجدت- والمتناقضات.
المرأة-الإنسان، النموذج المستهدَف من قبَل “نسوية” المرأة-الدمية، هو نموذج يسهل التعرّف عليه: معالم الوعي والالتزام القيمي موجودة في كلّ تفاصيل شخصيتها، حضورها يتحدّث عن نفسه في مختلف الميادين، وقوتها تكمن في تعاليها عن أي استعراض تحاول فيه اثبات إنسانيتها وقيمتها ودورها؛ فهذه العناصر ساطعة بحيث لا داعيَ للدلالة عليها.
ولهذا تستهدفها جماعات المرأة-الدمية، وحين نقول “دمية” لا نعني حصرًا مدمنات عمليات “تجميل” المظهر بقدر ما نعني الشخصية التي تمّ تسليعها بحيث أصبحت شيئًا على رفّ الإستعراض. والرفّ يحوي “أشياء” كثيرة، تتعدّد أشكالها وأدوارها كما تتعدّد أصناف السلع في أيّ سوق. بكلام آخر:
المرأة التي تكرّر شعارات من دون فهم مضامينها أو من دون البحث في سياقاتها وأهدافها تتحوّل مع الوقت إلى جهاز ناطق بهذه الشعارات ببغائيًا.
المرأة التي تعتبر أن أنوثتها هي المحرّك الرئيسي لدورها في المجتمع هي حكمًا في درب التسليع الذي يريد أن يُسقط عن المرأة عناصر شخصيتها الإنسانية لصالح العنصر البيولوجي.
المرأة التي تتصدى لكل القيم المجتمعية تحت شعار التحرّر الملتبس هي أيضًا سلعة تستخدمها “المنظمات النسوية” في إطار الحرب الثقافية.
وكلّ هؤلاء هم عمليًا دمى ارتضت التخلي عن دورها الإنساني لأسباب كثيرة ومتشعبة لا يتسع المجال هنا لذكرها.
اليوم، ولا سيّما في ظل احتدام الحرب على المستوى الثقافي والإعلامي، المرأة-الإنسان التي أرست وشكّلت وأنشأت وشاركت بصناعة المجتمع الذي يقاوم على المستوى الثقافي والإعلامي هي في رأس لائحة أهداف الحرب، والسلاح الذي يستهدفها هو سلاح مبتكر، صنع بشكل يشبه هدفه، ويتوجه نحوه بشعارات وكلمات تحاكي مشاكله وهواجسه، سلاح اسمه “نسويات”.